| مقـالات
يكثر الحديث في هذه الأيام عما يطلق عليه متلازمة داون (DAWN SYNDROME) في الوقت الذي يتساءل الكثيرون ممن يتابع الطرح الصحفي، من مقال وتصريح ورأي وتقرير مختصر عن متلازمة داون، ماذا تعني ونوعية الفئة التي تنتمي لها. ولأهمية هذا الموضوع، الذي غاب عن وعي المجتمع به لفترة غير قصيرة، رأينا هذه المشاركة، المقتضبة، خدمة للمجتمع وأهله، وذلك من خلال أربعة محاور رئيسة:
1 متلازمة داون: المفهوم وأسباب حدوثها.
2 متلازمة داون وجمعية النهضة النسائية الخيرية(1).
3 متلازمة داون والأفراد والمؤسسات والهيئات والجهات الحكومية.
4 متلازمة داون والإعلام الوطني.
وهذه المحاور الأربع، تؤخذ كمنظومة واحدة مترابطة ومكملة لبعضها البعض عند التطرق لموضوع متلازمة داون.
المحور الأول: متلازمة داون: المفهوم وأسباب حدوثها
تنسب عبارة «متلازمة داون» إلى مكتشفها الإنجليزي البريطاني الدكتور (John Lanqdon Down) جون لانجدون داون، الذي وصف السمات والخصائص المشتركة لمجموعة الأشخاص ذوي متلازمة داون، ولأول مرة عام 1866م. فمتلازمة داون يفهم منها أنها خاصة بالإنسان «ذو تثلث الصبغية يعني وجود موروث صبغي زائد عند الشخص. أي أن إجمالي المورثات الصبغية لدى الشخص هو 47 موروثا في حين أن هذا العدد هو 46 موروثا لدى الأشخاص العاديين. وتكون الزيادة عادة في الصبغي رقم 21 من المورثات.. الذي يعرف بمتلازمة داون». وتعد متلازمة داون نوعاً شائعاً من التأخر العقلي المؤدي إلى نقص الذكاء في الأطفال الذين يعانون منها مقارنة بالأطفال العاديين.
وعلى الرغم من عدم توصل العلم إلى حد قطعي لمعرفة السبب الرئيسي وراء زيادة هذا الموروث الصبغي المؤدي إلى تثلث الصبغة 21 والمتفق عليها بمتلازمة داون، إلا أنها تحدث في كافة المجتمعات والمجموعات العرقية في أرجاء المعمورة دون تمييز. ومن هنا يمكن أن يصيب زيادة هذا المؤرث الصبغي أي طفل.
حيث تشير الدراسات أن نسبة إنجاب طفل ذي متلازمة داون حالة واحدة من 8801000 حالة ولادة في جميع أنحاء العالم. والثابت أن أحد الأسباب لإنجاب طفل يحمل هذه الحالة هو عمر الأم. ففي الوقت الذي يمكن أن يولد طفل في كل 1500 حالة ولادة لأمهات تقل أعمارهن عن ثلاثين سنة، فإن حالة واحدة في كل 47 حالة ولادة لأمهات في السن الخامسة والأربعين أو أكثر تعاني من هذه الحالة.
ومع ذلك تثبت الاحصائيات أن 80% من الأطفال ذوي متلازمة داون بشكل عام ولدوا لأمهات أعمارهن دون سن الخامسة والثلاثين. وتؤكد الاحصاءات الصادرة من منظمة الصحة العالمية بأن حوالي 2% منهم يموت قبيل الولادة وأثناءها.. كما تموت نسبة تتفاوت من 4050% منهم خلال السنة الأولى.
والواقع أن خطورة حدوث حالات الأفراد ذوي متلازمة داون، بالرغم من جاذبيتهم، وفي الوقت نفسه، يشبهون الأطفال العاديين أكثر مما يختلفون عنهم، إلا أن الصفات المميزة لهم تصبح أكثر وضوحاً كلما تقدموا في العمر. ويلاحظ ذلك من الخصائص الجسدية الشائعة بين الأطفال ذوي متلازمة داون، منها :
تسطح الجانب الخلفي للرأس، عينان شبيهتان، أنف عريض، وغيرها، والذي يحدده المتخصصون. ولتنبيه القارئ والقارئة العزيزة فإنه ليس من الضروري وجود مثل هذه الخصائص لدى الأطفال فيعني ذلك إصابتهم، أو يندرجون، تحت مسمى متلازمة داون..
إذاً نستنتج من المحور الأول أن هناك واقعاً يدعى متلازمة داون الذي قد لا نطلق عليه ظاهرة أو ظاهرة مرضية لكن يجب التنبيه لها والعمل من أجل الحد منها. وحقيقة أخرى يجب أخذها بالاعتبار ألا وهي أن الأشخاص ذوو متلازمة داون مثلهم مثل الآخرين لهم مشاعرهم وأحاسيسهم، تعبر عن الفرح والحزن، الحب والكراهية، الصمت والسكون وغير ذلك.
وعليه فهم أشخاص ذوو مكانة اجتماعية، وفئة يمكن التعامل معها قادرة على العطاء والمشاركة الاجتماعية.
المحور الثاني: متلازمة داون وجمعية النهضة النسائية الخيرية
على حد معلوماتنا في الوقت الحاضر، هناك عدد من المراكز التي تهتم بخدمة أطفال متلازمة داون (كجمعية متلازمة داون بالرياض ومركز الجفال بجدة بالإضافة إلى التعليم الخاص المكفول بوزارة المعارف والرئاسة والشؤون الاجتماعية) كذلك هناك مدارس خيرية النهضة لمتلازمة داون، التابعة لجمعية النهضة النسائية الخيرية، التي تعتبر السباقة في هذا المجال، والمسجلة برقم 2 في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
هذه الجمعية أسست مدارس خيرية النهضة لمتلازمة داون، تنفرد بتقديم الخدمات التربوية والتعليمية للأطفال ذوي متلازمة داون من سن الميلاد وحتى سن الواحدة والعشرين سنة. والمساحة لا تتسع لتوضيح وظيفة الجمعية ومراكزها المتعددة، وتطبيقاتها الإجرائية والعملية وأهدافها ومناهجها وبرامجها التدريبية المهنية، فهذا العمل لا يقوم به إلا بشر عظماء تعطي حق الكرامة الإنسانية لأشخاص قدر لهم أن يكون كما شاء الله جل جلاله.
فضلا عن نشاطات أخرى لا تقل أهمية تقوم بها الجمعية كالخدمة الاجتماعية والتأهيل والتراث والتعليم المتواصل والتوعية الصحية.
ومنذ بداية عمل مدارس النهضة (متلازمة داون)، بأربعة أطفال، فقد نمت هذه المدارس بجهود مجموعة نسوية خيرة تقودها إدارة ناجحة حتى أصبح عدد المقبولين 146 طالبا وطالبة و495 على قائمة الانتظار!؟ هنا نستنتج من المحور الثاني أن جمعية النهضة النسائية الخيرية ممثلة في مدارس النهضة للتعليم الخاص تعتبر النواة الأولى والأمل الذي ينشده الأطفال ذو متلازمة داون قبل أولياء أمورهم، والذين يحتاجون الوقوف معهم، ولربما يأتي اليوم الذي قد يتعرض أحدنا لأمر كهذا أو غيره. فالجمعية بمدارسها ونشاطاتها المتنوعة تقوم على التبرعات المادية والعينية، مما يتطلب الاستجابة والدعم المالي والمعنوي من قبل الأفراد والمؤسسات والهيئات والجهات الحكومية. ولمزيد من المعلومات يمكن الاتصال بالجمعية ومدارسها، والرقم هو (4659954 أو 4651563 01) أو الكتابة على عنوان الجمعية : 8 ممر العبيلة حي السليمانية ص.ب7 الرياض 11411.
المحور الثالث: متلازمة داون والأفراد والمؤسسات والهيئات والجهات الحكومية
وبعد أن عرفنا أن هناك فئة غالية تحتاج المساعدة والعون، وان هناك عدداً كبيراً (495 شخص) على قائمة الانتظار، وهو المعلن رسميا، ولربما هناك أكثر مما نتوقع داخل الأسر، إلا أن الخجل الاجتماعي أمر يثير الانتباه، وجب العمل على طمسه وذلك بتوعية المواطنين بأن الفئة التي تعاني من متلازمة داون لهم الحق في الخدمة والاهتمام خارج الأسرة.
وبالتالي أتساءل ما دور الأفراد والمؤسسات والهيئات، وخصوصاً، الجهات الحكومية الرسمية؟ أرى أن الأمر يتجه إلى ثلاث جهات: الجمعية وما تقدمه من دور للتوعية الإعلامية، وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ومدى التنسيق، في رأيي الشخصي، مع وزارة الصحة المعنية بالرعاية الصحية والنفسية للمواطنين، والأفراد والغرف التجارية الصناعية وما تقدمه من دعم مادي للجمعيات الخيرية.
أما فيما يتعلق بدور الجمعية فإن الجانب التوعوي والإعلامي من الأمور التي يجب أن ترسم في خططها الإدارية والتعريفية بالجمعية. وربما لخصوصيتها كجمعية نسائية، فإن مساحة التحرك الإعلامي يكون محدداً، وبالتالي فإن البحث عن مخرج يناسب تلك الخصوصية للجمعية، سيتيح بمشيئة الله التعريف بنشاطاتها، علما أن الجمعية تقوم على الهبات والدعم التطوعي والمعنوي الداخلي المتمثل في قياداتها، ومن يعمل تحت لوائها، والخارجي الذي يحتاج إلى جذب أفرادها للدعم المالي والمعنوي، والذي تحتاجه أية هيئة أو جمعية تطوعية لا تهدف إلى الربح، إنما تهدف إلى تقديم خدمة انسانية.
وتأسيسا على ذلك فالجمعية مطالبة اليوم أكثر مما مضى وبشكل مكثف الاستفادة من مثيلاتها، ودعوة الجمعيات المماثلة من خارج المملكة، للاستفادة من التجارب والخبرات المتنوعة الإنسانية والتدريبية والعلاجية والإعلامية وغير ذلك مما يساعد على تحقيق أهداف الجمعية.
أما فيما يتعلق بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، فليس لدي معلومات كافية عن نوعية العلاقة بين الوزارة والمؤسسات الخيرية، وخصوصاً فيما يتعلق بجمعية النهضة النسائية الخيرية.
إلا أنه يمكن طرح السؤال التالي: لماذا لا تقوم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بالتعاون مع وزارة الصحة بعمل مسح عام بين السكان للكشف عن متلازمة داون والبحث في المورثات ونتاج المورث الخاص بالصبغي 21، لتقديم الرعاية الطبية العالية الجودة لذوي متلازمة داون، وتطوير مهاراتهم وقدراتهم في الحياة الأسرية وكافة أوجه الأنشطة الاجتماعية؟
أما الأفراد فإن الدور الذي يمكن أن يقوموا به يكمن في المبادرة الذاتية بدافع عمل الخير. إلا أن الأفراد يصبحون بعيدين كل البعد عندما لا تكون لديهم المعلومة الوافية أو التواصل المستمر وهذا يحتاج إلى آلية مناسبة في تقديم هذه الخدمة، ولعل أهمية التنسيق بين الغرف التجارية الصناعية والجمعية إحدى آليات العمل المناسبة.
أما فيما يتعلق بالغرف التجارية الصناعية بالمملكة فمؤكد لنا أن رجال المال والأعمال دائما سباقون للدعم، وربما يحتاجون فقط إلى التواصل المبني على حقائق رسمية ثابتة وهم دائما المبادرون والوقائع تشهد لكثير من رجال المال والأعمال في المملكة بدعمهم وأعمالهم الخيرية والمستمرة.
المحور الرابع : متلازمة داون والإعلام الوطني
لاشك أن الإعلام يقوم بدور إيجابي وذلك بالتعريف بمتلازمة داون من منطلق المسؤولية الاجتماعية الإعلامية الإسلامية، التي تعكس الروح والمبادئ والقيم الإسلامية، حيث يقتضي الأمر في هذه الحقبة الزمنية إخضاع نشر الأخبار والتقارير والبرامج الإذاعية والتلفزيونية إلى نخبة أو فريق عمل، تستند إلى وثائق وحقائق واضحة في وضع خططها للتوعية الإعلامية تجاه المجتمع خدمة لفئة متلازمة داون. ويعود السبب إلى محاولة منع أية تشويه أو تردد من قبل المتطوعين للجمعيات التي يشهد لها بنشاطات واضحة ومقننة.
إن حق الجمعيات الخيرية والمواطن (الحق بالإعلام والحق بالاطلاع) هي مسؤولية المؤسسات الإعلامية حيث يتطلب الأمر أن تكون ضمن مفكرتها الإعلامية (الأجندة الإعلامية)، وأن تأخذ نشاطات الجمعيات نصيباً كبيراً، بالتنسيق مع جمعية، كجمعية النهضة النسائية الخيرية، وغيرها من الجمعيات القائمة بالمملكة، حتى يمكن أن نحكم على أن لدينا إعلاماً جماعياً. فالإعلام بوسائله، وخصوصاً التلفزيون، لم يعد فقط مجرد أداة عمل اقتصادي أو سياسي بل أصبح أداة كل نمو ثقافي وتوعوي واجتماعي وتطوعي وانساني.
إن تدخل وسائل الإعلام الوطنية ودعمها الإعلامي والتوعوي للجمعيات يفسح المجال لها، وللمؤسسات الأهلية، والحكومية، استمرارية العمل بل وتعكس شعور الرضا عندما يطرح أو يعرض أو ينشر انجاز تلو انجاز ليتحقق بعد ذلك ما نسميه بالرضا الوظيفي والتطوعي والانساني.
وهذا العمل مسؤولية مديري البرامج الإذاعية والتلفزيونية في وزارة الإعلام السعودي ومسؤولية رؤساء ومديري التحرير في مؤسساتنا الصحفية. ومن جانب آخر فإن مسؤولية هذه الجمعية والجمعيات الأخرى هو التواصل المستمر والمساهمة في المناسبات الدينية والوطنية، حتى يمكن تحقيق الأهداف النبيلة تجاه هذه الشريحة الغالية من أبناء الوطن وبناته.
خاتمة
في هذه الاطلالة الصحفية المختصرة محاولة لتعريف على ما يطلق عليه متلازمة داون وأسباب حدوثها الوراثية، والدور الكبير الذي تقوم به جمعية النهضة النسائية الخيرية ممثلة بمدارس النهضة لمتلازمة داون، فضلا عن الدور الذي يمكن أن تقوم به وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مع وزارة الصحة، بالقيام بعمل مسح عام بين السكان للكشف عن متلازمة داون والبحث في المورثات ونتاج المورث الخاص بالصبغي 21، لتقديم الرعاية الطبية، المناسبة. كذلك أهمية التواصل بين رجال المال والأعمال والإعلام للوقوف مع الجمعيات الخيرية، كجمعية النهضة النسائية الخيرية.
بالاضافة إلى أهمية وسائل الإعلام الوطني تجاه متلازمة داون بشكل خاص والجمعية الخيرية بشكل عام.
كما نستنتج من هذه الاطلالة على إحدى الجمعيات الخيرية، كجمعية النهضة النسائية الخيرية، التي تقوم بدور لا نقول منسي من قبل عدد من الجهات الرسمية وغير رسمية وإنما نقول تحتاج إلى الدعم المادي والمعنوي، وقبله التعريف بما تقوم به، فهناك حقيقة يجب أن نتعامل معها أن العمل الخيري هو مسؤولية الجميع دون تحديد وحسب إمكانيات الفرد المادية والمعنوية والفكرية.
وإنه لا يمكن للعمل التطوعي والخيري أن يتم له النجاح، وبشكل مباشر وملموس، دون تعاون الأفراد ورجال الأعمال والمؤسسات الرسمية ورجال الإعلام والصحافة. وإن دور الإعلام في هذا الجانب أو الجمعية، ينطبق ذلك على جميع الجمعيات والهيئات الخيرية الأخرى، دور مهم، ومطالبة اليوم للتعريف بالعمل الخيري الذي تقوم به الجمعيات بغية إعلام المواطنين والمقيمين والوافدين على أن المجتمع السعودي مجتمع خير ينادي بالتكافل الاجتماعي والعمل التطوعي.
وان المستفيد الأول فئة من فلذات الأكباد، يعانون من متلازمة داون، وجديرون بفئة تدير دفة العمل الانساني والخيري، كجمعية النهضة النسائية الخيرية بالرياض. وفي الوقت نفسه يجب أن نذكر ونذكّر في هذا المقام اهتمام حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين والنائب الثاني حفظهم الله، في كل عمل تطوعي وخيري وهي سباقة في مثل هذه الأمور وتعلق الآمال على رجال ونساء هذا الوطن الكبير بتقديم مد العون للجمعيات الخيرية وهم كثيرون ولله الحمد من أصحاب السمو الأمراء، ورجال الفكر والأدباء، ورجال المال والأعمال، ورجال الإعلام والصحافة.
ومنح وسام الملك عبدالعزيز، بموافقة خادم الحرمين الشريفين، من الدرجة الأولى لرجال الأعمال المتميزين للعام 1421ه، لكل من الأمير الوليد بن طلال، والشيخ عبدالرحمن فقيه، و الشيخ صالح كامل، والشيخ عبدالرحمن الخريف، والشيخ عبداللطيف الجبر، تكريماً وتقديرا لمجهوداتهم وانجازاتهم الاستثمارية وعلى مساهماتهم الخيرية في المملكة، منح هذه الأوسمة لهي خير دليل على أن في أرض الحرمين الشريفين مواطنين يساهمون في عمل الخير ومزيد من العطاء في خدمة الوطن والمواطن.
nmsk@hotmail.com
(1) الإحصائيات في هذا الموضوع مستقاة من التقرير المعد من مدارس النهضة لمتلازمة داون، 1422ه.
|
|
|
|
|