| أفاق اسلامية
الحمدلله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل، بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصِّرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين،
أشهد أن لا إله الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام العلماء وخير الأتقياء صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه النجباء، أما بعد:
فإن العلماء هم ورثة الأنبياء رفع الله ذكرهم، وأعلى منازلهم، هم في الأمة كالنجوم في السماء يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، هم أكمال الناس خلقاً، وأرفعهم قدراً، وأكملهم أدباً، وأبرهم قلوباً، وأعمقهم، وأقلهم تكلفاً، أكرمهم الله بقوله سبحانه وتعالى«يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات»، وجعلهم الله المرجع إذا ادلهمت الخطوب واشتدت الكروب، فقال سبحانه وتعالى «وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا»،
استشهدهم الله على أعظم مشهود وقرن شهادة العلماء بشهادته وشهادة أنبيائه، فقال سبحانه وتعالى«شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط»، وهذا فيه تزكية لهم لأن الله لا يستشهد إلا بالعدول، والعلماء هم الذين يفقهون عن الله ويعقلون مراده قال سبحانه وتعالى«وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون»، هم أئمة الهدى ومصابيح الدجى، يستغفر لهم من في السماوات والأرض حتى الحيتان في الماء، مجالسهم بذكر الله عامرة، تحفها الملائكة، وتغشاها الرحمة، وتنزل عليها السكينة، ويذكرهم الله فيمن عنده، وهم القوم لايشقى بهم جليس،
هم حملة الشرع المطهر وأمناء الله على دينه بحبهم يمتحن المسلمون، إذ أصبح من المعقود في أصل الاعتقاد، «ومن ذكرهم بسوء فهو على غير سبيل»، فهذا العالم الرباني، والصديق الثاني، الإمام المبجل أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى أصبح محنة بحبه الناس حتى قال الدروقي «من سمعته يذكر أحمد بن حنبل بسوء فاتهمه على الإسلام»، وقال غيره«أحمد محنة يعرف بها المسلم من الزنديق»، وقال آخر:
أضحى ابن حنبل محنة مأمونة
وبحب أحمد يعرف المتنسك
وإذا رأيت لأحمد متنقصاً
فاعلم بأن ستوره سوف تهتك |
العلماء قوم جعلوا الله نصب أعينهم فساروا إليه سيراً حثيثاً، يرجون رحمته ويخشون عذابه، تركوا الدنيا خلفهم ظهريا، حتى صدق فيهم قول الله سبحانه وتعالى «تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين»،
أيها المسلمون: ومع هذا الفضل العظيم لأهل العلم ورفعة الله لهم في الدارين فقد جهل أقوام حقهم ونسوا فضلهم، وما علم أولئك: أن رمي العلماء بالنقائص فتح باب زندقة مكشوفة، وما علم أولئك أن الطعن في العلماء من مسالك أهل البدع والأهواء، وقد وقع في هذا المسلك أعني الطعن في العلماء ولمزهم من المسلمين خلق كثير جهلاً من بعضهم واتباعاً للهوى من آخرين،
فكم تسمع أخي: أنهم يرمون بالمداهنة والتزلّف تارة، وبترك القيام بما أوجب الله عليهم تارة أخرى، وكتم العلم والسكوت عن الحق أخرى، وتارة يرمون بأنهم علماء حيض ونفاس، وأنهم جهلة بالواقع، وأنهم علماء سلاطين، وما مثل أولئك إلا كما قال الشاعر:
ما يضير البحر أمسى زاخراً
إن رمى فيه غلام بحجر
ومثل هؤلاء مع العلماء:
كناطح صخرة يوماً ليوهنها
فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل |
قال الحافظ بن عساكر مبيِّناً خطر الوقيعة في العلماء:
«اعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن نخشاه ونتقيه حق تقاته، إن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة، لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمره عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم، والاختلاف على من اختاره الله منهم لنعش العلم خلق ذميم، ، » ومن وقع فيهم بالثلب عاقبة الله قبل موته بموت القلب،
فاعرفوا لعلمائكم، حقهم، واحذروا الولوج في مثل هذا الباب فإنه مسلك خطير، قال أئمة الدعوة النجدية«ولم يدر هؤلاء الجهلة أن اغتياب أهل العلم والتفكه بأعراض المؤمنين سم قاتل وداء دفين، وإثم واضح بيّن، قال سبحانه وتعالى«والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً»،
قال الإمام عبدالله بن المبارك«من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه، ومن استخف بالاخوان ذهبت مروءته»،
عباد الله: إذا تقرر هذا وعلم خطر الوقوع في أعراض العلماء، فإن الواجب علينا القيام بحقهم والتقرّب إلى الله بحبهم، فلهم من الحقوق علينا أن نرد عن أعراضهم، ولانسمح أن ينال منهم مغرض بلسانه أو بقلمه، وأن نذكرهم بالجميل وندعو الله لهم بالثواب الجزيل، وهاك على ما أقول الدليل:
قال الطحاوي رحمه الله تعالى في بيان معتقد أهل السنة في ذلك: «وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من التابعين أهل الخير والأثر وأهل الفقه والنظر لايذكرون إلا بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهو على غير سبيل»، قال شارحه رحمه الله تعالى : قال الله سبحانه وتعالى«ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبيّن له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً»،
فيجب على كل مسلم بعد موالاة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم موالاة المؤمنين، كما نطق به القرآن، خصوصاً الذين هم ورثة الأنبياء، الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم يهتدى بهم في ظلمات البر والبحر، وقد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، إذ كل أمة قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم علماؤها شرارها إلا المسلمين فإن علماءهم خيارهم، فإنهم خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم من أمته، والمحيون لما مات من سنته، فيهم قام الكتاب وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا، ا، ه ،
هذا معتقدنا في علمائنا فليتق الله أناس أطلقوا العنان لألسنتهم فخاضوا في أعراض العلماء، وما علم أولئك أنهم بين يدي الله موقوفون وعما خاضوا به مسؤولون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون،
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم «يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذِّركم الله نفسه»، في ذلك اليوم«تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون»، في يوم يتمنى المسلم أن يكون ممن أتى الله بقلب سليم«يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم»،
في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون من المفلس، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا ، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار»،
فبادر يا من زلَّت به القدم ووقع في أعراض العلماء بالتوبة إلى الله ما دام الباب مفتوحاً، وأد الحقوق إلى أهلها، فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه، أو ماله فليؤدها إليه قبل أن يأتي يوم القيامة لا يقبل منه دينار ولا درهم، ، »،
واعلم أخي الحبيب أن المؤمن إذا سمع كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم لايسعه إلا أن يقول «سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير»، وأذكِّرك أخي الكريم بآية في كتاب الله تعالى «ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً»،
وصلى الله وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
عضو الدعوة بالرياض
|
|
|
|
|