أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 2nd November,2001 العدد:10627الطبعةالاولـي الجمعة 17 ,شعبان 1422

أفاق اسلامية

الاعتصام بالكتاب والسنة
د. سعيد بن علي القحطاني
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه،،، أما بعد:
1 مفهوم الاعتصام بالكتاب والسنة:
لا شك أن الاعتصام بالكتاب والسنة هو أساس وأصل النجاة في الدنيا والآخرة. والاعتصام: هو الاستمساك (1).
فالاعتصام: التمسك بالشيء، ويقال: استعصم: استمسك (2). قال الله عز وجل: (واعتصموا بحبل الله جميعاً) (3) والاعتصام بحبل الله : قيل: الاعتصام بعهد الله، وقيل: يعني القرآن، لحديث ابي شريح الخزاعي رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :(أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟) قالوا: بلى. قال: (إن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً) رواه الطبراني في المعجم الكبير باسناد صحيح (4).
ومن اعتصم بالقرآن فقد اعتصم بالله، قال الله عز وجل (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم) (5)، أي يتوكل عليه ويحتمي بحماه (6)، والله تعالى أمر بالاعتصام بحبل الله وهو كتابه عز وجل (7).
2 وجوب الأخذ بالكتاب والسنة :
أمر الله عز وجل بالأخذ بالكتاب العزيز ورد كل ما يحتاجه الناس وكل ما تنازعوا فيه إليه، فقال تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) (8). قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى : (قال مجاهد وغير واحد من السلف: أي إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر من الله عز وجل بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة، كما قال تعالى (9): (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) (10).
والقرآن الكريم أمر بالأخذ بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال الله عز وجل (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب) (11).
3 القرآن الكريم بين الله للناس فيه كل شيء:
فهو المرجع في كل زمان وكل مكان، وفي كل ما يحتاجه الناس في دنياهم وأخراهم، قال الله عز وجل :(ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) (12) . قال الإمام ابن كثير رحمه الله قال ابن مسعود رضي الله عنه :قد بين لنا في هذا القرآن كل علم وكل شيء. (13).
4 القرآن العزيز أنزل للعمل:
فمن عمل به في جميع أحواله كان من السعداء العقلاء الفائزين في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى :(كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليذكر أولوا الألباب) (14) . وقد كتب الله السعادة لمن عمل بالقرآن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين) (15).
5 الهداية والصلاح والفلاح لمن اتبع القرآن والسنة وتمسك بذلك:
ولهذا قال الله تعالى :(قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) (16) وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع :(وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله) رواه مسلم، وزاد الحاكم :(وسنة نبيه) (17).
6 القرآن والسنة أعظم وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأمته:
ففي حديث عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه حينما سئل هل أوصى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعد ذلك :(أوصى بكتاب الله) متفق عليه (18). وعندما كان في طريقه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أوصى بكتاب الله تعالى فقال :(وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، (هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على الضلالة) فخذوا بكتاب الله وتمسكوا به، فحث عليه ورغب فيه، ثم قال: (وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ثلاث مرات) رواه مسلم (19).
7 القرآن الكريم يأمر بالاجتماع على الحق وينهى عن الاختلاف:
قال الله تعالى :(واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) (20)، فأمر بعد الاعتصام بالكتاب بعدم التفرق. قال الإمام ابن كثير رحمه الله :(أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة، وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق والأمر بالاجتماع والإئتلاف) (21)، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً، ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال).
وقال الله عز وجل :(ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله من تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) (23). والمعنى من سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم فصار في شق والشرع في شق عن عمد منه بعد ما ظهر له الحق، واتباع غير سبيل المؤمنين فيما أجمعوا عليه، فإنا نجازيه على ذلك.. (24).
8 الاعتصام بالقرآن والسنة نجاة من مضلات الفتن:
ومما يوضح ذلك، وصية النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب الله تعالى في عرفات، وفي غدير خم، وعند موته عليه الصلاة والسلام وتقدمت الاشارة إلى ذلك.
وجاءت الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي تدل على أن من استمسك بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم كان من الناجين، ومن ذلك حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم :(فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ)(25).
ومن نظر إلى ما حصل لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع رسول الله عليه الصلاة والسلام في صلح الحديبية حينما اشتد عليهم الكرب بمنعهم من العمرة، وما رأوا من غضاضة على المسلمين في الظاهر، ولكنهم امتثلوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان ذلك فتحاً قريباً، وخلاصة ذلك أن سهيل بن عمرو قال للنبي صلى الله عليه وسلم حينما كتب بسم الله الرحمن الرحيم: أكتب باسمك اللهم، فوافق معه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يوافق سهيل على كتب محمد رسول الله فتنازل النبي صلى الله عليه وسلم وأمر أن يكتب محمد بن عبدالله، ومنع سهيل في الصلح أن تكون العمرة في هذا العام وإنما من العام المقبل، وفي الصلح أن من أسلم من المشركين يرده المسلمون، ومن جاء من المسلمين إلى المشركين لا يرد، وأول من نفذ عليه الشرط أبو جندل بن سهيل بن عمرو فرده النبي صلى الله عليه وسلم بعد محاورة عظيمة، وحينئذ غضب الصحابة لذلك حتى قال عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: ألست نبي الله حقاً؟ قال:(بلى)، قال: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال: (بلى) قال : فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ قال: (إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري) قال عمر: فعملت لذلك أعمالاً فلما فرغ الكتاب أمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن ينحروا ويحلقوا فلم يفعلوا، فدخل على أم سلمة رضي الله عنها فشكا ذلك فقالت: انحر واحلق فخرج فنحر، وحلق، فنحر الناس وحلقوا حتى كاد يقتل بعضهم بعضاً (26)، فحصل بهذا الصلح من المصالح ما الله به عليم ونزلت سورة الفتح، ودخل في السنة السادسة والسابعة في الاسلام مثل ما كان في الاسلام قبل ذلك أو أكثر، ثم دخل الناس في دين الله أفواجاً بعد الفتح في السنة الثامنة.
وهذا ببركة طاعة الله ورسوله، ولهذا قال سهيل بن حنيف: (اتهموا رأيكم رأيتني يوم أبي جندل لو أستطيع أن أرد أمر النبي صلى الله عليه وسلم لرددته (27). وهذا يدل على مكانة الصحابة رضي الله عنهم وتحكيمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحصل لهم من الفتح والنصر ما حصل ولله الحمد والمنة.
9 مخالفة الكتاب والسنة أصل الخذلان وفساد الدنيا والآخرة، والذل والهوان:
قال الله عزو جل :(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً) (28)، وقال سبحانه وتعالي :(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) (29).
وقال سبحانه وتعالى :(ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) (30)، وقال سبحانه وتعالى :(فيلحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) (31) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :(وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم) (32)، وجاء في السنن والمسانيد ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :(لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول بيننا وبينكم هذا القرآن فما وجدنا فيه من حلال حللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإني أتيت الكتاب ومثله معه ألا وإنه مثل القرآن أو أعظم) (33).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :(فعلى كل مؤمن ألاَّ يتكلم في شيء من الدين إلا تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يتقدم بين يديه، بل ينظر ما قال فيكون قوله تبعاً لقوله، وعمله تبعاً لأمره، فهكذا كان الصحابة رضي الله عنهم، ومن سلك سبيلهم من التابعين لهم باحسان، وأئمة المسلمين، فلهذا لم يكن أحد منهم يعارض النصوص بمعقوله، ولا يؤسس ديناً غير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا أراد معرفة شيء من الدين نظر فيما قاله الله والرسول صلى الله عليه وسلم فمنه يتعلم، وبه يتكلم، وفيه ينظر، وبه يستدل، فهذا أصل أهل السنة ) (34).
10 الاختلاف سبب الشرور والفرقة:
ولهذا قال الله تعالى :(ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ماجاءتهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) (35).
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم بقوله :(افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)، قيل: من هم يا رسول الله، قال :(هم من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. (36).
وقال حذيفة رضي الله قال :(كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال (نعم). قلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال :( نعم وفيه دخن). قلت: وما دخنه ؟ قال: (قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر. فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال:(نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها. فقلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال :(نعم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا). قلت: يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم). فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: (فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك) (37).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه (38).
* عضو مركز الدعوة والارشاد بالرياض

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved