| عزيزتـي الجزيرة
أصبحت مشكلة البيئة تفرض نفسها في مقدمة مشكلات العالم. فكلما زادت درجة التطور زاد الانسان من إفساد البيئة التي يعيش فيها.
كانت المرة الأولى التي أتيح فيها لكائن بشري أن يرى الأرض من الفضاء الخارجي، في منتصف القرن العشرين، ووصفها بأنها كرة صغيرة، تبدو هشة وخالية من العمران، تغطيها السحب، وتحتل المياه معظم مساحتها ولقد اتضح لنا عجز البشر عن إدارة أحوال هذه الكرة. إنها حقيقة، لا مهرب من مواجهتها.
جاء ذلك في تقرير اللجنة العالمية للبيئة والتنمية، الذي أصدرته في عام 1987م، تحت عنوان (مستقبلنا المشترك)، ليؤكد على أنه لا مجال للعزلة في عالم اليوم، فالعلاقات بين الدول تتزايد، وتتعقد، بحيث أصبحت إدارة الشؤون العالمية في حاجة إلى التطوير المستمر لمسايرة النمو في تلك العلاقات.
ولقد تحقق بعض التقدم في هذا المجال، استجابة لذلك التقرير، فظهرت خلال السنوات الماضية، مبادرات إقليمية ومحلية لمعالجة بعض أحوال البيئة ومشاكلها، مثل تلوث الهواء، وسياسات استغلال الموارد المائية والتخلص من النفايات، كما ظهرت استجابات عالمية، تمثلت في معاهدات وبرامج للتعاون الدولي من أجل حماية طبقة الاوزون، وبداية التباحث لوضع برامج دولية لدراسة أحوال المناخ.
هذه علامات مشجعة، ولكن ليست كافية لمواجهة التدهور المتسارع في أحوال البيئة العالمية، فثمة تقديرات تشير إلى أن التوسع في الأنشطة البشرية مستمر في الضغط الشديد على قدرات وإمكانات الأنظمة البيئية والموارد الطبيعية في العالم، حتى ان بعض هذه الانظمة والموارد، مثل: الوقود الأحفوري، وطبقة التربة الزراعية الخصبة، والتنوع الحيوي، يتعرض للاستنزاف الشديد.
إذن: كيف السبيل إذن الى صون ودعم هذا العالم الذي نعيش فيه، والذي تنهشه التغيرات السريعة الحادة؟ وهل نكتفي بمجرد مقاومة هذه التغيرات؟ أم تتعداها جهودنا إلى مزيد من الخطط الشاملة والطويلة الأجل، للتعامل مع مختلف قضايا البيئة؟.
علامات استفهام عديدة لاتزال قائمة، يدور حولها جدل كثير، يشارك فيه العلماء والهيئات الرسمية والأهلية المهتمة بشؤون البيئة. ولعله من المفيد أن نستمع إلى وجهة نظر ذات طابع مختلف.
تقول آن تايلور في كتابها (كيف نختار مستقبلنا): إننا نعيش في عالم منكمش أو متقلص بالنسبة لما كان عليه العالم قبل أن تطأ قدما رائد الفضاء الأمريكي (نيل آرمسترونج) سطح القمر.. لقد أصبح العالم قرية كبيرة، بعد ثورة الاتصالات وثورة المعلومات وهكذا يمكن القول إن البيئة التي يعيش فيها البشر ليست مجموعة من الأجزاء المتباعدة، أو نظام تتلاشى فيه الخطوط المرسومة على الخرائط كحدود دولية.
وتذهب آن تايلور إلى أن التركيب الحالي للاقتصاد العالمي لا يوفِّر الشروط الضرورية لتنمية ثابتة الأركان.
ويرى تشامبرز أنّ حل مشكلة تكاثر السكان المتفاقمة وما ينجم عنها من ضغط على موارد البيئة المحدودة، يرى أن الحل يكمن في طرق متعددة الاتجاهات، منها التخطيط العائلي بهدف الحد من التكاثر السكاني وترشيد استغلال الموارد وتحقيق تنمية اقتصادية حكيمة، ويعتقد تشامبرز أن الفشل في معالجة قضايا البيئة في الماضي، إنما يعود الى ارتباط الحلول بالمسائل المادية، وكذلك ارتباطها بقيم الأغنياء دون قيم الفقراء، ولذا يقترح ان تتركز العناية على حاجات ورغبات الفقراء والنساء الريفيات.
وأما إنجل فيرى أنه من الضروري تشجيع إقامة روابط وثيقة بين علماء البيئة وصانعي السياسة البيئية، من جهة، والكتاب والمثقفين من جهة اخرى، لان هؤلاء بكتاباتهم وتوجيهاتهم يستطيعون كشف الأسباب الايديولوجية الكامنة وراء فشل الانسان في تطوير قيم أخلاقية بيئية بناءة تؤدي الى حماية البيئة، كما أن بمكانهم التأثير في الناس وحضهم على اتخاذ مواقف اخلاقية ايجابية لصالح الطبيعة، ويأسف إنجل، لان بعض التقاليد الغربية تشجّع تدمير البيئة، وكأن مهمة الانسانية قهر الطبيعة وتسخيرها لصالح البشر...
ويبين بت أن فشل التنبؤ بالمستقبل يعود إلى أسباب عديدة أهمها الاعتماد المبالغ فيه على المؤشرات الكمية بدلا من المؤشرات الكيفية ويبين ان المشكلات الكبرى التي يعاني منها العالم اليوم كالفقر في العالم الثالث والتصحر والتلوث والتسلح وانقراض الأجناس، لم تتم تغطيتها في مناهج التربية البيئية في كثير من دول العالم.. ويعتقد بت ان التربية البيئية يجب أن تحتل الأولوية في استراتيجيات حماية البيئة في المستقبل، وألا تعمل في فراغ، بل بوصفها جزءا من نظام بيئي متكامل، وان تستجيب كذلك وبشكل مناسب للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية.. كما يدعو بت الى بذل جهود أعظم في سبيل تنسيق النشاطات الدولية البيئية وتشجيع الحوار بين النظم الثقافية والاجتماعية المختلفة حول التربية البيئية. ومن الضروري ايضا تعميق الروابط بين المشكلات البيئية والمشكلات العالمية المعاصرة مثل: الفقر والتسلح وانعدام العدالة والمساواة وغير ذلك...
ويقول أوريوردان في كتاب (مستقبل البيئة) إن هناك أربع ثورات بيئية هبت على العالم، الثورة الأولى انبثقت في أوائل القرن الثامن عشر الميلادي، حيث رأى كتّاب وشعراء امثال إمرسون وتولستوي ان الطبيعة رمز لحياة المجتمع البشري ومثال يفرض معايير وقيما اخلاقية تهتم بالبيئة بما فيها من أشجار ومياه.. ثم بدأت الثورة الثانية في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي واستمرت حتى بداية القرن العشرين وتمثل مرحلة قيادة للبيئة وإفادة منها، فإن أنصار قيادة البيئة يرون في البيئة ثروة اقتصادية ينبغي تسخيرها في سبيل الانسان، فتدخلوا في عملياتها واستنزفوا خيراتها.. وظهرت الثورة الثالثة في منتصف الستينات من القرن الحالي، حيث اتسمت بالنمو الاقتصادي السريع وتطور وسائل الاتصال الحديثة، واستحواذ المشكلات البيئية على اهتمام الصحافة وأجهزة الإعلام، وظهور القوانين والمؤسسات البيئية، وهذه مرحلة لتنظيم البيئة وضبط التلوث والحفاظ على الموارد، بطرق علمية منهجية.
ومنذ سنوات نحن على أعتاب الثورة البيئية الرابعة التي تتسم بنظرة خاصة للانسان، باعتباره مسؤولا عن دمار البيئة، وهذا يستوجب العمل على تحويل هذا الانسان من سبب لخراب البيئة الى سبب لانقاذها..
وبعدُ هذه الآراء التي توضح ضرورة التوسع في الابحاث العلمية البيئية، من أجل الوصول إلى حلول للاخطار التي تهدد الطبيعة، مع الحاجة الملحة لنظرة جديدة الى العالم، وإلى اخلاقيات جديدة، ولذا فينبغي الاستعانة بآراء علماء الاجتماع والاقتصاد وباقي المختصين في العلوم الانسانية، لرسم الحلول المنشودة، حسب الخطوط التالية:
1 تشجيع تطوير تقنيات معينة مناسبة لنقلها الى اقتصاديات العالم الثالث، مع التركيز على تقنيات الطاقة، لتقليل الحاجة الى وقود الحطب، وتلافياً لاتلاف الغابات.
2 تقديم مساعدات تنمية الى المجتمعات المحلية والناس العاملين بطريقة مباشرة.
3 قيام المدارس والمعاهد والجامعات بدور مهم في التوعية البيئية ولاسيما في مجال الحفاظ على البيئة وحمايتها.
4 الأخذ بمبادىء وقيم بيئية رشيدة مثل:
أ الاستعمال الكيفي للموارد، ووقف التخريب البيئي غير المقبول اجتماعيا، وغير المرغوب اقتصاديا، وتقليص الهدر في الموارد.
ب استخدام اشكال من التقنية المقبولة بيئيا واجتماعيا.
ج الحفاظ على جمال الطبيعة.
د وضع سياسات بيئية تصون البيئة.
د. زيد بن محمد الرماني
|
|
|
|
|