| محليــات
من ضمن ضوابط السلوك التي يوجِّه إليها الخُلقُ الإسلامي حسن التعامل مع الوالدين..، حتى أنَّ ضمان رضاء الربِّ مقرون بالإحسان إليهما، والدعاء لهما، وعدم التعامل معهما في غير أدب، أو خضوع، أو رحمة..، بل بلغ الأمر في التوجيه الإلهي للإنسان أن يخفض لهما جناح الذُّل، وذلك أقصى حدود الرحمة، وعدم نهرهما، ولا يتمُّ التَّفُوُّه بما لا يرضيهما حتى إن جاء ذلك بكلمة هي من حرفين (أف) لأنَّها تحمل في مضامينها من التَّذمر، والاستهجان، والتأفُّف ما لا يرضي الإله في التعامل مع من حملت وهي على وهن، وربَّت وهي على وهن، وأرضعت وهي على وهن، وبذلت كلّ المشاعر الجميلة، في عطاءٍ لا ينضب، ورحمةٍ لا تنقطع، ومع من يماثلها في الموقف وهو الأب، على اختلاف دوريهما، وحجم وكيفية عطائهما حتى أنَّها نالت شرف الصحبة بثلاثة أضعاف ما ناله الأب، تلكم هي الأم التي عن رضاها، والتذلُّل في طاعتها يتحقق للإنسان بلوغ الجنَّة.. والحصول على نعيمها الأبديِّ..
فإذا كان الإنسان يُربَّى على هذه الأخلاق، ويُدعى إلى هذا السلوك التطبيقي لمفهوم الطاعة، وهو ينطبق على الرجل من جنس الإنسان بمثل ما هو على جنس المرأة منه..، فإنَّ هناك جنوحاً في التربية..
فالمرأة الأم لها الطاعة..
والمرأة الأخت ماذا لها؟..
لقد اعتاد النَّاس في المجتمع العربي على تربية «الولد» بأسلوب يغذِّي لديه الاعتداد بذاته، في حدود ينسى معها دوره تجاه الزوجة، والأخت، والابنة، والخادمة، والعمَّة، والخالة، والجَدَّة،.. وأيِّ صفةٍ للمرأة..، وهو إن أتيح له تمثيل دور المهذَّب مع كافة هؤلاء النِّساء، إلا أنَّه بما غُذِّي من مفاهيم «الرجولة»، والتفرُّد بالسُّلْطة، فإنَّه لا يستطيع تمثيل هذا الدور مع الأخت..
فهو إن خفض جناح الذُّلِّ للأم..
إلاَّ أنَّه يرفع جناح الإذلال للأخت..
وذلك من تبعات سوء التربية، والجهل بضوابط التوجيه، وقصور الفهم لكثير من علائق الأخلاق، وكيفية تنفيذها في السلوك الأدائي في الحياة الواقعية، ضمن ما يسلكه.. إذ تأتي منظومة الأخلاق عنده فتنقطع عند محور مفهوم التعامل مع والعلاقة بالأخت.
وهي ظاهرة منبثقة من النُّظُم التربوية التي تتجاهل أهميَّة ما يحدث في هذه الدائرة حول هذا المحور بين الولد، وأخته، ومن ثَمَّ بينهما عندما يغدو رجلاً مفتول الشاربين، قوي الشكيمة، فيمارس هذه القوة عليها، وحين يكون تحت جناح الذلِّ لأمِّه خاضعاً، تكون الأخت تحت جناح إذلاله خاضعة، فهو إن ضعف أمام أمّه، أخذ بثأر هذا الضعف مع أخته.
وذلك ثقبٌ كبيرٌ، وشَقٌّ واسعٌ، وخرقٌ فاضحٌ في تربية الولد.. حيث تطلق هذه النُّظُم له باسم «رجولته» العنان ليفعل ما يشاء..، كما لا تفرِّق بين أن يكون هو الأكبر، أو هو الأصغر.. ولا تبالي إن كان هذا السَّراح منطلقاً في وجود الأب الوالي الأول، أو في حال عدم وجوده بموت أو انفصال عن الأم، أو سفر، أو أيِّ غياب يمكن أن يبرِّر ولاية الأخ، غير أنَّ ولايته ضمن ضوابط لا تراعيها نظم التربية القائمة.
فكيف يتحقَّق هنا التناقض بين بِرِّه لأمِّه، وعقوقه لأخته؟
كيف يكون خاضعاً من جهة، متمرداً في أخرى؟
وكم جناح ذلٍّ يملك وإذلال؟.. كي يكون له الخيار النفسي نحو خفض الجناح لأمِّه، بينما رفعه فوق هامة أخته؟..
ثم أين يكون الإحساس بمدى ما يحدثه من خدش في نفس أمِّه ذاتها حين يفعل ما يشاء في أمر إذلال اخته؟ أليس ذلك جزءاً من العقوق للأم؟ إذن فما هو مفهوم الضابط الأخلاقي لسلوك «الرجل» في منظومة التربية ونُسُق التوجيه؟!..
إنَّها معادلة ذات ذيول وتبعات مستقبليَّة.. فالأخت المهانة كيف ستواجه الحياة مع رجل يمكن أن يكون لديها هو صورة أخرى لأخيها؟، وكيف هو أبوها في الأساس في تعامله معها، ومع أمِّها خارجاً من مؤثرات تربيته بوصفه كان أخاً؟.. وكيف هي سلسلة تفاصيل هذه المرأة ضمن نتائج هذه التربية بكلِّ مورِّثاتها؟..
أوَليست هناك حقائق مبهمة وراء فشل الحياة وطلاق النساء؟!.. وكلِّ التبعات؟!
كانحراف الأفراد، وتشتُّت الأسر، وكذلك حالات العقوق وما تسبِّبه من وخيم النتائج في الأسر الصغيرة، ومن ثَمَّ في تركيبة بُنى المجتمع الأوسع.
|
|
|
|
|