| مقـالات
ضيف كريم، يفد على الأمة الإسلامية كل عام يختلف عن الضيوف، فهو يفيض عليهم من نفحاته، ويقدم بهدايا عديدة، وعطايا جزلة، قد خصّه الله بمزايا لا تعدّ ولا تحصى، أجر عظيم، وفوائد نفسية وصحية، وما قاتل فيه المسلمون عدواً إلا وأعانهم الله بالنصر عليه، ففيه انتصر المسلمون في بدر الكبرى على مشركي مكة، وحديثاً انتصر المصريون على اليهود في معركة العبور، والتاريخ مليء بالأحداث التي يفيء الله فيها بالنصر على المسلمين عندما تكون المعركة في شهر رمضان المبارك.. فعلى المسلمين أن يستشعروا مكانة رمضان، وان يصدقوا مع الله في أداء عباداتهم فيه صوماً وصلاة واخلاصا لله، وأن يحرصوا بأن يكونوا بعد رمضان مثلما كانوا في رمضان، وأن يتوبَ إلى الله من كان مقصّراً في وقته السابق لرمضان، توبة صادقة، ليستفيد من نفحات رمضان، مستمداً من فضائل رمضان، والإعانة فيه على العبادات قبساً يعينه على تذوُّق حلاوة الإيمان، وتمكّن العبادات في رمضان وما بعد رمضان.. فإن أحب الأعمال إلى الله: أدومه وان قلَّ.. والأعمال بالنيَّات، كما في الحديث المتفق عليه: روى النسائي والبيهقي حديثاً عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن البشارة برمضان، وما اودع الله فيه من خصائص حديثاً مرفوعاً الى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أتاكم رمضان، شهر مبارك، فرض الله عز وجل صيامه عليكم، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتصفد فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها، فقد حرم الخير كلّه».. وجاءت زيادة في رواية: «وسننت قيامه»:
هذا الشهر الكريم الذي أوله رحمة، ووسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، يجب على كل مسلم أدركه أن يغتنم فيه هذه الفرص المتاحة، وان ينهل من موارد الخير العذبة فيه، فهي فرص لا تعوض، من حرم أجرها فقد خسر، وفرص ثمينة يجب عدم اضاعتها، أرأيت لو قيل لكل إنسان، إن في مكان كذا، أموالاً تقسم، وذهباً يُهدى بدون تعب ولا مشقة، إلا تكاليف السفر الى ذلك المكان، وقيمة السكن والاجرة والغذاء، أليس كل الناس سيذهبون فرادى وجماعات، للنيل من ذلك العطاء الدنيوي، والبشر قد يشحّون وقد ينفد ما عندهم..
لكن عطاء الله في كلّ وقت جزل لا ينفد، وما خصّ به جل وعلا شهر رمضان من مزايا، ومضاعفة الاجر، ما هي إلا غنائم لا مثيل لها ما في دنيانا، فالسعيد من نهل من هذا المورد العذب، قبل فوات الفرص، واستقبل شهر رمضان بنشاط على العبادة، وعزم على الثبات والمواصلة أكيد، حيث هيأ الله للجسم الحريص قوة، ومع القلب الواعي إدراكاً وهمّة..
فقد روى الخمسة الإ أبا داود حديثاً مرفوعاً الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوضح بعضاً من الخصائص التي أتاحها الله لعباده المستجيبين في هذا الشهر، الحريصين على اغتنام الفرص المتاحة في هذا الشهر الفضيل، ليرجعوا بالغنائم، منقادين لذلك النداء المقترن بالدعوة لوليمة رمضان، وما فيها من خيرات ومنافع، حيث يقول عليه الصلاة والسلام: «إذا كانت أول ليلة من رمضان نادى منادٍ، يا باغي الخير أقبِلْ، ويا باغي الشر أقصِرْ، ولله عتقاء من النار كل ليلة من رمضان»، فالله الله بالعمل الذي يجعلك أخي المسلم من العتقاء من النار في هذا الشهر.
ويؤكد هذا الخير الجزيل، من خصائص رمضان، رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بيان لخصوصيات أمة محمد الذين أعانهم الله على إدراك مكانة رمضان، وثبتوا على الأداء، وفق ما شرع الله لهم في سورة البقرة. يقول الحق تبارك وتعالى، في هذا النداء الكريم، والصفة الجميلة التي خصَّهم الله بها لأنهم استجابوا، وهو نداء تشريف، مع صفة تكريم: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام، كما كتب على الذين من قبلكم، لعلكم تتقون»، ثم يقول: «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس، وبيِّنات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ومن كان مريضاً أو على سفر فعّدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر» «البقرة الآيات 183185».
ويؤكد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الفضل الذي أعطيته أمته في شهر رمضان، لاستجابتهم بحسن الأداء في هذا الشهر، ومسارعتهم في العبادات، بعد أن عدّلت أمم وبدّلت في كيفية أداء هذه العبادة: صفة ووقتاً، وتحايلاً، فحرمت هذه الخيرية التي أفاء الله بها على أهل الإيمان من أمة محمد، الذين جعلهم الله خير أمة أخرجت للناس.. وهذه منازل يجب المحافظة عليها، وخصوصية يجب أن تغتنم، ولا يفوّت وقتها، وما فيه من نتائج طيبة.. يقول صلى الله عليه وسلم في حديث رواه البيهقي وغيره عن جابر بن عبدالله رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت أمتى في شهر رمضان خمساً، لم يعطهنَّ نبيٌّ قبلي، أما الأولى: فإنه إذا كان أول ليلة منه، نظر الله إليهم، ومن نظر الله إليه، لم يعذّبه أبداً، وأما الثانية: فإن الملائكة تستغفر لهم كل يوم وليلة، وأما الثالثة: فإن الله يأمر جنّته، يقول لها: تزيَّني لعبادي الصائمين، يوشك أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى داري وكرامتي، وأما الرابعة: فإن رائحة أفواههم حين يمسون تكون أطيب عند الله من ريح المسك، وأما الخامسة: فإنه إذا كان آخر ليلة منه، غفر الله لهم جميعاً، فإن العمال يعملون، فإذا فرغوا من أعمالهم وفّوا أجورهم».
وخصوصيات شهر رمضان كثيرة، وكلها ذات مصالح ظاهرة، ترغّب من وفقه الله، لزيادة العمل في هذا الشهر الفضيل، وتعين البدن على العمل، لينشط، ويزداد منه، بلذّة وراحة بال، فمردة الشياطين قد أعان الله عليهم بتكبيلهم أي تصفيدهم، حتى لا يضلّلوا عباد الله المؤمنين، ويثبطوهم عن الطاعة، والداعي الى فعل الخيرات والتزوّد منها، يقرع هاجسه المسامع، وتستجيب له الأعضاء، والأيدي تسخو في البذل على المحتاجين: صدقة وزكاة، وإحساناً وإطعاماً للصائمين.. واللسان يستجيب بالحرص على تلاوة كتاب الله الكريم، والتمعن في معانيه، استظهاراً وحفظاً، وتكراراً في الختم، مع رطوبته بذكر الله، وتسبيحه وتحميده، وتهليله، لأن هذا أحب الكلام إلى الله سبحانه.
كل ذلك إعانة من الله، وطمعاً فيما أعدّ للصائمين من الأجر والعطاء الجزل، فقد روى البخاري رحمه الله في صحيحه عن سهل بن سعد مرفوعاً، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة باباً يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل معه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم أغلق، فلا يدخل منه أحد».
إن شهر رمضان، ما هو إلا تجديد للنشاط لهذا الجسم البشري، في السنة مرةً، بعد أن دبّ إليه الكسل رويداً رويداً، خلال أحد عشر شهراً، فكان في قدوم رمضان، ليحلّ بساحة المسلمين شهراً كاملاً، تجديد للنشاط وعمارة لأيامه ولياليه بالصوم والصلاة، حيث ترقّ القلوب بعد أن استجمَّت، وتنشط الهمم بعد أن خامرها الكسل، ألا ترى أن السيارة، إذا سارت مدة طويلة، ونقص وقودها، تتباطأ في المشي رويداً رويداً، وقد تقف إذا لم تزود بكمية جديدة من الوقود، فإذا أعطيت، وامتطاها صاحبها زادت قدرتها على المسير، وقطع الفيافي.. وهكذا سائر المركوبات من حيوانات أو غيرها.
فكذلك الإنسان هو في حاجة إلى محرك يجدد نشاطه، ليقوى على العبادة، وفي شهر رمضان الكريم، يكون نشاط الجسم أقوى، واستعداده أمكن لأن المؤمنين ينتظرونه بفارغ الصبر، حيث يحسّون بحلاوة العبادة فيه وتتحمل أبدانهم فيه بقناعة وصبر: الجوع والعطش، لأنهم يدّخرون ذلك لموقف يوم القيامة، وما فيه من أهوال وجوع وعطش، وهمّ وغمّ.. فيربط الله على قلوب الصائمين لله تعالى إيماناً واحتساباً، لأنهم وعدوا على ذلك العطاء الجزل، من ربّ لا يخلف الميعاد..
ولما جاء في فضل رمضان، ومكانة العمل الصالح فيه من جزاء وتيسير من الله، وترغيب، وبيان للأجر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن القلوب المؤمنة والنفوس الزكية، تستشرف لقدوم شهر رمضان، وتفرح برؤية هلاله، فرحاً فطرياً، حباً تعوّدت عليه منذ النشأة الإيمانية الأولى، وترغيباً من الآباء منذ الصغر، حيث انعكس حبهم لرمضان، وتطلعهم لهلاله في كل عام، بمظاهر كبرت مع نمو الصغار، وتشبعت بذلك حواسُّهم، استشراقاً، وحلاوة طربت منها رؤوسهم الغضة، وتمكنت من قلوبهم الصغيرة، فنمت من نموهم.
وبعدما كبر هؤلاء الصغار، كبر معهم حبهم لرمضان، وروحانيات رمضان، فوجدوا في شهر الرحمة فوائد عديدة لا تعدُّ ولا تحصى.. تعود ماديات على اجسامهم، ومجتمعاتهم، وروحانيات تطمئن قلوبهم، وتزيل الهمَّ والقلق عن افئدتهم..
ذلك أن الله الذي خلق الإنسان، هو أعرف بما يفيد جسمه، وما يبقيه صالحاً صحيحاً، وهو أعلم سبحانه بطبائع أجزاء الجسم، صغيرها وكبيرها، وما تؤديه من أعمال دقيقة، تستقيم معها حيوية هذا الجسم، وما ينفعها أو يضرُّها من طعام أو شراب، كثرة وقلة، ترتيباً وتنظيماً.
فكان في شهر رمضان الخير كل الخير في الصيام، حيث تبرز الفوائد العديدة: جسدياً واجتماعياً، وروحياً من آثار الصوم.. فالأطباء يدركون فوائد الصوم، وتنظيم أوقات الطعام: إفطاراً وسحوراً.. على مرضاهم، ويأمرونهم بذلك، ومتابعة النتيجة، مع كل نوع من الأمراض.
ونرى الآثار الجسدية تبرز في مثل:
السّمنة التي هي أكثر ما يعاني منه البشر في هذا العصر، حيث يرى الأطباء أنه ينتج عنها أمراض عديدة تنهك الجسم وترهقه.
وما السّمنة إلا وليدة الإفراط في الطعام، والشره في تناوله، بحيث ان بعض الناس لا يملك منع نفسه عن رغبتها، وقد صار بعض الأطباء يقولون لمرضاهم من ذوي السمنة المفرطة: علاجك في يدك، أي امنع يدك عن كثرة تناول الطعام، لتخفف سمنتك.. والإفراط منهيٌّ عنه بالنص الشرعي، فكلوا واشربوا ولا تسرفوا، وقد قسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم المعدة إلى ثلاثة أقسام: فثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنَفَس.
فكان تنظيم الطعام في وجبتين في رمضان: عند الإفطار، ومع السحور، اللّتين تحددتا مع مواعيد طعام الصيام، ترتيباً يكبح رغبات البدن في زيادة الطعام المسبب للسمنة، فيه علاج لهذه السمنة، لأن السعرات الحرارية قد قلَّت مع هذا الترتيب، وبذلك تخف السمنة تدريجياً، وينقص الوزن خلال شهر رمضان.
والسمنة غالباً تكون نتيجة اضطراب هرموني، وعلاج ذلك بالصوم، الذي طالما وصفه الأطباء لمرضاهم حيث إن السمنة يتولّد عنها امراض اربعة رئيسية، كلها اثبت الطب الحديث ان للصيام تأثيراً مباشراً في شفائها بأمر الله وتوفيقه وهي: السكر، ضغط الدم المرتفع، امراض القلب ومقدمتها الجلطة. زيادة الكلسترول في الدم.
أما أمراض المعدة التي هي بيت الداء، وعسر الهضم، حيث بالصيام، يخفُّ تناول الأطعمة الدسمة ويكثر استعمال المشروبات والتمر الذي جعله الله هضيماً، أي سهلاً ومفيداً. فترتاح المعدة، ويخف عنها الثقل المعتاد بتنظيم الأكل وتقليله مع الصوم، فكأنها أخذت وقتاً للراحة من عناء ما تشكو منه وينظم ذلك الصوم.
كما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوم علاجاً للشباب الذين لم يستطيعوا نفقة الزواج، فكان الصوم كابحاً لهم ولنزعاتهم الشهوانية، قبل ان يدرك هذه الحقيقة الأطباء بقرون متطاولة. يقول صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة، فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء».
وغير ذلك من الأمراض كالكبد، والتهاب القولون، وعسر الهضم، واضطرابات الأمعاء. كلها تنتظم أمورها بالصوم، وتخفُّ الأعباء التي يكابدها الإنسان قبل الصوم به، ناهيك بالأمراض النفسية، حيث تقوى الشخصية بتأثيرات الصوم، ويدرك هذا علماء النفس خاصة.
أما الفوائد الاجتماعية، التي يحسّ بها الصائمون.. ففي الترابط والتآخي، وبروز آثار المحبة فيما بينهم، واستبشارهم بهذا الوافد الكريم، فيهنئ بعضهم بعضاً، ويتبادلون البشرى ببلوغهم هذا الشهر، ويرجون الأجر وحسن الثواب، وقد كان سلفنا الصالح، يسألون الله ستة شهور أن يبلغهم رمضان، وبعد انتهائه يسألون الله ان يتقبل منهم رمضان، ويرون الخسارة والتفريط، فيمن أدرك رمضان ولم يغتنم أوقاته ويستثمرها في العمل الصالح، كما تبرز آثار رمضان وصيامه في المجتمع الإسلامي، بالمساواة فيما بينهم ما بين شريف وطريف وحاكم ومحكوم، فكلهم يصومون، وكلهم يتقيدون بموعد الإمساك، وينتظرون مدفع الإفطار، وكلهم يشعر بالجوع والعطش، مما يدفع الغني الى العطف على الفقير ومدّ اليد إليه، وصدقة الفطر تشعر بالتكافل الاجتماعي، حيث يضمن الفقير قوته وقوت أولاده يوم العيد وليلته بما فرضه الله على الناس كافة، لأنها طهرة للصائم، وتدافع الناس للصلاة ليلاً وملازمة المساجد لتلاوة القرآن نهاراً، والحرص على إطعام الصائمين عند الإفطار، فلا يضجر الفقير في هذا الشهر، ولا يهتمّ من التعب على قوته لأن اخوانه المسلمين حريصون على تفقد حاله، وتفطير الصائم حتى ينالوا مثل أجره، إحساناً من الله على عباده.
أما الفوائد الروحية: ففي طاعة الله والشعور بالانتصار على النفوس، وقوة العزيمة ومغالبة الهوى والشيطان، وفي كمال مكارم الأخلاق، لأن الصوم يحجز عن النفس المنكرات، ويباعدها عن الفواحش، والصائم موضع الاحترام والتقدير، وتسمو نفسه بأخلاقها وآدابها عن كل أمر يشين.
سِحْرُ هارُوْت وماروت:
جاء في نهاية الأرب للنويري في أخبار هاروت وماروت قوله: «وأما تعلُّم السحر فقد رُوي فيه خبر جامع، وهو ما رواه ابن اسحاق بسنده عن هشام بن عروة، عن ابيه عن عائشة قالت: قدمت عليّ امرأة من أهل دومة الجندل، جاءت تبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته، تسأله عن شيء دخلت فيه من أمر السحر، ولم تعمل به، قالت عائشة لعروة: يا ابن اختي، فرأيتها تبكي حين لم تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت تبكي حتى أني لأرحمها، تقول: إني أخاف أن أكون قد هلكت، قالت: كان لي زوج فغاب عني فدخلت عليّ عجوز، فشكوت إليها ذلك، فقالت: إن فعلتِ ما آمرك به فلعله يأتيك، فلما جاء الليل جاءتني بكبشين أسودين، فركبتْ أحدهما وركبتُ الآخر، فلم يكن كثير وقت، حتى وقفنا ببابك، فإذا برجلين معلّقين بأرجلهما. قالا: ما جاء بك؟ فقلت أتعّلم السحر، قالا: إنما نحن فتنة فلا تكفري وارجعي، فأبيت فقلت: لا. فقالا: اذهبي الى ذلك التنّور فبولي فيه، فذهبت ففزعت، فلم أفعل.
فرجعت إليهما فقالا: فعلتِ؟ قلت: نعم. قالا: هل رأيتِ شيئاً؟، قلت لم أر شيئاً، فقالا: لم تفعلي ارجعي إلى بلادك فلا تكفري، قالت: فأبيت، فقالا: اذهبي الى ذلك التنّور فبولي فيه، فذهبت فاقشعرّ جلدي، فرجعت إليهما فقلت: قد فعلت، فقالا: هل رأيتِ شيئاً؟ فقلت: لم أر شيئاً، فقالا: كذبتِ لم تفعلي، ارجعي الى بلدك فلا تكفري، فإنك على رأس أمرك، قالت: فأبيت. فقالا: اذهبي إلى ذلك التنّور فبولي فيه، فذهبت إليه فبلت، فرأيت فارساً مقنَّعاً بحديد خرج مني، حتى ذهب في السماء، وغاب عني حتى ما أراه، فجئتهما فقلت: قد فعلت. قالا: فما رأيتِ؟ قلت: رأيت فارساً مقنَّعاً بالحديد خرج مني، حتى ذهب في السماء، حتى ما أراه، قالا: صدقتِ، ذلك إيمانك خرج منك، اذهبي فقلت للمرأة: والله ما أعلم شيئاً، وما قالا لي شيئاً، فقالت: لن تريدي شيئاً إلا كان، خذي هذا القمح فابذري، فبذرت. قلت: أطلعي فأطلعت، فقلت: أحقلي فأحقلت، ثم قلت: أفركي فأفركت، ثم قلت أطحني فأطحنت، ثم قلت: اخبزي فأخبزت، فما رأيت أني لا أريد شيئاً إلا كان، سُقِط في يدي وندمت، والله يا أم المؤمنين، ما فعلت شيئاً قط، ولا أفعله أبداً.
وروي: أن رجلاً أراد تعلُّم السحر، فقصد هاروت وماروت، فوجدهما معلَّقين بأرجلهما، مزرقَّة أعينهما، مسودّة جلودهما، ليس بين ألسنتهما وبين الماء إلا قدر اربع أصابع، وهما يعذبان بالعطش، فلما رأى ذلك هاله مكانهما. فقال: لا إله إلا الله، وقد نُهي عن ذكر الله هناك، فلما سمعا كلامه قالا: من أنت؟ قال: رجل من الناس، قالا: من أي أمة؟ قال: من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. قالا: وقد بُعث؟ قال: نعم. قالا: الحمد لله وقد أظهر الاستبشار قال: وممَ استبشاركما؟. قالا: إنه نبي الساعة وقد دنا انقضاء عذابنا.
|
|
|
|
|