| الاخيــرة
تقع الصين في ركن قصي من العالم، وظلت شبه معزولة عن العالم الخارجي ردحاً من الزمن، وحاولت جاهدة حماية نفسها من غزو بعض القبائل المجاورة لها من الشمال ولهذا فقد شيدت سورا عظيما ليكون حاجزاً بينها وبين أولئك الغزاة. أما الجهات الأخرى فإن المحيطات والجبال كانت كافية لتأمين الحماية اللازمة.
والصين غنية بثرواتها الطبيعية فلديها أراض خصبة وواسعة كما أن هناك أنهاراً وأمطاراً تتباين في حجمها وكمياتها طبقا لمكانها ولهذا كان الإكتفاء الذاتي ميسورا مما سهل مهمة الإنعزال.
وقد أوجدت حضارتها بنفسها دون تمازج مع غيرها من الحضارات، وبرزت الكنفوشسيه «551 ق م 789 ق م» كثمرة لتلك المفاهيم السائدة حيث دون كنفوشس الكتب الصينية القديمة وهي:
1 كتاب الشعر وفيه 305 قصيدة.
2 كتاب التاريخ.
3 كتاب الحوليات الربيع والخريف.
4 كتاب التغييرات.
5 كتاب الشعائر.
كما أضاف كتابا آخر سمي كتاب الحوار فأصبحت هذه الكتب الستة أساسا للثقافة الصينية. وهي في مجملها كتب حوت تجارب الشعب الصيني منذ ألفي عام قبل كنفوشس أي منذ عصر سلالة «شيا» في القرن الواحد والعشرين قبل الميلاد وحتى القرن السادس عشر قبل الميلاد، وكذلك عصر سلالة «شانغ» من القرن السادس عشر قبل الميلاد وحتى القرن الحادي عشر قبل الميلاد، وكذلك عصر سلالة «تشو» من القرن الحادي عشر قبل الميلاد وحتى عام 256 قبل الميلاد.
كانت الصين عبارة عن إمارات تتصارع فيما بينها حتى وصل عدد تلك الممالك والإمارات إلى نحو 460 إمارة ومملكة، وأغلبها على ضفاف النهر الأصفر.
ومثل أي حضارة أخرى فإن مصادر المياه تعتبر في الغالب مهد الحضارات ولذلك فإن تلك الإمارات تكونت على هذا النهر العظيم واشتغل معظم السكان بالزراعة وقد ساعد هذا النمط من العيش على وحدة اللغة والتقارب في العادات، كما سهل على الإمارة الأقوى فرض سيطرتها على بقية الإدارات، فتكون وحدة مركزية بقيادة الإمارة الأكثر قوة ولهذا فإن معنى الصين باللغة الصينية «دولة مركزية» مما يعبر عن ذلك المفهوم الذي ظل سائدا حتى هذا العصر.
وقد حاولت الثقافة الصينية مقاومة الثقافات الوافدة مثل البوذية والإسلام في العصر القديم، والمسيحية في العصر الحديث إلا أنه تم قبولها كأمر واقع وتعاملت معها بعد أن وجدت في بعضها ما يتفق مع بعض أساسيات ثقافتها. وجدير بالذكر أن الكنفوشسيه تتعامل مع الفلسفة الأخلاقية ومحاسبة الذات، وحسن معاملة شؤون العائلة والدولة، كما أنها ترى في التربية وسيلة لتقويم السلوكيات، فيمكن تغيير سلوك الفرد مهما كان شريراً عن طريق التربية والتهذيب، وهو تؤمن بنظام الطبقات في الدولة والعائلة مع بيان الحقوق والالتزامات وهي من واقعها ليست ديناً بل ثقافة وتعاليم.
اختلف المؤرخون في تاريخ الاتصالات بين الصين والمنطقة العربية وتعتقد المصادر أن إمبراطور الصين «هان وو دي» الذي عاش منذ 156 قبل الميلاد هو أول من بدأ الاتصال وذلك عن طريق إرسال أحد رجاله في رحتله الأولى إلى أفغانستان وبلدان آسيا الوسطى للتحالف معها ضد غزو قبائل المغول. أما رحلته الثانية فكانت إلى ما بين النهرين وبلاد الشام مرورا بإيران حتى وصلت إلى الاسكندرية. وكانت هذه الرحلة الخطوة الأولى في الطريق التجاري الذي تم فيما بعد دخول الجمل إلى الصين في القرن الثالث قبل الميلاد، والذي عن طريقه تم حمل البضائع بين تلك الناطق المتباعدة في كرتنا الأرضية. وكانت صادرات الصين الحرير والمنسوجات والحديد والأواني الصينية، وصادرات العرب الي الصين البخور والعطور والأحجار الكريمة والعقاقير الطبية والمكسرات.ومن خلال هذا التبادل التجاري النشط دخل الإسلام إلى الصين كما دخلت البوزية إليها من الهند واسم بلاد العرب في الكتب الصينية القديمة هو «داتشي» وهو اسم محرف من كلمة فارسية هي «طاز» وهذا المسمى يعتقد أنه قد أخذ من قبيلة «طي» المشهورة. حيث كانت من أهم القبائل العربية في تلك الحقبة من الزمن. وتحول الاسم من عصر سلالة «يوان 1279 1368» إلى خوي خوي وهذا يطلق على المسلمين ويبدو أنه أخذ من كلمة «إخوان».
أما اليوم فالصين قد فتحت أبوابها لكل الحضارات وفتحت حدودها للبضائع الأجنبية والحضارات الوافدة لاسيما بعد دخولها منظمة التجارة العالمية فهل يستطيع جيل واحد أن يغير الكثير مما عجز عنه آلاف الأجيال ؟يبدو أن الأمر كذلك!!
|
|
|
|
|