| شرفات
إعداد محمد عبدالرزاق القشعمي
نقرأ ونسمع بمثل هذا المسمى «أطفال الشوارع» ونتمنى ألا نراه بيننا ولكننا شئنا أم أبينا نراه فعلاً، فعند اشارات المرور عندما تقف يخرج لك عدد منهم حاملاً مجموعة علب مناديل ورقية او مظلات شمسية او الخ، وفي المساجد كنت لا تراهم إلا في رمضان ولكن بعد صلاة الجمعة الماضية تقدم ثلاثة شحاذين ومعهم ثلاثة اطفال كل واحد بجهة يعرض اصابته او اصابة طفله والله أعلم هل فعلاً هو مصاب ام هي الحجة و«عدة الشغل».
الخوف ان تستفحل مثل هذه الظاهرة وان يتزايد عددهم وتتحول الى تجارة رائجة ويستغل مثل هؤلاء البراعم الناشئة ضعاف النفوس في استخدامهم في المحذورات او في الأعمال المنافية للأخلاق والسرقة وغيرها.
أثناء معرض الكتاب الدولي في القاهرة كنت في زيارة مع بعض الأصدقاء للدكتور حمد عقلا العقلا أمين عام المجلس العربي للطفولة والتنمية بالقاهرة، وكان يتحدث بحماس مستعرضاً مشاريع المجلس وخططه وبرامجه والنتائج التي قدمها وما يطمح اليه في المستقبل القريب، وطرح فيما طرح مشروع «اطفال الشوارع»، وكيفية تأهيلهم وأسباب تفشي هذه الظاهرة وذكر أمثلة لاماكن وجودهم التي قدرها بأكثر من عشرة ملايين وان الانفاق والأماكن الخربة والمقابر هي اماكن وجودهم وذكر بعض المدن الرئيسية مثل القاهرة والخرطوم والدار البيضاء وبيروت.
ان ظاهرة التسول ليست إلا غطاء لمهام أخرى فقد تسبب الأخطار الجسام للمجتمع مستقبلاً اذا لم تعالج وتوضع لها الحلول العاجلة، والقضاء عليها قبل ان تستفحل.
لقد تكرر هذا المشهد، بل اصبح ان ترى امرأة تجرجر خلفها مجموعة اطفال وتتخلل بين السيارات وهي تترقب اضاءة الضوء الأخضر للانطلاق مما يعرضها واطفالها للخطر المحدق، هل هي الحاجة فعلاً؟ او اسلوب وطريقة عمل؟ هل هو تدريب لهذه البراعم الصغيرة؟
لقد ألف الناس ان يروا سيارات بأنواعها في شهر رمضان المبارك وأيام الجمع توزع مثل هذه الأسر من العجائز والأطفال بالقرب من المساجد او اشارات المرور أو الأسواق المركزية وهكذا.
صحيح انه ولله الحمد لم تنتشر هذه الظاهرة او تتكثف مثل بعض العواصم العربية الكبرى ولكن الخوف ان تتزايد ونفاجأ بتفاقم المشكلة وتكون بؤرة للأمراض الاجتماعية والصحية.
وعند الاطلاع على تقارير اليونيسيف نجد انها تدق ناقوس الخطر وتحذر وتنذر من تفشي هذه الظاهرة وتحويلهم الى بؤر للأمراض او تحويلهم الى عصابات للسرقة والسلب والنهب والى تزايد الاغتصاب، فالفقر كافر لا أخلاق له، وهو بالتالي مجال خصب لتفشي الأمراض الخطيرة والفتاكة التي تهدد المجتمع.
لقد سمعنا من الدكتور حمد العقلا عند زيارته في «المجلس العربي للطفولة والتنمية» بالقاهرة، وهو يشرح عن خطط المجلس وما يزمع النهوض به من عمله من مشاريع وخطط للقضاء على هذه الظاهرة وأسلوب معالجتها ومنها مثلاً: انهم سوف يقيمون حفلات فنية لجمع المال حتى يستطيعوا تنفيذ خططهم بإيجاد مشاريع لتشغيل بعضهم، وتشجيع بعض الأسر التي لا يوجد لها اطفال بتبني عدد منهم، مع توفير أساليب عمل شريف وتدريبهم عليه، ونقلهم من الحالة التي ألفوها الى وضع افضل وانصع، وذكر انه وفريق العمل الذي يساعده من متطوعين ومتعاونين وعاملين بالمجلس قد التقوا ببعض الفنانين المشهورين خليجيا وعربياً وهم يعملون حقاً بهدف المجلس ورغبته إلا ان البعض تعامل مع الفكرة مع الأسف من منطلق تجاري ربحي بغض النظر عن رفع المعاناة او المساهمة الإنسانية في تحقيق وتنفيذ هذه الخطة، ومعالجة هذه المشكلة، لكن الاستاذ العقلا اشار الى موقف نبيل واحد وقفه الملحن والفنان الموسيقي الأستاذ «عمار الشريعي» الذي تفهم رسالتهم وزارهم رغم انه فاقد للبصر ولكن الحماس اخذه ليساهم معهم وطلب ان يسمحوا له للاتصال ببعض من يرى بأهمية هذه الرسالة الإنسانية ولا يكون الربح المادي هو الهدف.
وحين عدت الى الرياض بعد نهاية المعرض وجدت في انتظاري رزمة من المطبوعات التي اصدرها المجلس العربي للطفولة والتنمية تصلني وتمنيت لو تكون بمتناول الجميع لتسهم في وضع الصورة الصحيحة أمام المواطنين ليتفهموا أهمية وحجم المشكلة.
كان من بين تلك الإصدارات: 1 النظام الأساسي واللائحة التنفيذية.2 العدد العاشر من مجلة «خطوة»، وهي مجلة متخصصة في الطفولة المبكرة. 3 يوم الطفل العربي، معرض تصميم وابتكار الشخصية الكرتونية للطفل العربي. 4 من أجل بناء جيل قادر. 5 العدد الصفري من «مجلة الطفولة والتنمية» دورية علمية متخصصة محكمة، وقد اشتملت على مواضيع ودراسات موثقة حول، ثقافة الطفل وتنمية التفكير لديه ومحددات الالتحاق بالتعليم الابتدائي، وخصائص الأسرة واختيار مهنة المستقبل بين الأطفال، وسيكولوجية تأهيل المعوقين، والأهم «الأوضاع المتغيرة لظاهرة عمالة أطفال الشوارع في التسعينيات» ودراسة ميدانية للحالة بمصر.
6 تقرير الأداء لعام 1999م، بالاضافة الى بطاقات تهانٍ وتقاويم وشعارات المجلس العربي للطفولة والتنمية.
وبعد ان قرأت وتصفحت تلك الإصدارات وانا اشاهد نماذج واستعرضها في ذهني عند إشارات المرور وأغلبهم حفاة ولا يستر عوارتهم إلا قطع قماش ممزقة، وانا افكر في أصحاب النوايا الشريرة ومن لديهم النزعة العدوانية في ان يستغلوا براءتهم بتنفيذ مآربهم في السرقة او ترويج المخدرات او الاستغلال الجنسي وغيره.
لقد اكبرت في هذه المنظمة وهؤلاء الرجال العاملين باخلاص من اجل ازالة هذه الظاهرة البشعة وعلاج هذه الأمراض ليتمكن المجتمع من تجاوز معوقاته وليسير في طريق التنمية الصحية المثلى.
لقد سعدت وانا اقرأ ما نشر في جريدتنا «الجزيرة» في 19/ صفر/ 1422ه وكذا ما نشر تحت عنوان «ظاهرة أطفال الشوارع من أخطر قضايا مصر والاهتمام بها التزام ديني» و«تنقلات أطفال الشوارع تصعب مهمة تعدادهم خطرهم يتمثل في استخدامهم في الأنشطة غير المشروعة».
وبعد ان عقدت اللجنة التحضيرية لتنمية الموارد للتصدي لظاهرة اطفال الشوارع برئاسة سمو الأمير طلال بن عبدالعزيز رئيس المجلس العربي للطفولة والتنمية.. وقوله: ان هذه الظاهرة من اخطر القضايا التي افرزتها مشكلات الإنسان في العصر الحديث.. وعدم وجود احصائيات دقيقة بسبب خجل الجهات الرسمية في الاعلان عنها او الصعوبة وهي بسبب كثرة تنقلات هذه الفئة بين الأماكن المهجورة والشوارع والكباري والارصفة وغيرها، مشيرا الى بعض الدراسات والبحوث الفنية التي تقدر عدد اطفال الشوارع في الوطن العربي ما بين سبعة وعشرة ملايين.
وقال سمو الأمير طلال: وايا كان عدد هؤلاء الأطفال فإن الأديان السماوية وقيمنا العربية وضمائرنا الإنسانية تدعونا للوقوف إلى جانب هذه الفئة من ابنائنا وبناتنا التي فقدت عائلها او هرب منها وحرم بالتالي من كل وسائل الرعاية والحماية وانساق بلا وعي او تحت الضغط الى الشارع لكي نمد لهم يد العون والمساعدة حتى لا ينام طفل عربي في الشارع ويتعرض للجنوح والهلاك.
وقال: «ان المجلس قد قرر البدء بحملة لدعم هذه المؤسسات والمشاريع العربية الخاصة بمعالجة هذه الظاهرة، من خلال عدة اساليب من بينها اقامة الحفلات الخيرية التي يدعى لها أصحاب الخير ويؤول عائدها لدعم هذه المشاريع، وستكون اولى هذه الحفلات في القاهرة في شهر يوليو القادم وسوف يشارك في هذه الحفلات نخبة من النجوم العرب الذين تطوعوا لهذا العمل الإنساني».
احيي هذا الجهد وتلك العزيمة ولا شك ان الطريق صعب وشائك، ولكن عمل الصالح والصحيح يؤتي أكله ويصل لهدفه ويحققه وبدوري اطالب بمساندة المؤسسات الصادقة لتحقيق برامجها وانجاح مشاريعها حتى يتحقق الهدف لانقاذ هذه الفئة ومساعدتها لتعرف طريقها الصحيح ليتحولوا الى فئة نافعة منتجة لا فئة ضارة هدامة.
|
|
|
|
|