| مقـالات
تتوالى اجتماعات صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس الحرس الوطني بحضور أصحاب السمو الأمراء والمعالي الوزراء مع عدد كبير من شرائح المجتمع السعودي كأعضاء مجلس الشورى والمسؤولين عن التعليم للبنين والبنات ورجال الاعلام ومنسوبي القوات المسلحة وأمراء المناطق وشيوخ القبائل وغيرهم من الأعيان ورجال الأعمال، وتحدث سموه الكريم كثيرا عن الحملات الغربية المغرضة ضد المملكة العربية السعودية، وما قامت وتقوم به وسائل الاعلام الغربية من هجوم على المملكة، وأوضح سموه ان هذه الحملة الغربية المدروسة والمخطط لها تهدف الى الاساءة للاسلام أولا وللحكومة السعودية ثانيا، لأنها الدولة الأم لجميع الدول الاسلامية لوجود الحرمين الشريفين والكعبة المشرفة قبلة المسلمين.
كما ان لموقف السعودية الثابت والقوي مع الدولة الفلسطينية ودفاعها المستميت عن ثالث الحرمين الشريفين وأولى القبلتين المسجد الأقصى منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه الى ان يتم تحرير بيت المقدس إن شاء الله الدور الكبير في سبب العداء للمملكة العربية السعودية، ولاشك ان موقف المملكة الدائم ضد اسرائيل سبب رئيس لهذه الحملة العدوانية التي تهدف بشكل واضح الى محاولة التشكيك في نظام الحكم القائم بالمملكة ومحاولة غرس الفتنة والفرقة بين أبناء الشعب السعودي، وخلق حالة من عدم الاستقرار السياسي.
وقد أوضح سمو الأمير عبدالله ان خلف هذه الحملات من خلفها وان لهذه الحملة أهدافها التي لا تخفى.
وتطرق سموه الى ان هذه الحملات تهدف كذلك الى محاولة التشكيك في الاسلام كدين ونظام حكم والتشكيك في القرآن الكريم كدستور حياة للمملكة العربية السعودية، وقال سموه بأنهم لم ولن يستطيعوا مهما قالوا ان يغيروا قدر أنملة من تمسك الشعب السعودي المسلم بتعاليم دينه الاسلامي، بل إن هذه الحملة ستزيد من قوة تمسك الشعب السعودي بالقرآن الكريم والسنة ا لنبوية كدستور حياة والدين الاسلامي كنظام حكم.
وقد استشففت من حديث سموه الكريم رغبته في التصحيح في تسمية هذه الحملة الى أنها «حملة دعاية» وليست «حملة اعلامية» خاصة فيما يتعلق بأهدافها وأسلوبها، إذ ان «الحملة الاعلامية» غالبا يكون الهدف منها التوعية بما يحقق الصالح العام في المجتمع، وتثقيفهم وتوسيع مداركهم، ولكن «حملة الدعاية» تهدف الى خلق بلبلة، وتشكيك في المجتمع مما يساعد على زرع الفتن والأحقاد والتشكيك كذلك في نظام الحكم القائم، كما تهدف الدعاية الى زعزعة الأمن وإثارة المشاكل وغيرها من أهداف الدعاية.
ما سبق يقودنا الى محاولة التعرف عن كثب على الاعلام والدعاية ومحاولة التفرقة بينهما مما يساعد على التعرف على التسمية الحقيقية لهذه الحملة الغربية المغرضة، فالاعلام بمفهومه البسيط «نشر البيانات والمعلومات المتعلقة بالمجالات الثقافية أو الاجتماعية أو السياسية أو الدينية أو مختلف المجالات الفكرية الأخرى، بغرض تنوير أذهان الرأي العام وتبصيره بمجريات الأمور على ان يلتزم هذا النشاط بالموضوعية والصدق ويعمل على تحقيق أهداف ايجابية» وحملات التوعية الاعلامية لا تخرج عن هذا المنظور للاعلام فأهدافها ايجابية مع التزامها بالموضوعية والصدق ولكن الحملات الغربية المغرضة لا تتفق اطلاقا مع هذا المنظور الاعلامي فهي ليست حملات اعلامية بل هي حملات دعاية ينطبق عليها ما ينطبق على تعريف الدعاية وهي:
«الجهود الاتصالية المقصودة التي تسعى الى نشر أفكار أو اتجاهات معينة تم اعدادها وصياغتها بأسلوب يؤدي الى احداث الأثر المقصود لجمهور معين في مكان محدد وزمن محدد، هذا التعريف البسيط ينطبق على «حملة الدعاية» الموجهة ضد المملكة وضد الاسلام والمسلمين، وقد استخدم الغرب في حملاتهم ضد المملكة نوعين من أنواع الدعاية؛ استخدموا الدعاية السوداء وهي:
«الدعاية التي تلجأ الى مخاطبة الغرائز والانفعالات وحشد الأكاذيب والأوهام دون ان تكشف عن مصدرها أو تحدد اتجاهاتها أو أهدافها كالكتابة بالصحف بأسماء وهمية أو المطبوعات التي لا تحدد جهة اصدارها».
كما استخدموا كذلك الدعاية الرمادية «وهي أكثر ذكاءً وخطراً من الدعاية السوداء لأنها تستند الى بعض الحقائق التي لا يمكن انكارها، وتلفيق اليها بعض الأكاذيب بحرص شديد وترتيبها ترتيبا مغرضا بحيث يصعب على القارىء أو المستمع غير المدقق اكتشاف ما فيها من تضليل وخداع، كما أنها تخلط بين مخاطبة العقل والغرائز، وتكشف عن مصدرها، ولكنها تخفي نواياها واتجاهاتها عن الجمهور».
هذا الايجاز البسيط للتفرقة بين «الحملات الاعلامية» و«حملات الدعاية» يقودنا الى سؤال اعلامي وهو:
كيف نستطيع مواجهة مثل هذه الحملات المغرضة في ظل ضعف وسائل اعلامنا العربية والاسلامية ومحدودية انتشارها، وكيف نستطيع صد هذه الدعاية من خلال ما يطلق عليه الدعاية المضادة التي تعني الجهود الاتصالية التي تبذل لاحباط تأثير الدعاية الموجهة؟
قد يبدو للبعض ان الاجابة عن هذا السؤال سهلة جدا في ظل وجود أكثر من ثمانين قناة فضائية عربية في عصر الأقمار الصناعية والمحطات الفضائية المنتشرة في جميع أرجاء العالم. ولكن الحقيقة غير ذلك، لأن هذه المحطات الفضائية العربية جميعها موجهة الى العرب أنفسهم وتتحدث باللغة العربية ووسائل اعلامنا العربية الأخرى موجهة كذلك الى العرب، ويوجد في وسائل اعلامنا سباق محموم لاستقطاب أكبر قدر من الجمهور العربي، فأخبارنا العربية موجهة الى العرب ورسائلنا العربية موجهة الى العرب، كما ان بعض وسائل الاعلام الغربية، موجهة كذلك الى العرب بكل ما فيها من جيد ورديء علماً بأن نسبة كبيرة مما ينشر في وسائل اعلامنا منقول أو مترجم من وكالات أنباء أجنبية، والاعلام الدولي يعتمد بصورة رئيسية على وسائل الاعلام الدولية المتطورة الموجودة حكرا على الدول الكبرى، لذا فإن تدفق الاعلام يكون مرهونا بمصالح تلك الدول، وعلى هذا الأساس يكون اتجاه الاعلام الدولي من الدول الكبرى الى الصغرى، ومن الدول القوية الى الضعيفة، ومن الصناعية الى الأقل تصنيعاً ومن المتقدمة الى النامية ومن الغنية الى الفقيرة ومن المعتدية الى المسالمة ومن هذا يتضح ان الدول التي في المرتبة الأقل تعلم عن الدول التي في المرتبة الأعلى أكثر مما تعرف عن مثيلاتها من الدول التي في نفس المستوى وذلك نتيجة لتحكمها في وكالات الأنباء العالمية، ويقتصر ما تنشره وسائل الاعلام الدولية عن الدول الأقل نموا وتصنيعا واقتصادا.. الخ على الكوارث الطبيعية والمجاعات والمشاكل العنصرية والانقلابات السياسية والصراعات المحلية وغيرها من المشاكل الداخلية. وهذا يساعد بلا شك على زيادة الهوة بين الدول الأقل مرتبة ويأتي من ضمنها الدول العربية والاسلامية مما يتطلب ضرورة القيام بخطة مدروسة طويلة المدى تتضافر فيها جهود الدول العربية والاسلامية بانشاء قناة اسلامية مجهزة بأحدث تقنيات الاتصال تتحدث باللغة الانجليزية والفرنسية، على ان تبذل جميع المحاولات لادخالها جميع المنازل في جميع الأقطار الغربية وبدون مقابل نستطيع من خلالها اعطاء الصورة الحقيقية عن الاسلام، والتصدي لجميع الشائعات والحملات المغرضة ضد الاسلام والمسلمين، ولا أعتقد ان ذلك مستحيل في ظل التجارب الكبيرة في البث الفضائي العربي والاسلامي.
وفي ظل الظروف الراهنة فإن بامكان المملكة العربية السعودية والدول العربية والاسلامية شراء مساحات بث في بعض القنوات العالمية ك«CNN» و«BBC» وغيرها من القنوات العالمية واسعة الانتشار على ان يكون البث موجها الى الدول الغربية باللغتين الانجليزية والفرنسية لتوضيح الصورة الحقيقية للاسلام بدلا من الصورة المشوهة التي تبثها وسائل الاعلام الغربية المختلفة، ولا أعتقد ان هذا الأمر مستحيل، مع العلم ان اسرائيل لوحدها تنفق على وسائل الاعلام بلايين الدولارات لقناعتها بأهمية الدعاية ودورها الكبير في كسب تعاطف وتعاون الدول الغربية معها من خلال تقديم الصورة السيئة عن العرب والمسلمين ووصفهم بالارهاب ومحاولة قلب الحقائق حتى أصبح المسلمون في نظر الغرب هم المعتدون وهم القتلة وهم الارهابيون، وأصبح اليهود المحتلون هم المسالمون وهم المحتاجون للدعم والمساندة والمساعدة، وهكذا يظهر الهدف الحقيقي من الدعاية الصهيونية.
كلية الملك فهد الأمنية دكتوراه في الإعلام
|
|
|
|
|