| أفاق اسلامية
كثير من طالباتي الصغيرات يعتقدن أنهن عندما يذنبن أو يعصين الله فإن الله لا يغفر لهن تلك الزلة، ولا يمحو عنهن تلك السقطة، ومن نتائج هذا الفهم غير المستقيم يجدن في أنفسهن ما يدفعهن الى الاصرار على المعصية وعدم التوبة منها بل واستسهال الوقوع في مثيلاتها من المعاصي، ولا ريب ان ذلك جهل بالله جل وعلا ذي الأسماء الحسنى والصفات العلا، ومن أسمائه الغفور، الرحيم، اللطيف، الرؤوف، وهذه لا تظهر آثارها إلا بذنب يقع فيه الانسان في لحظة ضعف وعليه شهوة أو هوى ما يلبث أن يتحرك في قلب مرتكبه الايمان والوجل من الله العزيز الجبار، شديد العقاب، فيتوب ويستغفر والله يتوب على من تاب (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى).
والانسان لا بد أن يخطىء ولا بد أن يزل، والناس متفاوتون في أخطائهم بين صغائر وكبائر وبين مفسق ومكفر، والشأن بين في هذا وإنما الشأن في الإصرار على الذنب وعدم التوبة منه والاستهتار بعاقبة الذنوب وآثارها في الدنيا والآخرة، فإن فساد الدنيا والآخرة إنما هو، بالذنوب ففي الدنيا يقول تبارك وتعالى:(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون).
وقال تعالى:(وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعف عن كثير).
وأما في الآخرة فالعذاب في القبر وفي عرصات القيامة وفي النار إن لم يتجاوز الجبار عن المذنبين.
والمسلم الحصيف كلما أذنب رجع واستعتب واجتهد فيما يمحو خطيئته ويطهر نفسه، وقد قال بعض العلماء:لا كبيرة من استغفار، ولا صغيرة من إصرار.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الذنوب المحتقرة التي لا يلقي لها المرء بالاً فقال:«إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه».
وان من رحمة الله بعباده ولطفه بهم أن فتح لهم أبواب التوبة ورغبهم فيها ، قال تعالى:(قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم).
بل إن الله جل جلاله من رحمته بخلقه إذا تاب العبد من ذنوبه أبدلها الله له حسنات قال تعالى:(إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما).
ومما لاشك فيه أن تذكر مثل هذه الأمور يبعث في النفس مشاعر الأمل ويدفع الى الانابة والاقلاع عن الذنب.
وإذا تأمل المسلم وجد ان الله جل جلاله قد اختص هذه الأمة بمواسم خير وبر تضاعف فيها الحسنات وتحط فيها الخطايا والسيئات ومنها شهر رمضان شهر البركة والاحسان والصيام والقيام تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران حتى يزداد شوق الراغبين في رضا الرحمن، فيه ذنوب مغفورة وعيوب مستورة، من وفق فيه لصالح الأعمال أجر ومن فرط فيه خاب وخسر وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «رغم أنف من أدرك رمضان فلم يغفر له» فيه ليلة هي أعظم الليالي إذ هي خير من ألف شهر هو شهر المغفرة والرحمة يقول صلى الله عليه وسلم:«من صام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه».. و«من قام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» و«من قام ليلة القدر غفر له ما تقدم من ذنبه».
إنه فضل عظيم وموسم كريم وتجارة رابحة لا يزهد فيها إلا محروم فيا أيها المسرفون على أنفسهم بالذنوب والمعاصي ها قد أظلكم رمضان بما فيه من جوائز الملك الديان فأكرموا هذا الوافد الكريم واقبلوا هدايا ربكم تفلحوا وإياكم أن يحول الشيطان بينكم وبين التعرض لنفحات المولى عزوجل فتكونوا من الخاسرين.
فأكثروا فيه من الخير وانفضوا عن أنفسكم غبار الكسل والتواني وبادروا فيه بالأعمال الصالحات قبل ان يحال بينكم وبينه فتتقطعوا عليه حسرات فإن أبواب الخير فيه كثيرة منها:
1 الصلاة: التي هي صلة بين العبد وربه يناجيه فيها ويسبحه ويقدسه وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتورم قدماه وتتفطر بفعل ذلك وهو عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكيف بنا المسرفين على أنفسنا إنها فرصة مباركة ان تعود نفسك على القيام في رمضان مع الناس بما يعينك على الاستمرار عليه بعد رمضان.
2 قراءة القرآن الكريم ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قال:«الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة».
والقرآن حياة القلوب، وراحة النفوس، وانشراح الصدور، وشقاء من الأسقام، وحرز من الآفات والشرور (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين).
3 الدعاء: سلاح المؤمن، لا يخطىء المقاتل، ولا يرد القضاء إلا الدعاء وليس مثل الدعاء في دفع البلاء، والله يحب من عباده الداعين الملحين وقد قال تعالى:(وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين). وقال صلى الله عليه وسلم:«الدعاء هو العبادة» ومن فتح له باب الدعاء فتح له باب الخير والتوفيق، فنعوذ بك اللهم من الخذلان والحرمان، ودعاء الصائم لا يرد قال صلى الله عليه وسلم:«ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر».
4 تفطير الصائمين: وهذا باب من أبواب التكافل والتعاون على البر والتقوى وقد قال صلى الله عليه وسلم:«من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا».
5 التوبة: وهي مطلوبة في كل وقت وحين إلا أنها تتأكد في رمضان حيث اقبال الناس على الخير فيجد منهم ما يعينه عليها، وإذا تذكر المذنب ان الله جل وعلا في كل ليلة من ليالي رمضان عتقاء من النار، دفعه ذلك الى المسارعة بالتوبة خشية ان يذهب الشهر وهو لم يكتب في زمرة المعتقين من النار.
فالتوبة التوبة والبدار البدار قبل فوات الأوان وتقطع الأعمار.
خاتمة: مر ابراهيم بن أدهم بسوق البصرة فاجتمع الناس اليه فقالوا: يا أبا اسحاق مالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟ قال: لأن قلوبكم ماتت بعشرة أشياء:
الأول: عرفتم الله فلم تؤدوا حقه. الثاني: زعمتم أنكم تحبون رسول الله ثم تركتم سنته. الثالث: قرأتم القرآن ولم تعملوا به. الرابع: أكلتم نعمة الله ولم تؤدوا شكرها. الخامس: قلتم ان الشيطان لكم عدو ووافقتموه. السادس: قلتم ان الجنة حق فلم تعملوا بها. السابع: قلتم ان النار حق ولم تهربوا منها. الثامن: قلتم: ان الموت حق فلم تستعدوا له. التاسع: اشتغلتم بعيوب الناس وتركتم عيوبكم. العاشر: دفنتم موتاكم ولم تعتبروا بهم.
أسأل الله أن يجعلنا من القائمين الصائمين إيمانا واحتسابا وأن يتقبل منا صالح الأعمال إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
* الرياض
|
|
|
|
|