| أفاق اسلامية
* الجزيرة خاص:
طالب فضيلة الشيخ عبدالله الغميجان المسلمين بتوخي الحذر والحيطة في أوقات الفتن، ووقوع الأحداث الجسام، واحتدام الصراعات، حيث تختلط الأمور، وتتداخل المعلومات، وتضطرب التحليلات، وتذهل كثير من العقول، وتحار الأفهام، وتكون النفوس مهيأة لقبول أي شيء يلقى عليها، حتى ولو كان واضح البطلان لكل متأمل، ذلك أن أكثر الناس في الأزمات لا تفكر بعقولها، وإنما تفكر بعواطفها، فتنساق وراء الأخبار، وتتقلب تقلب التحليلات.
وشدد فضيلته في حديث ل«الجزيرة» على ان الاشاعات تكثر في أزمنة الفتن، ومصدرها إما من العدو نفسه، كحرب نفسية بقصد زعزعة المجتمع، وإحداث الفرقة والنزاع بين أفراده، واحيانا تصدر من ذوي نفوس مريضة، يريدون من ورائها إثبات ذواتهم، والتلذذ ببث الفزع في نفوس الناس، مبيناً ان من اشد أنواع الإشاعات تأثيراً تلك التي تؤيد بأحاديث موضوعة، أو آثار ضعيفة، او قصص مكذوبة، أو منامات ملفقة، وربط النجاة بتصديقها ونشرها، والهلاك بتكذيبها وإهمالها، وعامة الناس تظن ان كل ما قيل عنه حديث فإنه مقبول او صحيح، ولا يدرون ان منها ما هو صحيح، ومنها ما هو ضعيف، ومنها ما هو موضوع.
وقال فضيلة الشيخ الغميجان في سياق حديثه: إن كثيراً من الناس لا يكلفون أنفسهم عناء التثبت، كما أخبر بذلك المولى عز وجل: «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين»، مطالباً المسلمين بالتثبت من أي نبأ يصل إليهم بسؤال أهل العلم الراسخين عن أية معلومة أو منشور يتضمن حديثاً أو قصة ونحوها، فكم من منشور تفاعل معه العامة رعباً وهلعاً تبين كذبه واختلاقه، وكثير من المنشورات تكون مجهولة المصدر، أو مذيلة بعبارة فاعل خير، أو اسم مستعار او ملفق، مما يؤكد لكل ذي عقل كذب هذا المنشور، وسوء القصد في نشره، ولو صدق صاحبها في نصحه للأمة لأعلن عن نفسه، وعرّف بها، وسلك الطريق الرسمي فيها.
وتساءل فضيلته ان من الغريب حقاً ان الناس لا يستفيدون من الدروس السابقة في مثل هذه المنشورات الكاذبة الآثمة؟، مشيراً الى ان أرباب الإشاعات، ومؤججو الفتن، يعمدون غالباً الى المتشابه من الأدلة والأقوال، لما في دلالاتها من احتمالات عدة، فيجدون فيها ما يخدم أهدافهم، والله سبحانه وتعالى يقول: «فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله..».
ومضى فضيلته قائلاً: في ذات السياق: وما أحرانا بتدبر قول الحق تبارك وتعالى: «وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به، ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً».
وأوضح فضيلة الشيخ عبدالله الغميجان ان المولعين بالاشاعة والفتنة وأعداء الأمة لديهم طرائق عجيبة في التلبيس والتضليل بما يوهم صحة ما اذاعوه، كأن يذيعوا في الأمة أمراً، ثم يستدلون له بأدلة على غير وجهها، أو يؤيدونه بأحاديث باطلة وموضوعة، او بقصص مختلقة، او احلام مجاهيل يضفون عليهم من صفات التدين والصلاح ما يغري بقبول احلامهم او تعبيراتهم، دون ان يكون لهم حضور موثوق في ذهن المتلقي او العلماء المعروفين، واحياناً يستغلون مناسبات معينة، وظواهر تقع مصادفة، كأن يصادف اليوم الخامس عشر من رمضان يوم جمعة، فيشيعون في الناس أمراً منكراً، او مخالفاً للمنهج الحق كحدوث صيحة في ذلك اليوم، مما يعتبر نشره وإذاعته من السعي في الأمة بالفساد، وإحداث الرعب والهلع بلا مبرر، وزرع لليأس في النفوس، وإقرار للكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم المتوعد عليه بالنار: «من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده في النار»، «ومن حدث بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين»، محذراً فضيلته المسلم من مغبة هذا الفعل الشنيع، وعلى عموم المسلمين ألا يصدقوا مثل هذه الخرافات والأكاذيب، وليسألوا أهل العلم عما يشكل عليهم، وليثقوا في الجهات الرسمية.
وأبان فضيلته قائلاً: إذا كان قصد من يشيع مثل تلك الأراجيف أن يعيد الناس الى الله، فليعلم ان سلعة الباطل والكذب لا تثمر إلا بعداً عن الله، وأن العودة الى الله تكون بالدعوة على بصيرة من العلم الشرعي، المبني على الكتاب وصحيح السنة، وفي ذلك غنية عن الكذب والدجل.
وأكد فضيلة الشيخ الغميجان ان الغايات المحمودة لا تبرر الوسائل المذمومة، والكذب صفة قبيحة لا يتخلق بها ذوو الإيمان، والنجاة المطلوبة مربوطة بطاعة الرحمن، وكثرة ذكره، والتضرع إليه، والتوبة والاستغفار، والعقوبة مربوطة بتفشي المعاصي والمنكرات، وليس لها وقت محدد، بل أمرها يأتي بغتة، قال تعالى: «أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون، أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون».
وكرر فضيلته في ختام حديثه ل«الجزيرة» مطالبته المسلمين بالحذر والحرص من عاقبة الذنوب في كل لحظة، بما يدفع الى الاستغفار، وتجديد التوبة، وكثرة الدعاء، والخضوع، والذل، والانطراح بين يدي الجبار، والتعوذ بالله من الفتن وما ظهر منها وما بطن، وسؤال الله دوام الأمن وشيوع الطمأنينة، وفعل الأسباب الداعية للقبول والإجابة، والثقة بالله وإحسان الظن به، وتحقيق الترابط، وتأكيد الألفة والتعاون على البر والتقوى، والبعد عن أسباب النزاع والخلاف، وعدم منازعة الأمر أهله من العلماء والأمراء، ولزوم الطاعة والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
|
|
|
|
|