| عزيزتـي الجزيرة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أما بعد:
فقد كان من قبلنا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان حتى ينالوا من فضل ربهم الذي خص به هذا الشهر فلا أظنه يخفى عليك دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم «اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان»(1) إذاً رمضان أفضل الشهور. وما كان أفضل كان أكثر تميزاً من غيره بأعماله وفضائله وعظيم أجره. فإذا عرف هذا فقلِّب صفحات عمرك بما ظفرت به خلال هذا الشهر، وماذا خسرت، فإن قلت الدنيا تحتاج عملاً وكداً لجمع المال فلن يأتيك إلا ما كتب لك. وإن أجبت بغير ذلك فإن الآخرة تحتاج زاداً كالدنيا. و«ابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا» (2) فالدنيا ليست دار مقر، وإنما دار ممر. وقد قيل:
ولم أر شيئاً مثل دائرة المنى
توسعها الآمال والعمر ضيق |
فإن كنت قد قصّرت في الرمضانات السابقة، أو غفلت عن فضائل الأعمال في هذا الشهر، فإن عليك البدار بصنائع المعروف، ولا تحقرن من المعروف شيئاً، فقد دخل رجل الجنة بإزالة غصن عن طريق المسلمين (3) وصلى صلى الله عليه وسلم على قبر امة سوداء كانت تنظف المسجد وقال «جازاها الله ببيت في الجنة»(4).
وتنظيف المساجد تأنفه نفوس الجهال ولو عرفوا ما فيه من الثواب لتسابقوا إليه كالمسابقة إلى المال.
أخي الصائم: هذه أمثلة تشحذ الهمم، وتدفع أهل النفوس الكريمة للإقدام على أعمال البر والخير خلال هذا الشهر. خاصة أن النفوس تستشرف الخيرات، وتتفاعل مع المواسم والملّمات. فكن في هذا الموسم داعية خير، وحامل لواء بر واصلاح، فالدال على الخير كفاعله، ومن جهز غازياً فقد غزا. وقد قيل:
جِدّوا فإن الأمر جِدُّ
فله أعِدّوا واستعدوا |
فمن هذه الأعمال، كن ذاكراً لله في جميع ساعاتك فإن لله ساعة لا يرد فيها سائلا، وأعلم أن الدعاء سلاح المؤمن فتضرع إلى الله بحاجاتك ولا تنس اخوانك المسلمين.. فمن دعا لأخيه بظهر الغيب كان له مثل أجر صاحبه. وَانْفِ عن نفسك هجر القرآن بتلاوته بليل أو نهار، قال الله تعالى:« وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا» (5) واغتنم ركعات القيام يغفر لك ما جنيته من آثام. تظهر السرور والبِشر فإن تبسمك في وجه أخيك صدقة، وتجنب الفظاظة والغلظة فإنها تولد النفور والنقمة. «ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك» (6).
واذكر الصدقة فإنها مطفئة للخطيئة ونازعة للضغينة من القلب، كما أنها تدفع ميتة السوء. واعطف على المسكين، وامسح رأس اليتيم فإنها صدقة ورحمة، فمن لا يرحم لا يُرحم. وإياك وقطيعة الرحم فإن الرحم معلقة بالعرش فمن وصلها وصله الله وإلا قطعه. واعلم أن قاطع الرحم لا تستجاب دعوته وأنت في هذا الشهر أحوج ما تكون لاجابة الدعاء.
وجانب المحرمات من صور وملهيات فكم نحن بحاجة إلى الجد والمثابرة للأخذ بزمام الأمم العاملة.
قد هيئوك لأمر إن فطنت له
فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل |
فأمة الإسلام دينها يرتسم في القلوب والأعمال ويعكس صورة حية للآخرين.. فمن خلال هذه الأعمال وغيرها مما لم أذكره وهي كثيرة تجعل المؤمن في هذا الشهر يسابق الريح لإدراك مطلبه الشرعي لعله يفوز بالقبول. وشتان بين بيوت الصائمين هذه الأيام فمنها من صرف همه للفوز بأعمال هذا الشهر فصابر وثابر. وبيوت أخرى لم تفرق بين يومها وأمسها بل اتخذت هذا الشهر شهر مآكل وملبس، ونوم وتفسح. فالعاقل يعرف أنها أيام زراعة يجني ثمارها في دار السعادة، فالبدار البدار قبل فوات البذار. فأنت مدعو لتقسيم ساعات يومك في هذا الشهر وفق ترتيب منظم ومرتب، فجزء للعمل، وجزء للصلاة، والذكر، وجزء لأهلك وبيتك وهكذا. اللهم أيقظ القلوب عن غفلتها واهدها سبل الخير والفلاح يا أهل الجود والمكرمات.
محمد بن صالح بن سليمان الخزيم
(1) رواه أحمد في المسند انظر الفتح الرباني (9/231) يتقوى بطرقه. (2) سورة القصص آية «77».
(3) رواه مسلم حديث (1914). (4) أصل الحديث عند البخاري رقم (458). (5) سورة الفرقان آية«30».
(6) سورة آل عمران آية «159».
|
|
|
|
|