|
| شرفات
بالأمس كنت مع بعض أبنائي الصغار في احدى الأسواق التجارية نشتري بعض المتطلبات الغذائية، وكانوا يشاركونني في اختيار بعض ما نحتاجه ويميلون إليه، وقد تكون الدعاية وتأثيرها عليهم سبباً في ان يختاروا هذا الصنف دون غيره، وبعد وصولنا للمنزل وبدأنا نسلم لأمهم «المقاضي» وما أحضرناه بدأت في ترتيبه ووضعه في مكانه المناسب، وهي تقرأ ما كتب على كل علبة كتاريخ الانتاج، وتاريخ الانتهاء، للتأكد من صلاحيتها، وسبق ان اتفقنا جميعاً على مقاطعة البضائع الأمريكية والانجليزية وذلك أضعف الإيمان، ونحن نصبح ونمسي على اخبار المذابح والمجازر المصورة من خلال شاشات التلفزة وبالذات ما يرتكبه الصهاينة بحق اخواننا في فلسطين وهم يمارسون حقهم في الاحتجاج على طغيان وتعنت الحكومة العنصرية ومنعهم من التمتع بحقهم الطبيعي، بل وضربهم بلا هوادة بأحدث الأسلحة، وأقواها مقابل حجر صغير يقذفه أحدهم للاحتجاج ولفت نظر الرأي العام العالمي وتأكيداً للمثل القائل «ما ضاع حق وراءه مطالب».
وبمجرد ان اطلعت (ام الاولاد) على تاريخ الصلاحية والتأكد من عدم انتهاء مدتها، بدأت تقرأ اماكن الانتاج، فوجدت من بينها نوعين وهما: 1 الفول السوداني المعجون. 2 «كورنفلكس» قرأت ان مصدرهما الولايات المتحدة الامريكية، فاحتجت ورفضت لأن قيمة ما ندفعه لمثل هذه المواد يعود علينا على شكل رصاص أو سموم لتقتلنا واخوتنا في فلسطين وغيرها، فكل شركة امريكية اذا لم تكن مملوكة بكاملها لليهود فهي شركة مساهمة يملك نصفها من يدفع المعونات للدولة المغتصبة، علماً بأن أغلب تلك المواد تجهز خصيصاً للمستهلك العربي أو المسلم وبمواصفات تختلف كثيراً عما يسمح في توزيعه واستهلاكه لديهم، والهدف هو جني الارباح لتتحول إلى اسلحة فتاكة تقدم للدولة الصهيونية لتحقق هدفها التوسعي وللدفاع عن بقائها ووجودها بيننا. وهكذا عدت مسروراً في اليوم التالي لهذا السوق لاستبدال ما اشتريته بالأمس، وفعلاً لم يمانع صاحب المتجر فاخترت بعض المواد المصنعة محلياً وبأيد سعودية وبسعر أفضل وانتاج أجود.
فتذكرت ما سبق أن قرأته قبل مدة في احدى الصحف للدكتورة عزيزة المانع وهي تحيي الأطفال لتضامنهم مع اخوتهم في فلسطين ومقاطعتهم للبضائع الامريكية المعروف عن اصحابها مساندتهم لإسرائيل. واذا هي تقول:
عندما يتحمس طفل في الثامنة أو التاسعة فيعلن عزمه على الامتناع عن ارتياد مكدونالدز أو بيتزا هت أو باسكن رابينز مضحياً بكل المتعة التي تمده بها تلك المحلات فما ذاك إلا حصيلة ما نبت في داخله من إحساس بالمسئولية، وما تولد في اعماقه من شعور بقدرته على الإسهام بدور ما في هذه القضية المشتركة بين العرب والمسلمين جميعاً. وتقول الدكتورة عزيزة أعزها الله إن الصغار ضربوا للكبار خير مثل وحققوا ما لم يستطع عليه الكبار لأن الكبار يتهاونون في مثل هذه الأمور لاستبعادهم قدرتها على النيل من قوة العدو، وأن مخاطبة عقول هؤلاء الصغار والتعامل معهم بواقعية كفيلة باستجابتهم لما نريده منهم. وختمت كلمتها المؤثرة والمبهجة بعبارة من حديث الشيخ يوسف القرضاوي «ان كل ريال يدفعه المواطن العربي للبضائع الأمريكية يتحول إلى رصاصة تقتل مسلماً عربياً».
كما أذكر انني قرأت مقالاً للصديق المختفي عبدالله الصيخان تحت عنوان (قاطعوا.. تصحوا).
فبطريقته المرحة المعتادة يربط بين المقاطعة والصحة ويقول: ان هاتفه استقبل مكالمة تطلب منه تمرير الرسالة لعشرة من أصدقائه وتطالبهم بمقاطعة البضائع الأمريكية. وقال أبو حمد رد الله غربته :
(... وكنت قد ناديت قبل ثمانية عشر عاماً ونيف في مقالات نشرت في مجلة اليمامة بمقاطعة السلع الأمريكية، ولم أكن وحدي آنذاك فقد سال حبر جم وتهدجت أصوات تنادي بالعزوف عن كل ما هو أمريكي..)
ولفت أبو حمد انتباه الجميع إلى أهمية (مبدأ المقاطعة الاقتصادية فهو سلاح مهم ومؤثر فقد استخدمته امريكا وبنجاح ضد الاستعمار البريطاني في القرن الثامن عشر وأثناء حرب استقلال امريكا ثم في عهود لاحقة ضد الصين الشعبية وكوبا والسودان والعراق ودول أخرى..).
وتبنت الجامعة العربية المقاطعة. وأنشأت مكتباً للمقاطعة في كل العواصم العربية واختتم مقاله المؤثر بقوله (... وحسب التقارير الاقتصادية فقد بلغت خسائر الاقتصاد الإسرائيلي 87 مليار دولا حتى عام 1998م وهو رقم كبير في عيني »شيلوك» وهو ذلك المرابي اليهودي الذي تفيض عيناه وقلبه بالجشع...).
لقد أعادنا الأستاذ الصيخان لما قبل ثمانية عشر عاماً وليسمح لي القارىء الكريم أن أعيده إلى ما قبل أربعة وثلاثين عاماً وخلال حرب 1967م فقد اجتمع مجموعة من الشباب في منزل أحدهم وكانوا متحمسين للحرب والمقاطعة ويسهرون على متابعة أخبار الحرب من الإذاعات والإشاعات وبلغ بهم الحماس إلى البدء بأنفسهم فأحضر صاحب البيت طشتاً من النحاس وجمعوا به الأقلام وعلب الدخان الأمريكي والبريطاني وأشعلوا بها النار وجمعوا من بينهم مبلغاً قليلاً فذهب أحدهم يحضر لهم أقلام ناشف صينية ومثلها علب دخان مصري (كيلو باترا) وأردني (فيلادلفيا) واقترح أحدهم أن تضاف لما أحرق الساعات لكنهم برروا ذلك بأنها سويسرية وكم كان يحس كل منهم بالسعادة الغامرة وهم يرون أنه تحقق شيء مما يحلمون به أو الطريق الطويل يبدأ بخطوة واحدة والمطر المنهمر يبدأ بنقط صغيرة أو كما قيل (أول الغيث قطر ثم ينهمر) لقد صادف أن حادثت الدكتور عبدالله المعيقل بعد أيام من قراءتي لكلمة زوجته أم تيم. عزيزة المانع فحملته تحياتي لها وتقديري البالغ لمثل هذه الكلمات البسيطة المؤثرة وقلت له ان يبلغها أنني أبدأ بنفسي فقد كنت أرغب في اقتناء سيارة وكانت رغبة الأولاد في الأمريكي ولكني حسمت الموضوع وأزمعت أن أتجه للشرق. صحيح أنني سمعت الكثير من المثبطات والأمثال والاستهجان ومنهم من قال (وش درا النخلة بالبعوضة) فقلت لهم (إن القراد يبّرك الجمل) فمثل بمثل آخر يناقضه.
وتاريخنا العربي القديم يعلمنا أن سد مأرب التاريخي قد انهار بأوهى الأسباب فبفعل فأر صغير أحدث خرماً في الجدار سبب هذا الانهيار الذي بسببه تشتتت القبائل العربية من موطنها الأصلي (اليمن) إلي مناطق مختلفة.
إلى جانب انهيار الكثير من الحضارات والدول الكبرى مثل امبراطورية بريطانيا العظمى التي لا تغرب عنها الشمس فقدت الهند بفضل مقاطعتها من الشعب الهندي بقيادة غاندي للمنتجات البريطانية هذا في التاريخ الحديث وغيرها من الأمثلة الكثيرة، وليس خافياً علينا انهيار الاتحاد السوفيتي وأسباب مؤخرا وسنرى بفضل وعينا وعزيمتنا في التصدي للعدو المستشري كيف نتغلب على الهزيمة ونحولها إلى نصر مؤزر بإذن الله. وستعتبر إسرائيل من الدول التي كانت ومازالت كالدمل في الجسم العربي والبقاء للحجر وللفتيان اليانعين الذين سيصنعون النصر بعزيمتهم، وسيعيدون الكرامة والعزة لمجتمعهم.
|
|
|
|
|
