| شرفات
إن استغلال النباتات عن طريق هندسة الجينات ومن ثم الاستعانة بها كمفاعلات حيوية لإنتاج كثير من المركبات النافعة سواء عقاقير أو مضادات حيوية او هرمونات لم يعد من قبيل التندر وإنما صار واقعا ملموسا. والنباتات التي استخدمت في ذلك كثيرة منها التبغ والبطاطس والطماطم وغيرها.
اما بالنسبة للبوليمرات الحيوية التي تماثل البلاستيك في خواصه، والتي تنتجها أنواع من البكتيريا والتي لم يكن يعوق إنتاجها على نطاق واسع إلا ارتفاع تكلفتها، فإنه إذا صلح نقل الجين المسؤول عن إنتاج هذه المواد من البكتيريا الى أحد النباتات الراقية، ولتكن هذه النباتات أشجارا أو شجيرات، فإن تمثيل الكربون الزائد بدلا من أن يسير في اتجاه تكوين نشا أو احماض دهنية فإن جزءا منه سوف يتجه الى التخزن على هيئة بلاستيك حيوي. ونجاح هذه الطريقة سوف يؤدي الى ضرب المنافسة على الأسعار مع البلاستيك التقليدي. ولما كانت مسألة النباتات المهندسة وراثيا تثير كثيرا من الشكوك حولها من الناحية الصحية فيما يتعلق بالتغذي عليها بشكل مباشر فإنه يمكن اختيار نباتات لا يستخدمها الانسان. واعتمادا على معرفتنا بطريقة التخليق الإنزيمي لعديد بيتا هيدروكسي حمض البيوتيريك بواسطة الخلايا البكتيرية فإنه يمكن نقل الجينات المسئولة عن التخليق الى أحد النباتات وخصوصا الزيتية منها. وقد اتضح من خلال دراسة هذه العملية في البكتريا الدور الذي تقوم به نوعية الأحماض الدهنية التي تنتجها هذه البكتيريا والذي له كبير الأثر في تحديد تركيب عديد بيتا هيدروكسي حمض البيوتيريك مما يشكل شرطا آخر يجب ان يتوفر في النباتات الزيتية كمنتجات للبوليمرات الحيوية الجديدة. والشروط المشار اليها سابقا تتوفر في نباتات منها الخروع الذي ينتج زيتا لا يستخدم في الطعام.
وتقدر انتاجية النباتات الزيتية بحوالي 5.2 طن للهكتار الواحد (1000 متر مربع) سنويا. فاذا افترضنا هندسة الجينات بشكل معين في هذه النباتات فإن إمكانية الحصول على بوليمرات حيوية بقيمة مماثلة لكمية الزيت المنتجة بواسطة النباتات قبل التعديل تصير أمراً واردا، وفي هذه الحالة فإن اقتصاديات العملية تصبح معقولة لان تكاليف انتاج كيلوجرام واحد من البوليمرات الحيوية الزراعية بهذه الطريقة من زراعة هكتار واحد يمكن ان يتراوح بين 1 2 مارك ألماني وهي قيمة تنافس مثيلتها من البلاستيك التقليدي.
ولعل الوعي البيئي لدى المواطنين هو اهم حافز يمكن ان يدفع بتقدم الأبحاث العلمية في اتجاه الحصول على البلاستيك القابل للتحلل الميكروبي وعلى مدى استخدامه مستقبلا ذلك لأنه لو عرفنا ان ثلث إجمالي المخلفات التي لا تقبل التحلل بواسطة الميكروبات يأتي من الاستعمالات المنزلية في شكل عبوات المنتجات الغذائية أو المنظفات أو مستحضرات التجميل وكل هذه المواد لا تتعدى فترة استخدامها السنة الواحدة. ومن هنا تأتي أهمية السعى وراء استبدال البلاستيك التقليدي بذلك الذي يسهل تحلله ميكروبيا وإلا سوف يتزايد تراكم هذه المواد في البيئة بشكل غير مقبول. وفي هذه الحالة الاخيرة سيكون أحد أمرين لا ثالث لهما فإما إعادة تصنيع واستخدام هذا البلاستيك، الأمر الذي مازال باهظ التكاليف ويناسب فقط أنواعا معينة من البلاستيك، أو بالحل الثاني وهو إحراق هذه المخلفات وهو الأمر الذي لا يخفى ضرره على البيئة وصحة الانسان على ان ذلك ليس من الأمور السهلة من الناحية التكنولوجية. ونسوق في هذا المجال مثالا لما حدث في سويسرا وهي من البلاد التي تتخلص من المخلفات البلاستيكية بإحراقها في محطات مجهزة لهذا الغرض، حيث سبب ارتفاع نسبة البلاستيك في المخلفات إلى انطلاق قدر مضاعف من الطاقة الحرارية لم يكن متوقعا مما اعاق إمكانية إحراق ربع إجمالي المخلفات السنوية.
ولكل ما سبق فإن الطريقة المثالية الوحيدة للتخلص من البلاستيك هي جعله قابلاً للتحلل الميكروبي وحينئذ سوف يمكن تدويره والاستفادة به في انتاج غاز الاستصباح أو أسمدة عضوية وهذا الشكل يكون مرضيا من الناحية الاقتصادية وآمنا من الناحية البيئية. وما زال العلم يواصل سعيه الحثيث نحو تحقيق أحلام التمكن من السيطرة على تلال البلاستيك التي تتهدد كوكبنا وحياتنا.
د. أحمد الشاهد
|
|
|
|
|