| تحقيقات
* تحقيق فهد فرحان الديدب:
مع دخول الطلاب في هذه الايام الاختبارات الفصلية وما يرافقها من شحن واستنفار في كل البيوت الحريصة على تهيئة الجو الصحي والمناسب للطلاب.. لتأدية الاختبارات بيسر وسهولة والطلاب في الامتحانات اصناف واشكال.. فهناك المجتهدون والمثابرون الذين ينتظرون الامتحانات بفارغ الصبر لجني الثمار والتميُّز وهناك الكسالى والمسوفون والذين يدخلون في سباق محموم مع الزمن لتدارك ما يمكن إدراكه وعلى أمل تحقيق الحد الادنى من النجاح.. أما الفئة الاشد خطرا والتي بدأت تظهر في الفصول الدراسية فهي المستخدمة لبعض الوسائل غير المشروعة والمحرمة لجني المزيد من الفشل والاحباط وربما الموت.. وذلك باستخدام حبوب الكبتاجون المخدرة على أمل ان تحقق لهم تلك المزاعم المضحكة والمبكية في تقوية الذاكرة واستيعاب المنهاج والمقرر في ليلة واحدة.. ومن ثم النجاح والذي ابعد ما يكونون عن تحقيقه.. والغريب انه بالرغم من كل هذه الاضرار الحتمية والاكيدة والمخاطر الكبيرة لهذه الحبوب إلا ان البعض مصر وبشدة على معانقة الفشل والرسوب بكل جدارة..
فما الذي يجعل شابا في عمر الزهور يقبل على مثل هذه الحبوب المدمرة لصحته والمسببة للجنون على المدى البعيد. وما الذي يجعله يهين كرامته ويحطم مستقبله.. ويرتكب هذا الجرم في حق نفسه وعائلته ومجتمعه.. بتعاطي تلك الحبوب المحرمة والمهلكة للصحة والمتلفة للمال.. قال تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة).
الجزيرة اتجهت للميدان ورصدت لكم احداث هذا التحقيق:
كسل وخداع
في بداية التحقيق تحدث ثامر السهلي (طالب ثانوي) وقال اكثر ما يدفع هؤلاء الطلاب لتعاطي مثل هذه الحبوب هو الاهمال والكسل وقلة الوعي فعندما يقترب موعد الامتحان يقع بعض الطلاب فريسة في شباك المروجين لمثل هذه الحبوب.. معتقدين أنها ستحقق لهم الدرجات العالية وتمكنهم من تعويض الاهمال على مدار العام وهذا شيء مستحيل.. فبالرغم من جهلي بهذه الحبوب إلا ان ما يقوله المروجون خارج عن حدود المعقول ولا يصدقه عاقل.
ويوافقه الطالب صالح الفايز بقوله لقد سمعت عن هذه الحبوب من بعض الطلاب والذين يزعمون بفاعليتها ومساعدتها للطلاب في الامتحانات ولكنني ولله الحمد بعيد جدا عنها ولا يمكن ان افكر في يوم من الايام في تعاطيها.. فلو كانت مفيدة لما منعت من الاساس ولكنها حجج واهية يروجها بعض الطلاب المنحرفين ويريدوننا ان نشاركهم رسوبهم وادمانهم وتعاستهم.
وتناول سعود فاضل (طالب جامعي) أسباب رواج هذه الحبوب بين الطلاب حيث قال من خلال احتكاكي مع شريحة واسعة من الطلاب خلال المراحل الدراسية المختلفة فقد كونت فكرة عن هؤلاء الطلاب المتعاطين للحبوب فالقلة منهم قد أتوا خطأ للفصول الدراسية فآخر ما يفكرون فيه الدراسة والنجاح والمستقبل الجيد.. والغالبية مغرر بهم ووقعوا فريسة الادعاءات ومزاعم المروجين للادمان والجنون.. فعندما تقترب ساعة الصفر وتكون الامتحانات على الابواب تنشط الفئة الاولى القليلة وتروج لهذه الحبوب والتحدث عن فاعليتها في ترسيخ الدروس في الذاكرة وتحصيل اكبر قدر من المعلومات في ليلة الامتحان.. وتقدم هذه المعلومات الزائفة والخبيثة للفئة الثانية غير الواعية والتي قد تقع في المصيدة وتكون الفاجعة رسوباً وادماناً..
محاربة المحتالين
وشدد تركي الصالح (طالب جامعي) على ضرورة عزل هؤلاء المروجين الذين يحملون الحقائب المدرسية كستار يخفون به حقيقتهم..وطردهم خارج اسوار المدارس لان وجودهم خطر محدق.. واضاف بقوله اعتقد ان عملية معرفتهم سهلة جدا ولا تحتاج لاي مجهود خارق.. فهناك علامات كثيرة تفضحهم.. فلا يوجد عندهم ادنى اهتمام بالدراسة ومهملون وكسالى ونائمون ومحطمون وغالبا ما يكونون ايضا متقلبي المزاج.. وفي غياب مستمر عن المدرسة حتى تأتي اوقات الامتحانات ليبيعوا.. السموم على الابرياء قليلي الوعي.
واورد احمد سلمان قصة احد اصدقائه الذي وقع ضحية الغش والخداع.. الذي يمارسه المروجون.. حيث قال كان زميلي متفوقاً جداً في جميع المواد الدراسية ولكنه دائما متردد ومتخوف من الاسئلة قبيل الامتحانات وذات يوم وقع في الفخ وتناول حبة واحدة قلبت كل موازينه.. وكادت ان تقضي على آماله وطموحاته في التفوق.. لولا عناية الله عز وجل.. ثم حكمة والده الذي اخذ بيده بعد الاعياء الشديد والسهر المتواصل لاكثر من يومين.. واضاف قائلا دائما ما يقول لي صديقي.. لقد انقذني الله سبحانه تعالى.. بأن سخَّر لي ابا متفهما وحكيما.. عالج هذه المشكلة بكل هدوء.. والا كان من الممكن.. ان اكون مدمنا.. بلا طموح.. وعلى هامش الحياة.
من التجربة للترويج
ومن عالم الادمان والضياع تحدث المدمن (ع. م. ش) والذي ادخل لمستشفى الامل من اجل العلاج والعودة الى الحياة حيث قال في اعترافاته.. خلال دراستي الثانوية وفي الصف الاول كنت أعاني من قسوة والدي مع ان تلك القسوة كانت لمصلحتي ومع تزايد حرص والدي وعنادي.. انفلت زمام الامر من يد والدي بل انفلت زمام الامر من يدي واصبحت في ايدي رفقاء السوء من ضحايا ذلك الوباء الذين سبقوني بمعرفته.. حيث كنت اجتمع بهم في بداية الامر من اجل المذاكرة والاستعداد للاختبارات.. الى ان اقترح عليّ احدهم تناول حبة من حبوب الكبتاجون وكان لها تأثير مؤقت سرعان ما يزول ويحدث ارباكا للمخ يخرج من خلاله الانسان الى عالم آخر حلوا كان او مرا ويقلب موازين الفكر الى ان يتمادى الشخص وتزيد رغبته في مادة معادلة لتلك المادة من المهدئات لكي ينسى تلك الهموم والمآسي التي يثيرها تناول المنشط.. ويضيف بقوله: ما ان يتناول المتعاطي تلك المادة المخدرة وعلى طريقة (انسى وخش جو ثاني) الا ويصاب بقساوة في قلبه تثنيه عن جميع اهتماماته الدينية والدنيوية.. فقد كنت اتناولها ولم اعلم انني اسقط نحو الحضيض.. بالتدريج.. وتزداد الامورتعقيدا لاقع في بلاء اعظم فأتناول المادة المستخلصة من نبتة الخشخاش (الحشيش) فبواسطتها هربت من الواقع الى الخيال لانسى نفسي واتناسى في غمرة النسيان مستقبلي وحياتي وواقعاً مشبعاً بالالم. بعدها قبلت فكرة الترويج بلا تردد وبطريقة سريعة وقد ساعدني الاغراء المادي في تقبل الفكرة ليزداد جرحي.. ببيع الموت والجنون والهلوسة.. لعباد الله بعدها كبرت خطواتي للسقوط في مغبة الهاوية بسبب السرعة التي وجدتها في الكسب المادي وكان دائما صعودي الى اسفل حتى لو كسبت الملايين.. الى ان اراد الله ووقعنا في ايدي رجال مكافحة المخدرات لادخل السجن لاول مرة في حياتي واسقط من اعين جميع الناس لان مجتمعنا قلما يغفر الخطأ ويضيف لقد امضيت مدة السجن (سنتين) وخرجت بعدها مرة اخرى لاتجرع نظرات المجتمع ونبذ الاهل والاقارب ولم اعد ازن لديهم اي شيء. كل ذلك دفعني للسفر للخارج لأبدأ عملاً آخر عرفته وتعلمته من خلال وجودي في السجن وهناك تعرفت على ما هو اشد فتكا وخطرا الهروين.. وقد لا يصدق القارىء ان الضحية الاولى لي هي والدتي فقد عذبتها أيما عذاب واحتلت عليها وأخذت كل ما كان بحوزتها من اموال وتسببت في انفصالها عن والدي.. واذقتها كل آلام الدنيا.. (يبكي) ثم يواصل استمررت في الخارج والمصائب تقع في الداخل على أمي.. حتى باتت مادة الهروين روحي وغايتي فبدونها لست الا كأتفه حيوان وقد يكون للحيوان قيمة أما انا فلم يعد لي اي قيمة.. وبعد مدة عدت من تلك البلاد على اكتاف زملاء العلة.. موبوء.. مكروه.. منبوذ.. عاطل.. تعجز الطرقات والارصفة بل حتى اماكن تجمع النفايات ان تتحمل سيري او إيمائي.
وأخيرا وبعد ان جنيت على نفسي وعلى امي.. ذهبت الى مكافحة المخدرات لأبوح لهم بمعلومات هم في غنى عنها لان محياي يدل علي ويترجم واقعي الأليم.. بعدها ادخلت مستشفى الامل وقد لقيت به كل اهتمام وعانقت الامل من جديد ولكني الى الآن ابحث عن المهم وهو عودة المياه الى مجاريها بيني وبين اهلي فبعد سنوات السجن والعذاب تغيّرت نظرتي للحياة فهل يقبلني اهلي ومجتمعي؟ ويختم حديثه بقوله هل من معتبر فكل هذه المعاناة بدأت بحبة كبتاجون كنت اعتقد انها ستساعدني على المذاكرة.. ولكنها خذلتني وجعلتني اسفل السافلين..
بدأ بالتدخين مقلداً
ومن داخل احد مستشفيات الأمل.. شاهدنا احد الاشخاص منعزلا في ركن بعيدا عن المارة شارد الذهن تبدو عليه علامات الاسى والحزن وعند الحديث معه بكى بكاء شديدا وهو يقول: لقد حطمت حياتي بيدي وسببت الألم لكل من يحبني ويتمنى لي الخير.. وبعد هدوئه قال (م. س) 17 عاما عندما بلغت الثامنة من عمري بدأت بالتعرف على بعض الزملاء من المدرسة المتوسطة المجاورة لمدرستنا الابتدائية وبدأت بالذهاب اليهم وتقليدهم بالتدخين معتقدا ان ذلك منتهى الرجولة واستمررت بمخالطتهم حتى بلغ عمري الثانية عشرة ولكنني لم اكتف بالسجائر بل اصبحت اتعاطى حبوب الكبتاجون بشراهة في ايام الامتحانات متوهما بمساهمتها في نجاحي ولكن كانت كل نتائجي سلبية ودائم الرسوب.. وعندما دخلت المرحلة المتوسطة بدأت بتكوين شلة من الزملاء وبدأنا بالسهر خارج المنزل الى الفجر وكان تحصيلي العلمي ضعيفا جدا.. بعدها نقلني والدي الى احدى المدارس الخاصة متمنيا ان يتحسن مستواي ولكن.. كان العكس تماما.. فقد اصبحت عنصرا سيئا حيث جذبت الكثير من الطلاب الى طريقي الشائك.. وذلك بتوزيع الحبوب داخل المدرسة ومع الايام.. اصبحت اتعاطى ما هو اشد خطرا غير ان احد الطلاب قد افشى بسري للمرشد الطلابي الذي قام بدوره بطلبي وتفتيش حقيبتي ووجد لفافة ورقية وسألني عما فيها.. وأخبرته بعد كثير من الاسئلة بأنها بودرة هروين والتي ادمنت عليها مؤخرا.. فذهل وجن جنونه واستدعى والدي في المدرسة واخبره.. ولم يتحمل ابي هذا الخبر.. واجهش بالبكاء.. في منظر لا انساه ما حييت واخذني الى المنزل دون ان يكلمني وامر بعدم ذهابي للمدرسة حتى لا افسد بقية الطلاب.. بعدها قررت على الفور الذهاب الى مستشفى الامل.. وعولجت والآن قد قاربت على الخروج من واقعي المزري.. وصدقني كل يوم ابكي على ثماني سنوات من الضياع مرت من عمري دون فائدة.. بل مرت عليّ بخسران شديد وليت هذا الخسران لي وحدي فقد حمّلته معي كل افراد عائلتي.. وختم حديثه بقوله.. المهم عندي ان يتعظ الجميع بما قلته فطريق المخدرات شائك ومدمر.. يبدأ بحبة كبتاجون وينتهي بالموت، إلا من رحم الله!!.
الراعي والتربية
وعن اسباب تعاطي وإدمان المخدرات.. اكد الاخصائي الاجتماعي فهد علي الطيار في مستشفى الامل.. ان من اهم اسباب تعاطي الشباب للمخدرات.. الاضطرابات الأسرية وبعد الأب عن مسؤولياته التربوية بالوفاة او بسوء اسلوبه ومنهجه في التربية. وأضاف أن مما يدفع الشباب ايضا لتعاطي المخدرات الفشل في الحياة وعدم الثقة بالنفس والعزلة وعدم وجود الانيس الى جانب عدم وجود الروابط الاجتماعية القوية المتنوعة وايضا وسائل الاعلام فان لها دورا خطيرا في الترويج للمخدرات بصورة غير مباشرة وذلك بالتقليد الاعمى لما يشاهدونه ومن يتخذنهم من مثل عليا ممن يسمون بالفنانين سواء كانوا في العالم الغربي او في عالمنا العربي وما يشيعونه من تقليعات يقلدها الشباب ولا بد من القول: بأن ما تقدم من الاسباب التي تدفع لتعاطي المخدرات لا تتجاوز ان تكون انحرافات فرعية لانحراف رئيسي اساسي هو السبب الاهم والاعظم في وجود كل الانحرافات الاخرى وهو: ضعف الوازع الديني في قلوب متعاطي هذه المواد وقلة صلتهم بالله عز وجل. وعن الحل لهذه المشكلة اجاب ان الحل الأمثل لهذه المشكلة ومحاربتها وحماية النشء منها يكون بالتوعية الدينية والتربية الاسلامية الصحيحة في البيت والمسجد والمدرسة.. مع التزام اجهزة الاعلام بنشر النافع مع حماية الشباب من السفر خارج البلاد حيث تنتشر المخدرات بصورة اكبر على جميع المستويات الا في اضيق الحدود.
اما البيت: فهو أهم هذه المؤسسات، وعلى الاب في هذا الجانب ان يقوم بتوعية الاولاد بخطر المخدرات وطبيعة انتشارها.. ولابد ان يحذر الأب اولاده من رفقاء السوء خاصة في المدرسة.. والمناطق المشبوهة وينبههم ألا يأخذوا شيئا من المأكول او المشروب الا من شخص موثوق معروف. اذ من الممكن وضع المخدر في الشراب او الاكل ولا بأس بمصارحة الاولاد بهذه القضية لخطورتها خاصة ان كان الأب يعيش في بلد يكثر فيه انتشار المخدرات.
وعن العلامات الدالة على متعاطي الحبوب المنبهة.. قال: هناك علامات كثيرة منها: انبعاث رائحة كريهة من الفم وتبدو الشفاه مشققة احيانا فيقوم بترطيبها باللسان مع زيادة التعرق بشكل كبير بسبب كثرة الحركة والكلام وعدم الاستقرار ويكون المتعاطي دائما قلقا ومتوترا لدرجة التشكك من الآخرين وخاصة اسرته مما يؤدي الى اثارة المزيد من المشاكل والعنف بدون سبب واتهام الآخرين بأنهم يرتكبون السحر ضده وايضا من العلامات كثرة حك الانف لجفاف الغشاء المخاطي مع اتساع حدقة العين وارتفاع ضغط الدم وزيادة ضربات القلب مع آلام في الصدر ويصاحب كل ذلك قلة الشهية للطعام وضعف الذاكرة وصعوبة التفكير والبلادة والخمول.
وفي النهاية لا بد ان نشير الى ان الاحصائيات العالمية تؤكد ان حبوب الكبتاجون تنتشر في المقام الأول بين بعض طلبة المدارس والسائقين على الطرقات الطويلة.. وقد عرف الكبتاجون بشكله وعلامته المميزة المرسومة عليه (قرص ابيض اللون.. مرسوم على احد وجهيه منحنيان متقابلان والوجه الآخر مشقوق من منتصفه واحيانا يكون لونه بني الشكل وبنفس العلامات وتطلق عليه اسماء شائعة ومتعارف عليها بين المدمنين والمروجين منها: (ابوملف، ابوداب، الابيض، دفِّني، ابومسحة).
حماقة كبرى
وعن تأثيره فقد اكد د. احمد سليم انه يفقد المتعاطي الدقة في القدرة على التقويم وإصدار الاحكام وضعف الاستجابة الحسية وتناول جرعات زائدة من هذه العقاقير يولِّد العنف والتهييج والروح العدوانية.. وبعد زوال تأثير العقار يصاب الشخص بالاكتئاب والصداع المستمر والقلق مما يضطره الى معاودة تعاطيه مرة ثانية والادمان عليه.. ولا يمكن بأي حال من الاحوال ان تكون هذه الحبوب مفيدة للطلاب في ايام الامتحانات، بل العكس تماما. والاعتقاد بأنها تساعد على التركيز وتقوية الذاكرة.. حماقة كبرى.. فلها نتائج سلبية جدا أو مدمرة.
|
|
|
|
|