| شرفات
ولو أن قراءة التقارير التي تتعلق بالتنبؤ بمستقبل الحياة على كوكب الأرض تبعث على القلق والسوداوية إلا أنها تدفع البشرية نحو النظر في أسباب الحياة ومحاولة تغيير أسلوبها بما يتفق والاقتصاد في استهلاك الثروات وترشيد استخدامها والحفاظ عليها. واحقاقا للحق فإن مثل هذه التقارير تكون مصاغة بطريقة تحذيرية مبالغ فيها ولهذا قلما تصدق بحذافيرها لحسن الحظ. ولقد دعاني لهذا القول اطلاعي على تقرير المعهد الدولي للبحوث الغذائية الأمريكي والصادر في واشنطن العام 1995م، بعنوان «رؤية مستقبلية لعام 2020م الغذاء والزراعة والبيئة».
يقول التقرير بأنه على مشارف القرن الواحد والعشرين ينتشر الفقر والجوع وسوء التغذية بشكل يتهدد استقرار الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وكذلك البيئة الطبيعة. وقد تعرض هذا التقرير لعناصر مثل الأراضي الزراعية والمياه والمصائد البحرية والتغيرات المناخية. فأما ما يخص الأراضي الزراعية فيشير التقرير الى انه في خلال الخمسين سنة الأخيرة حدث تدهور لحالة 2 مليار هكتار من مجموع 7.8 مليار هكتار كلها تنتمي إما الى الاراضي الصالحة للزراعة او الغابات او المراعي، وهي التي تعد المصدر الرئيسي للغذاء والعمالة والدخل وخصوصا في الدول النامية، وان معظم الأراضي المتدهورة تسبب عن تملح الأرض بسبب الري غير المناسب، او بسبب قلة المياه في مناطق ذات كثافة سكانية عالية مما يستنفذ خصوبة الأرض، كما تتدهور ايضا اراض في مناطق ذات أهمية بيئية مثل ما يحدث من نحر مائي في المناطق الجبلية. وثلثا الأراضي المتدهورة في العالم يوجد في قارتي أفريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية بنسبة 30، 27، 18 بالمائة على الترتيب. وأسباب فساد حالة هذه الأراضي ترجع الى التسميد المكثف واجتثاث الغابات وطرق الزراعة السيئة ومما يساعد على تفاقم آثار هذه السلبيات، عدم دقة قوانين الملكية والفقر وسوء تسويق المنتجات وتعذر استقدام تكنولوجيا زراعية حديثة. ويشير التقرير الى ما يسميه «نقاط ساخنة» في العالم بسبب ارتفاع ملوحة الأرض مثل أودية أنهار دجلة والفرات والسند، او بسبب النحر المائي في المناطق الجبلية في الهيمالايا وشرق افريقيا او بسبب اجتثاث الغابات كما يحدث في وادي الأمازون.
أما بالنسبة للمياه يذكر التقرير أنه حسب الإحصاءات المدروسة فإن مصادر مياه الشرب في العالم كافية في المستقبل القريب ولكن بشرط توزيعها توزيعا عادلا واستهلاكها بشكل سليم. والحقيقة ان توزيع المياه ليس في أي الأحوال عادلا ليس فقط عند مقارنة المناطق الجغرافية والدول بل ايضا في داخل الدولة الواحدة وفي فصول السنة المختلفة. وتشكو ثلاثون دولة من نقص المياه واغلب هذه الدول لا تملك الحد الأدنى للاحتياجات المناسبة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية وفي أحوال كثيرة يشتد التنافس على المياه لدرجة أنها تنذر باندلاع الحروب. ومن الناحية الأخرى فإن السعى للحصول على مصادر جديدة للمياه يعوقه الارتفاع المتزايد في التكلفة والتناقص المستمر في هذه الموارد. أما أمر الاقتصاد في استغلال المياه في الصناعة والزراعة فهو أمر صعب المنال ففي كل عام يفقد بسبب الري الزائد ما يقرب من 5.1 مليون هكتار من الاراضي التي تتملح او تتحول الى مستنقعات. ولم يعد الآن خافيا على أحد ما يسببه تلوث المياه الناتج عن الصرف الصحي والزراعي والصناعي من تقليل لهذه الثروة التي يعتقد انها بحلول عام 2020م سوف تصبح عملة نادرة.
أما بالنسبة للمصائد السمكية البحرية فيشير التقرير الى نضوب 25% من المصائد الرئيسية بسبب القصور في ادارتها أو عدم القدرة على تحجيم معدلات الصيد بشكل يمنع نضوبها بشكل نهائي. وعلى أية حال فعلى أحسن تقدير لن تزيد الثروة السمكية عما هي عليه الآن.
أما المتغيرات المناخية فإنه مما أصبح الآن جليا أن هناك تهديدا كوكبيا للمناخ ولكن التقرير يقول بان هذه التغيرات لن تؤثر بشكل مباشر ملموس على انتاج الغذاء في السنوات الخمس والعشرين المقبلة. ولكن لا يجب ان نتراخى في التعامل مع هذه القضية فإن مشكلة مثل ظاهرة الاحتباس الحراري، المتسبب عن تراكم غاز ثاني اكسيد الكربون وغازات التبريد في الغلاف الجوي، بالاضافة الى احتراق الغابات، سوف تحدد حجم واستمرارية التغيرات المناخية. وينتهي التقرير بتوصيات اهمها العمل على زيادة كفاءة انتقال المعلومات البيئية على مستوى العالم، والتحول من مرحلة اختبار البيئة الى مرحلة تضافر الجهود لحمايتها بدءا من أقرب حيز يحيط بالانسان فتلك بداية حل هذه المشكلة الأرضية الكبيرة.
د. أحمد الشاهد
|
|
|
|
|