منذ اللحظات الأولى من بداية القصف الأمريكي لأفغانستان كان الرئيس جورج بوش يتعهد بإخراج أعضاء القاعدة وحركة طالبان من كهوفهم.. وفي كل ملحمة جوية كان الرئيس الأمريكي يؤكد انتصارات سلاح الجو الأمريكي في هذه الحرب المجهولة، بل ان الصور الملتقطة للموقع المستهدف قبل القصف وبعده تؤكد مضاء السلاح الأمريكي ومقدرته التدميرية التي تفوق الوصف.
وبعد مضي عشرة أيام من القصف بدأ الرئيس بوش يلوح بخيارات السلام مخاطباً الملا محمد عمر زعيم حركة طالبان مؤكدا له ان القصف سوف يتوقف إذا قامت الحركة بتسليم أعضاء تنظيم القاعدة بمن فيهم زعيم هذا التنظيم أسامة بن لادن.
وطيلة حلقات الحوار المتبادل بين حركة طالبان والولايات المتحدة كانت اللهجة الجادة والتصميم المطلق من حركة طالبان بعدم تسليم ابن لادن مهما كانت الظروف ومهما بلغت التضحيات، بل ان حركة طالبان هددت مع ابن لادن على السواء بأن أرض أفغانستان سوف تكون مقبرة لجثث الأمريكيين بعد ان كانت من قبل جثث الإنجليز تقبع في سهول أفغانستان وداخل أسوار المدن الأفغانية بل ان تهديد ابن لادن أوحى للعامة ان شيئاً ما سوف يحدث فقد هدد الأمريكيين بعدم الراحة في منازلهم لأنهم ساعدوا إسرائيل وغصبوا الفلسطينيين حقهم في أرضهم، وهذه المعادلة بعيدة كل البعد عن مجريات الأحداث لأن القضية الفلسطينية ليست قضية ابن لادن أو الملا عمر فقد كان لديهما ما يكفيهما من إشكاليات تستحق العداء على الولايات المتحدة.
إن الزج بالقضية الفلسطينية رياضة سياسية لكل المتضلعين في الغباء السياسي فقد هدد صدام حسين بتسليح سبعة ملايين عراقي لفتح فلسطين وحتى أثناء غزوه للكويت كان يقايض على الانسحاب منه مقابل انسحاب إسرائيل من الأرض العربية المحتلة.
والنتيجة الآن متساوية إلى حد كبير فقد نجا صدام حسين من قصف الولايات المتحدة للعراق وبغداد بالذات بل والقصور الرئاسية بصفة خاصة التي تحول معظمها إلى ركام، وكذلك نجا ابن لادن والملا محمد عمر من قصف الولايات المتحدة لأفغانستان ومدينة كابل العاصمة وقندهار بالذات وجبال تورابورا بصفة خاصة.. وجاءت المؤشرات الاحصائية الصادقة بمقتل عشرات الألوف من العراقيين والأفغان مع التأكيد على سلامة صدام حسين وابن لادن والملا عمر.
إن تاريخ وتفاصيل حياة أسامة بن لادن منذ عام 1979م وحتى الآن تبرهن بالأدلة والبراهين على انه لن يموت بالقصف ولن يقتل برصاص طائش ولن يُتعرف عليه بين عشرات الجثث داخل كهوف تورابورا.
بدأ ابن لادن عمله في القضية الأفغانية منذ بواكير حرب الولايات المتحدة على السوفيت ووجدت نفس ابن لادن هواها في هذه القضية عندما وعدته الولايات المتحدة بدفع ألفي دولار مقابل كل مقاتل عربي يتم تهيئته وتجنيده للحرب في أفغانستان.. وبالفعل فقد رتب ابن لادن نفسه على هذا الأساس فأنشأ له معسكرات داخل أفغانستان بعد ان قام بالعمل على انهاء اي نفوذ مضاد بمساعدة رموز الحرب الافغانية أو ما يسمى بالمجاهدين، وقد جنى ابن لادن ثروة طائلة من هذه الحرب وهو السر الذي يكمن وراء ثروته العجيبة إذ لا علاقة بتركة والده في هذا الشأن.
قد يقول قائل: لماذا يرضى أسامة بن لادن بهذا العيش الضنك والحياة البشعة وهو من يملك الملايين؟ وللإجابة على هذا السؤال يمكن القول ان الملايين جاءت ثمنا لهذه الحياة، كما ان تحول ابن لادن إلى اسطورة جهادية عند العامة لا يعادله ثمن، فقد عجز الثوار وقادة الفكر من بناء اسطورة بهذا الشكل الذي روج له الإعلام الغربي والعربي على حد سواء، ولكن لماذا خرجنا عن موضوعنا الأصلي وعن السؤال الذي تم طرحه في أول سطر.. اسامة بن لادن في الولايات المتحدة أم إسرائيل!..
بعد كل هذه المغالطات والتناقضات في حياة هذا الرجل اين يمكن ان يكون؟
الشيء المؤكد ان ابن لادن لم تقتله الولايات المتحدة بعد، اما موته نتيجة مرض او حادث عرضي والأعمار بيد الله إذ ربما يكون قد توفي، بالنسبة للأمريكيين فهم لا يريدون موته في الوقت الحاضر، لذا كان لابد من المحافظة على ابن لادن حيا ولعل ترحيله عبر مطارات الدول النامية أمر ممكن ليصل سالما آمنا إلى إسرائيل الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة في الشرق العربي ولن تنسى الولايات المتحدة مواقف اليهود في الكثير من الأزمات التي تتطلب عملا استخباريا لذا وجد الأمريكيون في اليهود الحليف الحقيقي الذي اكتسب خبرة فائقة في التعامل مع شعوب المنطقة وتصرفاتها.. ربما يبقى ابن لادن في إسرائيل بعض الوقت ليتجه بعد عدة أشهر إلى باكستان لاذكاء صراع جديد يؤدي في النهاية إلى تقويض موقع آخر والى تأكيد إستراتيجية البقاء للأقوى حيث ستظل الولايات المتحدة محتفظة بسيادة الكون السياسي على مدى الخمسين عاما القادمة.
|