«المعاملة بالمثل» قاعدة سياسية من القواعد المعمول بها في القوانين الإسلامية، والدارسون لعلم «السياسة الشرعية» يبحثون في هذه القاعدة باستفاضة عند الحديث عن علاقة الدولة الإسلامية بغيرها، وهي قاعدة أخذ بها الفقهاء والولاة عبر تاريخنا الإسلامي.
لقد تحدث العلماء والفقهاء المختصون في علم «السياسة الشرعية» عن الإجراءات الأمنية التي وردت في كلمات الأمير أحمد بن عبدالعزيز وقالوا إن تطبيق إجراءات أمنية إضافية هي صورة من صور قاعدة «المعاملة بالمثل».
«فإذا قامت دولة بينها وبين الدولة الإسلامية عهد بإضافة إجراءات أمنية غير معتادة مع رعايا الدولة الإسلامية فللدولة الإسلامية أن تعامل رعايا تلك الدولة بالأسلوب ذاته، فإذا ما عادت تلك الدولة إلى الأساليب المعتادة عادت الدولة الإسلامية إلى ما كانت عليه».
واليوم تتجلى هذه القاعدة في كلمات سمو الأمير أحمد بن عبدالعزيز عندما تحدث عن معاملة رعايا الولايات المتحدة بالمثل إذ فرضت حكومتهم على المواطنين السعوديين «نظام البصمة» وهو إجراء أمني أزعج سفارة المملكة في واشنطن. قال الأمير في رده على سؤال لجريدة الجزيرة نشرته في عددها رقم 11071 الصادر بتاريخ 17 ذي القعدة الجاري ما نصه: «لكل دولة أسلوبها في التعامل فيما يخصها وشؤونها.. وبطبيعة الحال قاعدة المعاملة بالمثل هي دائماً السائدة في التعامل بين الدول في هذا المجال». تلك كلمات مختصرة وموجزة لكنها غنية بالمعاني والدلالات لمن تأملها.
فهي أولاً مقصد من مقاصد الشريعة الاسلامية التي تحدث عنها العلماء في «السِّير» التي تبحث في الأحكام والمسائل التي تبين طرق تعامل الدولة الإسلامية مع غيرها من الدول والجماعات والأفراد من غير المسلمين داخل الدولة الاسلامية وخارجها. ومعنى أن تعامل المملكة المواطنين الأمريكيين بالمثل هو تحقيق لهذا المقصد.
وثانياً: في تمثل هذه القاعدة الشرعية وتطبيقها تأكيد على أن الدولة تستقي سياستها الداخلية والخارجية من مقاصد الشريعة التي تعود بالمنفعة على الأمة بأسرها في وقت لا تزال كثير من الدول العربية والإسلامية تستند إلى القوانين الدولية في تعاملها مع الآخر.
ثالثاً: إن «المعاملة بالمثل» صورة من صور السيادة، إذ لا يتصور أن تكون سيادة الدولة (الحسية والمعنوية) كاملة وهي عاجزة عن تطبيق هذه القاعدة ويتأكد هذا المعنى اذا كانت المعاملة بالمثل تطبق على رعايا دولة ذات قوة ونفوذ كبيرين.
رابعاً: في خضم هذه الأحداث التي تزلزل الأقدام، وتمتحن العقول، وترهب الأصدقاء، وتشكك في القيم والمبادىء تتجلى صور الثبات على المنهج القويم، في مثل هذه المواقف السياسية والأمنية التي تصدر من عقيدة مستهدفة ودين محارب، وحق مخذول.
ان هذا الموقف وغيره كثير صورة من صور الشموخ في زمن انحنت فيه الرؤوس، وملمح من ملامح السمو والعزة في وقت هز الانكسار الأرواح وتغلغلت
الهزيمة في النفوس والأعماق.
* أستاذ الإعلام السياسي المشارك بجامعة الإمام
|