هل صحيح أنناعجزنا عن تبرئة الإسلام وتبرئة أنفسنا من تهمة الإرهاب؟ وهل صحيح أننا لم نجد إعداد لغة خطابنا العربي وعرض قضيتنا العادلة على الغرب؟ وهل صحيح أن صوتنا وصورتنا لم تصل إلى الغرب؟
من يستعرض الأحداث جيداً على الساحة الدولية لابد أن يشعر بأنه قد أصيب بالفصام، يجد صوراً حية أبلغ من أي كلام تتناقلها وكالات الأنباء عبر الفضائيات وإلى العالم من الأراضي العربية المحتلة، والمسؤولون في الغرب بشكل خاص يشاهدون ويدركون أموراً أكثر مما تتناقله وسائل إعلامنا العربي والقنوات الفضائية العربية، وهي أكثر بشاعة واستفزازاً مما نرى ونقرأ ونسمع، وأكبر دليل على ذلك، ما حدث في أفغانستان وحظي بتكتم إعلامي جيد إلى حد الامتياز، لكن المسؤولين في الغرب، وفي أمريكا تحديدا كانوا يشاهدون ذلك جيداً ويحسبون أعداد الآلاف من الضحايا المسلمين المدنيين والأبرياء الذين قُتلوا نتيجة محو قرى بكاملها باليورانيوم المخصب، وبغيرها من الأسلحة المحرمة دولياً والتي تعلن أمريكا في الوقت الحاضر حربها على من يمتلكها، فهل هناك من أساء استخدام الأسلحة المحرمة دولياً أكثر مما فعلت أمريكا؟ إن تاريخها حافل بذلك، منذ أمد بعيد منذ ضرب هيروشيما ونجازاكي بالقنابل النووية، وفي الماضي القريب في حرب الخليج وفي أفغانستان، وفي الحاضر كما بات معلوماً ومعلناً للجميع، المخزون الهائل من اليورانيوم المخصب في قاعدة العديد القطرية الذي تعده أمريكا لحربها القادمة ضد العراق، غير آبهة بالأضرار التي ستلحق بشعوب المنطقة والتي من أخطرها ارتفاع نسبة الاصابة بالسرطان نتيجة الاشعاع وخاصة أن منطقتنا تتميز بالصحاري والرمال التي تعتبر موصلاً جيداً للإشعاعات كما هو معلوم للجميع، إن أمريكا تمارس أعتى صور ارهاب القوى على الشعوب وتدعم شريكتها إسرائيل في الأراضي المحتلة باستخدام منطق ارهاب القوى نفسه على الفلسطينيين وباستخدام الأسلحة المحرمة دولياً واليورانيوم المخصب تحديداً، وإن كانت هي باتت بالفعل الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وهي التي خرجت من منظمة حقوق الانسان ومكافحة المخدرات منذ أكثر من عام، لتجاوزاتها، فأي عالم نعيش فيه الآن والكل بات رهينة للسياسة الأميريكية، وشعارها المعلن لمحاربة الارهاب المزعوم «من ليس معنا.. فهو ضدنا» دون أي خيار آخر.. فأي أنواع الديمقراطيات تمارس أمريكا على العالم.
ولنستعرض بعضاً من النماذج والأمثلة الحية للغربيين أنفسهم الذين دافعوا عن الإسلام وقضايا المسلمين العادلة وهم داخل بلادهم ومجتمعاتهم أو خارجها وأوصلوا صوتهم جيداً لمجتمعاتهم ولمسئوليهم في الغرب إلى حد.. تعريضهم للسجن والنفي وتجريدهم من مناصبهم ومعاقبتهم.
ولنبدأ بالمفكر والفليسوف الفرنسي الكبير روجيه جارودي الذي حوله اعتناقه للإسلام من شيوعي متطرف إلى مسلم عاشق للإسلام ولكتاب الله القرآن الكريم مدافعاً عن كل ما هو مسلم مؤمنا بكل قضايا المسلمين غيوراً على مصالحهم معادياً لكل ما هو صهيوني ولكن هذا كلف جارودي غالياً، كلفه سنوات وهو يحاكم في المحاكم الفرنسية وصدر العديد من الأحكام القضائية بحقه وتوجيه العديد من التهم له، لكن شيئاً من هذا لم يكن ليثنيه عن دوره في محاربة أعداء الإسلام وكشف مؤامراتهم في كل ما كان يكتبه، وشيء من هذا لم يكن ليرجعه عن الإسلام الذي اعتنقه بكل قوة وإيمان حتى عاش منفياً خارج فرنسا إلى أن توفي منذ عامين متغرباً عن وطنه فرنسا لكن ليس متغرباً عن أمته الإسلامية التي أصبح ينتمي إليها بقوة.
والشاعر الأيرلندي الشهير، توم بولين، الذي تلقى مؤخراً رسالة من جامعة هارفرد العريقة بأمريكا تبلغه بإلغاء دعوة كانت موجهة منها إليه في وقت سابق لإلقاء محاضرة بها وإلقاء مجموعة من أشهر قصائده بسبب ضغط الجماعات الصهيونية بأمريكا واحتجاجها على الشاعر لانتقاده للممارسات التي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين العزل ونشره عدة قصائد ومقالات في جريدة «الأوبزرفرالبريطانية» تشبه الجنود الإسرائيليين بالنازيين ويتهم أي شخص يدعم دولة إسرائيل بالصهيوني، فاتهموه بالتهمة الشهيرة الجاهزة (معاداة السامية). وماذا عن الشكوى التي نُشرت في رسالة مفتوحة للرئيس الفرنسي جاك شيراك ورئيس الوزراء ليونيل جوسبان ووزير الخارجية هوبير فيدرين عبر صحيفة لوفيجارو الفرنسية التي تصدر من باريس والموقعة من خمس شخصيات من المسؤولين الفرنسيين، يطالبون باتخاذ اجراءات صارمة ورادعة، ضد المسئولين في قنصلية فرنسا بالقدس لارتكابهم تجاوزات خطيرة تتعدى حدود مناصبهم وتتهمهم بالانحياز، لنشرهم ثلاث مقالات وردت في صحيفة القدس بتاريخ 4 ديسمبر 2000م التي تصدر عن القنصلية الفرنسية في القدس باللغتين الفرنسية والعربية.
و(المقال الأول) موضوع الشكوى، يحمل عنوان (الأطفال الذين لا يتحدث عنهم أحد) والموقعون على الشكوى يعتبرون هذا تحيزاً وتعاطفاً مع الفلسطينيين وأنه من الأجدر التحدث عن أطفال إسرائيل، فلا يجب أن يكون هناك أي تعاطف مع اطفال عزل يصدون نيران الرشاشات الإسرائيلية بصدورهم والأسلحة المحرمة دولياً تقضي عليهم.
و(المقال الثاني) مقال تاريخي يتحدث عن المفتي الأسبق لفلسطين الحاج أمين الحسيني ويصفه بالقائد الوطني والقومي الكبير ويتحدث عن ما قدمه لشعبه وللقضية الفلسطينية، ولكن الموقعين عن الشكوى يعترضون على ذلك بشدة ويتهمونه بالنازية وبأنه من أكبر حلفاء هتلر لكرهه الشديد للصهاينة.
و(المقال الثالث) يضع جملة (القدس.. عبر إسرائيل) ضمن عنوان المقال ويرى الموقعون على الشكوى أن وضع الجملة على هذا النحو يضع القدس خارج دولة إسرائيل، وأنه يبلغ العرب صراحة أن فرنسا تقف مع المطالب الفلسطينية في القدس، معتبرين ذلك أمراً بالغ الخطورة إلى حد المساس بكرامة فرنسا.
إنه تحذير لكل من تراوده نفسه للتعاطف مع هذه القضية العادلة ومع الأطفال والمدنيين والأبرياء، من هذا الشعب، وخاصة من يشاهد عن كثب الواقع المؤلم والمرير في الأراضي المحتلة.
- وماذا عن الصحافي والكاتب الكبير جون بلجر الأمريكي الجنسية واليهودي الأصل، الذي حولته ممارسات الكيان الصهيوني ودولة إسرائيل.. إلى أكبر أعدائها، والذي قامت ضده حملة قوية منظمة من اللوبي الاسرائيلي تتهمه بالتزييف والكذب، لتسجيله فيلما وثائقياً يفضح ممارسات الكيان الصهيوني داخل الأراضي العربية المحتلة بعنوان (فلسطين ما تزال القضية 2) وكافح لعرضه أمام العالم حتى تم عرضه في سبتمبر الماضي في قناة التلفزيون البريطاني المستقلة (ITV) إلى جانب مقالاته العديدة في الصحف البريطانية والأمريكية التي تفضح الكيان الصهيوني،وهذا ليس العمل الوثائقي الأول له فلقد قام منذ عشرين سنة بعمل فيلم وثائقي عن فلسطين والممارسات الصهيونية كان يحمل نفس العنوان (فلسطين ما تزال القضية 1) ويقول جون بلجر في تصريحاته الأخيرة في الصحافة، إن أمريكا فيما يتعلق بالضحايا، تعتبر الاسرائيليين ضحايا جديرين والفلسطينيين ضحايا غير جديرين.
وماذا عن فريق تقصي الحقائق وحقوق الانسان الذي شاهد مذابح جنين ونابلس، الذي اعترضت عليه إسرائيل وطردته، فهل المجرم يختار من يحاكمه والعقوبة التي يستحق؟ فإن كانت هذه مجرد نماذج وأمثلة لما تعرض له البعض من الغربيين، فما هو مصير غيرهم من العرب والمسلمين؟.. لن يكونوا أوفر حظاً بالطبع، بل سيوصمون بمعاداة السامية وهم الوحيدون غير المشكوك في ساميتهم، وسيوصمون بالارهاب وهم أصحاب أكثر قضية عادلة في الساحة الدولية.. لأن (الصهيونية المسيحية) التي اتحدت منذ زمن قد عرفت الارهاب جيداً لأمريكا وللعالم بأنه مسلم الهوية والانتماء.
فاكس: 6066701-02 ص.ب:4584/جدة: 21421
|