من قال ان السلام هكذا، وان الثقافة هكذا، وان ثقافة السلام ينبغي ان تكون هكذا؟!
ولماذا الحكاية حكايتنا نحن فقط تبدأ هكذا، وينبغي لها ان تنتهي هكذا؟!
وهل اصبح لزاما علينا ان يكون الانحطاط والجهل والتجهيل، والتفاهة والتتفيه، والقاع، وفئران القاع التي تقضم جذور اشجار ثقافتنا الوارفة، والعفن والسوس الذي ينخر رفوف مكتباتنا وكتبنا والرطوبة وثاني اكسيد الكربون الذي يخنق الصدور النظيفة .. العقول النظيفة والنماذج البديلة الهزيلة للنماذج الطويلة الاصيلة الفارعة.. ان يكون كل ذلك، وماهو ادنى من ذلك مرادفاً لثقافة السلام؟!
حتى أصبح لثقافة السلام اعلام لا يشبهون حمامة السلام، ولا غصن الزيتون، ويمشون مشية الغراب، منهم المنظرون، والكتاب، والشعراء، والنقاد، نعم نقاد السلام، تعرفهم بسيماهم، وبزاتهم الفاقعة الألوان، ومثلهم فنانون، وصحفيون، وراقصات، وراقصون، وممثلات وممثلون، بباروكات مضحكة، وسوالف مربكة، «وسواليف» مخجلة لاهم لهم سوى ملء الجيوب والبطون، والضحك على الذقون، وهز كل ما يقبل ولا يقبل الهز، والحصول على التذاكر المجانية، والاقامة على حساب متعهدين لا يعرفونهم، للترويج للسلام، والترويح عن اهل السلام في العواصم والمدن السياحية، واولها بطبيعة الحال عاصمة العدو، في مرافئه، وملاهيه.
وبات من شروط حضور السلام غياب العقل، والقيم، والاخلاق، والفضيلة، والانفة والعزة، والكرامة، والمثل العليا، وغياب الجمال والجلال والخصال، خصال العروبة خصال الرجال واخوان الرجال.
ولعلك سائل نفسك من الذي فرض هذه الشروط المريضة، الصور المريضة، واية عقلية باهرة استلهمتها وزينتها في نفوس وعيون الناس حتى أصبحت وكأنها واقع لا مفر منه؟
وحتى أصبحت القيم العربية الأصيلة، على ألسنتهم، وفي صفو تفكيرهم، وفي افتتاحياتهم، وعلى شاشاتهم جريمة بل خيانة وتخلفاً، وأصبح مجرد التلفظ بها انتهاكاً لحقوق الانسان، وشروط التقدم والرفعة، واللحاق بركب الحضارة، والأمم المتحضرة: ولربما ارتأى كبيرهم انها سبب لمنع خيرات صندوق النقد الدولي.
كل ذلك والعدو يرتع في سلامه: سلام القوة والمهابة والابداع في صفح العرب وركلهم، ثم ابادتهم.
انه سلام الابداع بشروطه، لا سلام الاستسلام بشروطنا التي امليناها على انفسنا، دونما مسوغ او مبرر، واحد ابرز عناوينها تعطيل الابداع، والقيم الابداعية العالية، واستبدالها بما يليق بالمهانة والنقص من فن هابط رخيص، وشعر لا شعر فيه، ورواية بلا ابطال، بلا تاريخ وبالضرورة بلا جغرافيا، بلا امكنة.. ابطال بلا اهداف، عزم، او طموح.. وفي النهاية بلا اخلاق.
انها ثقافة مريضة ليست لنا، فرضت علينا. انها ثقافة وذاكرة اجساد مهترئة مدمرة خائبة لا ثقافة امة عظيمة لها انكساراتها، وانتصاراتها كبقية الأمم الجديرة بالحياة.
ونحن اذا ما احسنا الظن بأنفسنا، وبمرايانا، فإننا لا يمكن ان نشك ولو لثانية واحدة، بسوء النوايا المرافق للأيدي الخفية، او الظاهرة الساعية الى تتفيه كل شيء، والحط من قيمة كل شيء، ووضع اللاشيء مثالا، وهدر الوقت مثالاً، والرقص والراقصات مثالاً، ويوري مرقدي مثالاً، وافلام المقاولات مثالا ًعلى طموح الشباب، وطموح الامة، وقبل كل ذلك وبعده الفكر الرخيص، والادب الرخيص، الرواية المنحطة والشعر الرديء، والهلام، والبالونات الملونة.
| 
