يا عميد الأدب المذهل والكتابة الباهرة يا جار الله بن يوسف الحميد: كُن كما شئت يا سيدي كن راهباً في صومعة الصمت والاحتجاج، كن مُبلِساً في عذاب التجهم والاكتئاب، كن معرضاً عما يَتَهاوى في ساحتنا من شخصيات رثّة بالية ومن أعمال رخيصة مُفْرَغَة، كن يا سيد الكلمات التي لا تنضب مُتَوَحِّداً مع أحزانك ومعاناتك وآمالك وآلامك، كن -حتى- ممتعِضاً من نُباح بعض الطارئين من المريدين والمتعصبين ومرضى الانبهار والفناء في الآخرين الذين لم يَتَشَرَّفُوا بمعرفة إبداعك وتاريخك وجمالك، لكن الشيء الذي لا نحيدُ عنه ولا نتنازل عن الرؤية والرؤيا فيه هو أنك فنان كبير مورق بالصدق والجمال ليس من السهل ابدا ان تغيب عن ذاكرتنا ولا عن حبنا، ولا عن تقديرنا واحترامنا، ولا عن الاحتفال المتوهج الدائم الذي كلما لاح من جبينك حرف وعَرْف أرْخَى علينا غبطة بلا حدود واعتزازاً بلا مدى مثلما تُرّخي ديمةٌ سكوبٌ اجواءَ الرضا والأمان على مرابع قرية حالمة..
والشيء الذي لا يحيد عنا، ولا يتخلى عن جوانحنا أنك نبع من الكتابة الحقيقية والصبر والانموذجية لا يمكن ان تنال منها كل صيغ التنكر، ولا كل قوالب الافتئات.. ميزتك الساحرة انك موغل مغرق في نبلك ونصاعتك وصدقك ووضوحك، تسجل ما تُمليه عبقريتك ولا تبالي بعد ذلك بأي صدى سوى صدى الحقيقة ولا بأي تبعات وتوابع وزوابع سوى تلك التي تتماثل مع قامتك وقيمتك.. قلتُ - يا سيد الكتابة الآسرة الفاتنة- إنك محرم على كل ثقوب الذاكرة، فمنذ بداياتك الحلوة في أول التسعينيات الهجرية ومروراً بما سجلتْه موهبتك الاستثنائية في «أحزان عشبة برية» ، وفي «وجوه كثيرة أولها مريم» واحتفاءً بما تسطره وتبثه روحك المتجددة الآن وأنت تعزز رصيدك في ذواتنا وتضيف الى هرم الإعجاب مزيداً من القوة والحسن والبهاء..
يا لك من فنان حقيقي لا تضاهى ولا يتوقف نهر الحب لفنك، ولا ينضب وهجُ الاحتفاء بك.. استحضر اسلوبك واضافاتك وطريقة التكوين لديك فأخضل بشكل لم يسبق له مثيل، واتذكر كثيراً من مُشاركاتك واسهاماتك في ساحة الثقافة والفكر والنقد فيطاولني إيمان عميق بأن الفنان الحقيقي لا يشيخ، وأن الإبداع الصحيح لا يبلى، وان العبقرية الفنية منجم ضد كل عوامل السقوط، والتردي، والفناء..
أيها الفنان الباسقُ المورقُ المخضلُّ على الدوام: اطمئن فنحن مؤمنون بك وبعبقريتك، أقول ذلك لسبب واحد وهو ان كل شخصيات التعصب والفناء، وكل نماذج الهدم والغباء، وكل أمثلة الهمجية ستُصاب بالدوار وسيصيبها نوع قاتل من الإغماء عندما تُبهتُ أمام حضورك الفني العبقري فأنت تكوين عجيب مبهر محير من «الشاعرية» في أجمل تجلياتها، ومن «السردية القصصية» في أبهى تفصيلاتها، ومن «الحاكمية النقدية» في أرقى تحليلاتها ومن «النثرية الوصفية الموضوعية» في ألذ منطقيتها ومعادلاتها.. كل ذلك في إطار عقلي ذاتي نفسي من الصدق والنقاء والشجاعة، والبّر بكل ما تعنيه الثقافة من فاعلية وثراء وموقف وإيمان..
يا أبا يوسف.. يا جار الله الحميد:
كن كما شئت، وإزاء ما ينتابك مما تطيق وما لا تُطيق، فقط.. آملُ منك.. وأتوقُ.. الى شيئين:
الأول: أن تكون شديد الإيمان واليقين بما سبق، ومما سبق، فأنا - حتى الآن- لا يمكن أن أسجل كلاماً، أو ان أبوح بوجدٍ ليس في ذاتي ومعتقدي..
الآخر: ألا تحرمنا - نحن المنتمين إليك- مما يستقرّ بين منابت عبقريتك بين حين لك وحين لنا..
ودمت لمن يتهلل كلما بدأ بقراءة كلماتك.
| 
