* القاهرة مكتب الجزيرة ريم الحسيني علي البلهاسي:
فرضت الأحداث الساخنة في المنطقة العربية على الصعيدين العراقي والفلسطيني نفسها على الاجتماع المشترك الأول لوزراء الداخلية والاعلام العرب الذي عقد في تونس رغم معارضة بعض الوزراء التركيز على هذه القضايا والتطرق لكل المسائل العربية وهو الأمر الذي عبر عنه وزير الاعلام السوري عدنان عمران بقوله (لا يمكن للعرب أن يتجاهلوا التهديدات الموجهة للعراق فيما الشارع الغربي يتحرك لرفض الحرب).
ووصف عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية الاجتماع بأنه اجتماع سياسي مهم لأن احتمالات الحرب في المنطقة والاتفاق على الاجراءات اللازمة لحماية أمن الوطن والمواطنين تجاهها أمر طبيعي. وأضاف ان الأمن العربي مهدد اليوم تهديدا خطيرا ليس بالارهاب الدولي فقط وانما بممارسات الاحتلال الاسرائيلي في أراضي العرب وممارسات الدمار والخراب الذي تفرضه قوانين الاحتلال على الشعب الفلسطيني.
وأكد موسى انه اذا كان أمن الولايات المتحدة قد تهدد بممارسات ارهابية من افراد في 11 سبتمبر من عام 2001 فان الأمن العربي اليوم مهدد ليس بالارهاب الدولي فقط وانما ايضا بممارسات الاحتلال العسكري للأراضي العربية. وأضاف موسى أن الأمن العربي مهدد أيضاً، حيث تستعد القوات الأجنبية لغزو دولة في الوقت الذي نجحت فيه الدبلوماسية العربية في تأكيد التزام العراق بقرارات مجلس الأمن وقبول التفتيش على أسلحة الدمار الشامل، وقال إن اجتماع وزراء الداخلية والاعلام العرب خطوة هامة في مواجهة هذه التهديدات من خلال تأكيد رفض الحرب على العراق ومقاومة العدوان الاسرائيلي في فلسطين من خلال اطلاق آفاق التكامل والتنسيق العربي في مختلف المجالات من أجل تحقيق ذلك.
وقد عقد وزراء الداخلية والاعلام العرب جلسة عمل مغلقة أقروا خلالها بياناً تناول كافة التطورات التي تشهدها المنطقة العربية وخاصة القضية الفلسطينية والتهديدات بضرب العراق وفي هذا الاطار دعا البيان الختامي للاجتماع المجتمع الدولي الى تأمين الحماية للشعب الفلسطيني من ارهاب الدولة الذي تمارسه اسرائيل واخلاء منطقة الشرق الاوسط من أسلحة الدمار الشامل بما فيها اسرائيل منعا لازدواجية المعايير ورفع الحصار وبشكل كامل ونهائي عن ليبيا.
وأكد البيان رفض الدول العربية المطلق ضرب العراق باعتباره تهديداً للأمن القومي لجميع الدول العربية وأكد استمرار التزام الدول العربية بالحفاظ على سلامة وأمن العراق وسيادته ووحدة أراضيه بنفس قدر الالتزام بالحفاظ على أمن وسلامة وسيادة الدول العربية كافة.
دفاع إعلامي وأمني
واذا كانت التهديدات الامريكية بضرب العراق وحملة العنف الشعواء التي يقودها شارون ضد الشعب الفلسطيني قد انطلقت بضراوة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 تحت دعوى الحرب على الارهاب الذي تم إلصاقه بالعرب والمسلمين بعد الأحداث فإن الاعلام العربي تقع على عاتقه مسؤولية كبيرة للدفاع عن هذه الصورة المشوهة للعرب والمسلمين في الخارج والتي كانت سلاحا قويا في يد بوش وشارون في حملتهما ضد العراق وفلسطين وما يمثله ذلك من تهديدات للأمن القومي العربي.
كما يلقي هذا مسؤولية أكبر على أجهزة الأمن العربية لبذل المزيد من الجهود لمكافحة الارهاب والمضي قدما في تنفيذ سياستها الناجحة من أجل تحقيق هذا الهدف لتأكيد الأمن والسلام العربي والتعاون مع أجهزة الاعلام العربية في ابراز هذه الصورة للمجتمع الدولي.
هذا التعاون والتنسيق الأمني والاعلامي العربي من أجل مكافحة الارهاب بكافة صوره وأشكاله وتحسين صورة العرب في الخارج كان محور اعمال الاجتماع المشترك لوزراء الداخلية والاعلام العرب وهو ما اكد عليه سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير داخلية المملكة الذي ترأس الاجتماع المشترك لمجلس وزراء الداخلية والاعلام العرب لما عرف به من خبرة وقدرة ومساهمات مميزة في خدمة العمل العربي المشترك حيث أشار الى ضرورة أن يكون هناك تعاون بين أجهزة الاعلام وأجهزة الأمن من اجل دفع المخاطر التي تهدد مجتمعنا العربي وخاصة من مخاطر الارهاب وأضراره المدمرة من خلال ايجاد أطر تضمن تلاحم أجهزتنا الاعلامية والأمنية في مواجهة الخطر الداهم والتبصير بجرائم العنف ومغبة الارهاب وابراز الصورة المشرقة للدين الاسلامي.
وأكد الأمير نايف أنه من الضروري أن تزيل مظاهر التشويه التي لحقت بصورتنا وان نعمق من تواصلنا مع دول وشعوب العالم على اساس من الاحترام والفهم المتبادل حتى يعرف الجميع أننا دعاة أمن وسلام وقال أن الاعلام العربي يتحمل مسؤوليات جساماً في المرحلة القادمة لاظهار الحقائق والدفاع عن الاسلام وعن الأمة العربية والتصدي للحملات الظالمة على الدول العربية والاسلامية التي تنبذ الارهاب وتكافحه منذ سنوات طويلة من خلال برامج واستراتيجيات وخطط على غرار الاستراتيجية العربية لمكافحة الارهاب التي وصفها بأنها كانت انجازا تاريخيا على الصعيدين الاقليمي والدولي في تناول ظاهرة الارهاب تناولاً شمولياً.
وقال ان لوسائل الاعلام دورا في غياب الحضور العربي على أكثر من ساحة وتغييب المنجزات العربية عن أعين الآخرين وترك الساحة متاحة للقوى المعادية لتشوه صورتنا ولعل هذه التصريحات تعبر عن مأزق حقيقي يواجهه العرب في ظل غياب اعلامي عربي واضح على الساحة الدولية في حين تتزايد يوما بعد يوم محاولات اللوبي الصهيوني لتشويه صورة العرب والمسلمين لدى الرأي العام الغربي، بل تشهد الساحة العربية تنافسا بين الفضائيات العربية وفضائيات اجنبية على عقلية ووجدان المشاهد او المتلقي العربي خاصة مع اطلاق اسرائيل قناة فضائية باللغة العربية بتكلفة 14 مليون دولار للدفاع عن السياسات الشارونية وتجميلها واقناع العرب بها بوسائل جذب عصرية كمن يضع السم في العسل، كما أطلقت أمريكا اذاعة موجهة للمنطقة العربية تحمل اسم سوا تكلفت 35 مليون دولار تشكل المواد الموسيقية والأغاني نحو 80% من مدة بثها في حين تخصص النسبة الباقية للمواد الاخبارية والدعائية التي تحمل وجهة النظر الامريكية.
وما زالت الخلافات العربية مستمرة حول أسلوب الردع وظهر ذلك في اجتماع مجلس وزراء الاعلام العرب في دورتهم ال 35 بالقاهرة، اذ تراوحت الآراء بين تأجير قناة غربية لتحمل وجهة النظر العربية وبين انشاء قناة جديدة وتخصيص مبلغ 22 مليون دولار لتنفيذ استراتيجية اعلامية عربية للتصدي لحملات التشويه أو تفعيل وتطوير الفضائيات العربية الموجودة بالفعل لتلعب الدور نفسه وقد ذاع مؤخراً أن هناك قناة فضائية عربية ستنطلق قريبا في فضاء الشرق الاوسط وشرق آسيا وأوروبا وامريكا اختارت اسم قناة تليفزيون العرب a.t.v لمنافسة القنوات الفضائية في سماء العالم وتوصل الصوت العربي والاسلامي للمشاهدين في أوروبا وأمريكيا وتحسين صورة العرب والمسلمين وتبلغ تكلفتها أكثر من نصف مليار ريال.
وفي اطار التنسيق والتعاون بين الاجهزة الأمنية والأجهزة الاعلامية العربية من أجل مكافحة الارهاب وتحسين الصورة العربية أوصى الاجتماع بمنح دور أكبر للاعلام العربي في مكافحة الارهاب والعمل على تعميق الحوار الوطني داخل كل مجتمع عربي وفيما بين المجتمعات العربية ترسيخا للفضائل العربية. وأكد أن التعاون العربي ضرورة حتمية لمواجهة الجرائم وفي مقدمتها غسيل الأموال والارهاب الذي لا دين ولا وطن ولا جنسية له وكذلك ضرورة ان يلعب الاعلام العربي دوراً فعَّالا ومؤثرا بالتعاون مع جميع الأجهزة الأمنية والسياسية والاجتماعية لتوعية المواطنين بخطورة الارهاب وشرح صحيح الدين.
كما أكد البيان الختامي للاجتماع تبني منهج متكامل نابع من القيم والمبادىء الأهلية للأمة العربية والتنسيق بين مجلس وزراء الداخلية والإعلام العرب لتحصين المجتمعات العربية ضد الجريمة والوقاية منها مع تجديد الادانة الشديدة للارهاب بكل صوره وأشكاله مع ضرورة التمييز بين الارهاب وحق الشعوب في مقاومة الاحتلال والعدوان الأجنبي.
وجدد الوزراء الرفض القاطع لمحاولة الصاق تهمة الارهاب بالعرب والمسلمين وتأكيد ما يدعو اليه الاسلام من مبادىء سمحة ونبذه لجميع اشكال العنف والتطرف وأن العالم العربي كان سابقا في التحذير من مخاطر الارهاب باعتباره ظاهرة عالمية اجرامية تهدد السلام والأمن العالمي وأشاد البيان بالجهود العربية المشتركة لمكافحة الارهاب.
فرقة إعلامية
اذا كان اهم عوامل استقرار الامن وتحقيقه للمجتمعات العربية هو الحفاظ على وحدة الصف العربي وتماسك البنية العربية وسط جو من الحميمية والتعاون المشترك بين الدول العربية في جميع المجالات فان وسائل الاعلام تلعب دورا خطيرا في هذا المجال سلبا وايجابا وإذا كانت وسائل الاعلام سلاحا قويا يمكن من خلاله توطيد أواصر المحبة والتعاون بين الدول العربية والتأكيد على وحدة الصف العربي فإنها يمكن ان تكون خنجراً حادا في ظهر العلاقات العربية بممارساتها الخاطئة التي تؤدي الى بث عوامل الفرقة بين الدول العربية وبعضها، وبالتالي زعزعة أمنها واستقرارها. وقد حازت هذه القضية قدرا كبيرا من الاهتمام المشترك لوزراء الداخلية والاعلام العرب وبرزت واضحة في تأكيدات سمو الأمير نايف وزير الداخلية للمملكة أن لوسائل الاعلام العربي دورا في ابتعاد الدول العربية عن بعضها رغم ما تملكه الدول والشعوب العربية من عناصر القوة وأسباب التضامن وامكانيات التعاون وهو الأمر الذي أكدته دراسة اكاديمية حديثة عن دور الفضائيات العربية في زيادة عوالم الفرقة بين العرب.
وتقول الدراسة ان 70% من البرامج السياسية والاخبارية التي تبث على الفضائيات العربية تحمل طابع الدعاية السياسية للحكومات ولا تلتزم بالموضوعية الاخبارية، وأن بعض الحكومات العربية تستخدم القنوات الرسمية والخاصة كشكل من أشكال مواجهة الحكومات الأخرى التي على خلاف معها مما يؤدي الى ترسيخ الصراع العربي في أذهان المشاهدين.
وكانت قناة الجزيرة الفضائية التي تبث من قطر طبقا لما اثبتته الدراسة اكثر القنوات العربية التي تثير آراء متعارضة على ما تقدم على شاشتها، حيث يرى كثير من المشاهدين أنها تثير الخلافات العربية وتمهد للتغلغل الاسرائيلي في المجتمعات العربية وأن ما قدم ويقدم على شاشة الجزيرة أدى لتوتر العلاقات القطرية مع كثير من الدول العربية ومنها الاردن وتونس والسعودية ومصر.
وتقول الدراسة أن دور الفضائيات العربية في إذكاء الخلافات لم يقتصر على المجال السياسي، بل تعداه للمجال الرياضي وانعكس ذلك على أعمال الشغب التي تمارس دائما في المباريات الرياضية بين الفرق العربية الرياضية.وحتى القضية الفلسطينية وهي القضية التي من المفترض ان يتوحَّد عليها العرب تأثرت المعالجات الاعلامية بالفضائيات العربية لهذه القضية برؤى الحكومات والمزايدات السياسية وبالرغبة في تلميع أدوار بعض الحكام العرب عن غيرهم.
وفي هذا الاطار دعت الدراسة الى ضرورة انشاء قناة فضائية عربية موحدة تابعة للجامعة العربية تعمل على جمع العرب بدلا من تفريقهم وكانت هذه القناة احدى توصيات اللجنة الدائمة للاعلام العربي التابعة لمجلس وزراء الاعلام العربي.
كما اوصت اللجنة بضرورة التزام جميع الفضائيات العربية بميثاق العربية الشرف الاعلامي وعدم استخدامها في اذكاء الخلافات العربية، وهو الأمر الذي تناوله الاجتماع المشترك لوزراء الاعلام والداخلية العرب وعبَّر عنه سمو الأمير نايف وزير داخلية المملكة حين أكد على ضرورة أن يكون لأجهزة الاعلام والأمن العربية رؤية مشتركة ولغة واحدة لا تعارض فيها ولا انتقاص لدور طرف على حساب الآخر لأن ذلك امر تفرضه معطيات التكامل وشمولية الرؤية ومستوى التحديات التي تستهدف ثوابت وقيم الأمة العربية ووجودها.
|