* واشنطن بقلم كريستيان أولريخ د ب أ:
«ما هي الخطوة التالية؟معسكرات اعتقال؟»..
كان ذلك هو شعار كُتب على لافتة احتجاج خلال مظاهرة نظمت في مدينة ديترويت الأمريكية الأسبوع الماضي حيث احتشد المتظاهرون أمام مقار مكاتب الهجرة المحلية.
كما رفع المتظاهرون لافتات أخرى أمام مكتب خدمات الهجرة والجنسية في لوس أنجلوس حملت تنديدا بما وصف «بحملة شريرة لمكتب خدمات الهجرة والجنسية».
ويعارض هؤلاء المتظاهرون قانونا أمريكيا جديدا مثيرا للجدل يلزم عشرات الآلاف من الرجال من عمر 16 عاما فما فوق ممن ينتمون أساسا إلى دول إسلامية بضرورة تسجيل أسمائهم وكشف النقاب عن بصماتهم والتقاط الصور الفوتوغرافية لهم والرد على أسئلة تحت القسم تتعلق بأنشطتهم داخل الولايات المتحدة.
ويهدف هذا القانون إلى تضييق الخناق على أي إرهابيين محتملين من بين نحو 35 مليون أجنبي يدخلون الولايات المتحدة سنويا.
ولم يستدع في المرحلة الحالية لعمل «فيش وتشبيه» لهم سوى أولئك الذين وصلوا البلاد قبل الأول من تشرين أول/أكتوبر من العام الماضي 2002.
واصطفت طوابير طويلة من مواطني 20 دولة للتسجيل قبل انتهاء مهلة المواعيد النهائية التي حددتها السلطات الأمريكية المختصة بتنفيذ قانون التسجيل.
واضطر الذكور من دول إيران والعراق وليبيا والسودان وسوريا إلى تسجيل أسمائهم في كانون أول/ديسمبر الماضي بينما هرع الرجال من 13 دولة أخرى منها أفغانستان واليمن والجزائر وكوريا الشمالية إلى تسجيل أسمائهم خلال الأسبوع الماضي فقط.
أما الموعد النهائي المحدد لقيام الرجال السعوديين والباكستانيين بتسجيل أسمائهم، فهو في أواخر شباط/فبراير المقبل.
وكان من بين أولئك الذين اصطفوا في طوابير طويلة أواخر الاسبوع الماضي لتسجيل أسمائهم، طبيب سوري يدعى خاطر عيزوكي «33 عاما» من منطقة بيتسبرج يحمل الجنسية الأمريكية منذ 11 عاما.
يقول عيزوكي في حديث لصحيفة فيلاديفيا إنكويرير إنه شعر بالقشعريرة تسري في أوصاله أثناء قيام المختصين بأخذ بصماته.
ونقلت الصحيفة عن عيزوكي قوله أيضا «هذا أحد أكثر المجتمعات حرية وقبولا للآخر.. نكره أن نراه يتغير إلى الأسوأ».
ودأب المسلمون في الولايات المتحدة منذ هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 الإرهابية ضد مركز التجارة العالمي ومبنى وزارة الدفاع (البنتاجون) على الشكوى باستمرار من تزايد التمييز ضدهم.
وفور وقوع تلك الهجمات، كان أي شخص تبدو على ملامحه الخارجية أنه عربي أو مسلم يصبح محل اشتباه في أنه سيخاطر بقيادة طائرة انتحارية حتى ولو كان يحمل الجنسية الأمريكية.
كما شهدت الأسابيع التي أعقبت هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 اعتقال الجهات الأمنية الأمريكية لحوالي ألف و200 شخص والتحقيق مع الكثير منهم على مدار شهور وحرمانهم من توكيل أي محامين للدفاع عنهم.
وحاولت منظمات الحقوق المدنية الحصول حتى على أسماء المعتقلين دون جدوى، وحتى هذه اللحظة، لم توجه السلطات لأي من هؤلاء المحتجزين تهماً بالتورط في أعمال إرهابية، غير أنه تم ترحيل البعض بتهمة انتهاك قوانين الهجرة الأمريكية.
في الوقت نفسه، شهدت الشهور التي أعقبت هجمات أيلول/سبتمبر الإرهابية نوبات هستريا شعبية بدافع الخوف أدت إلى تعرض منشآت تجارية يمتلكها مسلمون للأذى بينما لم يسلم أي شخص يسير في الشارع وتبدو على ملامحه أنه عربي من الإساءة له بالقول.
والآن، وبعد مرور نحو عام ونصف العام تقريبا على هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، يشعر دعاة الدفاع عن الحقوق المدنية ومنظمات إسلامية بأن نظام الأمن القومي للتسجيل عند دخول الأراضي الأمريكية أو الخروج منها يمثل شكلا من أشكال التمييز ينذر بعواقب وخيمة أكثر، وذلك نظرا لأن هذا القانون من تنظيم الحكومة الأمريكية نفسها.
وتنقل صحيفة لوس أنجلوس تايمز عن سالم المرياطي، مدير مجلس الشؤون العامة للمسلمين في لوس أنجلوس قوله «هناك كثير من الخوف والقلق في أوساط الجالية المسلمة.. الناس تخشى من أن تكون هذه مجرد بداية تنتهي بالزج بكل منهم في معسكرات اعتقال»! وجذب يوم الجمعة الماضي وكان موعدا نهائيا كي يسجل ذكور دول إسلامية وعربية محددة أسماءهم حوالي 15 ألف شخص جديد نظرا لأن المسئولين الأمريكيين حذروا من إمكانية اعتقال وترحيل المخالفين ممن ينتهكون قانون التسجيل.
وثار غضب عام عقب الجولة الأولى من التسجيل في كانون الأول/ديسمبر الماضي عندما احتجزت السلطات 500 رجل مسلم وعربي ممن وفدوا من أنحاء الولايات الأمريكية لتسجيل أسمائهم، ولم يطلق سراح سوى 20 شخصا منهم وقال مسؤولو مكتب خدمة الهجرة والجنسية إنهم أدخلوا تعديلات لتفادي تكرار اعتقال مثل هذا العدد الهائل من طالبي التسجيل.
وكان مهاجرون، من بين هؤلاء الذين تم اعتقالهم، في سبيلهم للحصول على بطاقات الإقامة أو قطعوا شوطا كبيرا في الإجراءات الخاصة بهجرتهم بصورة شرعية في الولايات المتحدة.
كما تنسب صحيفة لوس أنجلوس تايمز إلى بوني بلوشتاين أستاذة الرياضيات بإحدى الكليات قولها «استغلال الجذور العرقية والدينية كسلاح للاعتداء على الحريات الدينية للمهاجرين يعتبر شكلا من أشكال الفاشية ويجب علينا مواجهة ذلك».
على الجانب الآخر، يفند مسؤولو مكاتب خدمات الهجرة والجنسية الاتهامات المنسوبة إليهم بانتهاج سياسة التمييز، مشيرين إلى أن قانون يو.إس.أيه باتريوت أو «الأمريكي الوطني» الذي أجيز بسرعة عقب الهجمات الإرهابية، يتطلب وضع نظام موضع التنفيذ في غضون ثلاث سنوات حتى يتسنى للسلطات المختصة تسجيل كافة الزوار الأجانب الذين يفدون سنويا على البلاد ويصل عددهم إلى حوالي 35 مليون زائر، وذلك بغض النظر عن الدولة الأصل.
ويضيف هؤلاء المسؤولون أيضا أن حملة التسجيل الحالية ليست في الحقيقة سوى المرحلة الأولى فقط من برنامج التسجيل.
وقالت منظمة العفو الدولية بأن القانون الجديد يمكن أن ينتهك اتفاقيات حقوق الإنسان الدولية ويتشكك معارضون في إمكانية نجاح برنامج التسجيل الأمريكي الجديد في تحديد هوية أي إرهابيين بالفعل أو من يرعاهم بالتأييد والمساندة.
ويكتب صادق رضا، وهو أستاذ في القانون الجنائي بكلية الحقوق بجامعة نيويورك متسائلا «من هو الرجل الذي لم يسجل اسمه بعد وربما يعلم شيئا ما عن نشاط إرهابي وسيتقدم طواعية للإدلاء بتلك المعلومات الآن، بينما هو يدرك تماما أنه سيتعرض للاعتقال فورا والترحيل إذا كان قد انتهك قانون التأشيرة أو ارتكب بعض المخالفات الثانوية؟».ودأب مسؤولو مكاتب خدمات الهجرة والجنسية على الإشارة إلى أن معظم إرهابيي هجمات 11 أيلول/سبتمبر كانوا يقيمون بصورة قانونية في الولايات المتحدة، حيث كانوا يحرصون بموجب تعليمات على عدم انتهاك القانون حتى لا يؤثر ذلك على استعداداتهم لتدبير وتنفيذ تلك الهجمات المميتة.
وكان مسؤولو مكتب خدمات الهجرة والمواطنة قد مددوا العمل بتأشيرات إقامة اثنين من المهاجمين بعد موتهما بفترة طويلة في الهجمات، نتيجة إجراءات بيروقراطية.
ويقول معارضون إن الإجراءات الجديدة جاءت في معظمها كرد فعل عكسي فحسب لما كان يعانيه هذا الجهاز من بيروقراطية.
ويعلق مستشار قانوني في اللجنة العربية الأمريكية لمكافحة التمييز ويدعى كريم شورا بقوله «التاريخ سينظر إلى قانون التسجيل الأمريكي هذا باعتباره نكتة أو دعابة بكل معنى الكلمة.. نحن نصنع أعداء لنا من أناس كان من المفترض أن نجعلهم أصدقاء».
|