مازال 11 سبتمبر مستمراً، وسيظل مستمراً إلى أن تنتهي جميع المخططات التي أعدت للمنطقة، فلم تكن صدفة اختيار جوازات سفر لعرب ومسلمين لأحداث سبتمبر والتغرير بالبعض ولا صدفة أن تكون أغلبها من السعودية لضرب العلاقات السعودية الأمريكية. إن أحداث 11 سبتمبر قامت لخدمة الصهيونية والصهيونية المسيحية التي هي المستفيد الأول والأخير وهي من تدبيرها وإن كان ابن لادن مات، فستكون أمريكا وإسرائيل أحرص ما تكونان على عدم اعلان ذلك لجعل الأمر ساخناً على الساحة الدولية حتى يستكملوا مخططاتهم تحت غطاء محاربة الارهاب الذي أصبح ابن لادن رمزاً له وانحصر الآن في دول الحلم الصهيوني من النيل إلى الفرات، حتى خرج لنا شارون بادعاءات أن أسلحة العراق للتدمير الشامل، قد سُربت لسوريا.. وحزب الله في لبنان وغداً سيتهم باقي الدول العربية التي تدخل ضمن الحلم الصهيوني.. من النيل إلى الفرات.
إن أمريكا في التصريحات الرسمية تقول لا علاقة بالارهاب والإسلام، وفي نفس الوقت تسخّر وتوظّف طاقتها العسكرية والإعلامية لعكس ذلك تماماً، فلا تخلو الساحة السياسية والإعلامية من زلات اللسان والفلتان اللفظي، فنسمع عن الحرب الصليبية والتفوق الحضاري وصراع الحضارات والعالم المتخلف والعالم المتحضر..
فقوائم الارهاب كانت منحصرة سابقاً في ما يسمى «الدول المارقة»، التي كانت تضم كوريا الشمالية وإيران والعراق وكوبا، لكن الآن اتسعت القائمة وأصبحت قوائم الارهاب لا تأخذ إلا صورة العالم الإسلامي والعربي ونشرت علناً وكأن الأمر لا غبار عليه، «العراق، إيران، سوريا، لبنان، البقاع، ليبيا، السودان، الصومال والحركات الإسلامية، في جنوب شرق آسيا، وخاصة الفلبين» وبالرغم من أن «كولومبيا» المصدر الأول للمخدرات للشباب الأمريكي الذي يعاني 82% منه من الادمان، فأمريكا لم تضعها بعد في محور الشر لأنه لا ينطبق عليها شروط الارهاب.
إن أفضل تعبير يقال على تلك السياسة هو ما عبر عنه أمين الجامعة العربية، عمرو موسى، بأنها عملية «النصب السياسي»، رداً عى سحق أفغانستان وعلى ما تقوم به أمريكا لمحاصرة العالم الإسلامي، وضرب قطاعات حيوية منه، خلف ستار من الدخان مدعية أن الارهاب العالمي لا هوية ولا جنسية ولا انتماء دينياً محدداً له بينما السياسة الأمريكية وإعلامها يؤكدان عكس ذلك، بل يحددان بوضوح الهوية والانتماء للإرهاب العالمي، بأنه مسلم الهوية والانتماء كما عرفته إسرائيل..
فعندما تطاول القس الأمريكي فيرو ويل واتهم رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بأنه أكبر ارهابي لم يحرك الأمر ساكناً، وعندما تجرأ أحد الصحفيين في أشهر الصحف الأمريكية وطالب بنسف الكعبة المشرفة بالنووية للقضاء على الإسلام، وفتح باب للتصويت وجمع الأصوات للقيام بذلك بالفعل، لم يحرك الأمر ساكناً أيضاً ولم نسمع تهماً ولا إدانة توجه إليهما بمعاداة الإسلام والمسلمين ولا لغيرهما من الكثيرين المعادين للإسلام والمسلمين علانية في الغرب..!
وهذا يجعلنا نعود لنجيب على الأسئلة التي طرحتها في ختام مقالي السابق، ما هي الأسباب الحقيقية، التي جعلت الدماء العربية والمسلمة رخيصة إلى هذا الحد؟ وجعلت الصوت العربي غير مسموع؟ وأمة من مليار ونصف المليار مسلم لا تملك وزناً ولا ثقلاً دولياً يتناسب وحجمها..؟
إن هذا الوضع المؤلم والمهين للعرب والمسلمين ليس وليد اليوم ولا الأمس، إن بداية الانحدار كانت منذ انهيار الامبراطورية الإسلامية في الأندلس وبداية الصراعات وعدم الثقة في أنفسنا، وفي بعضنا البعض، وأصبحنا نختلف مع بعضنا البعض، ولا نوحد مواقفنا ولا آراءنا، وخصوصاً أمام القضايا الحساسة والهامة والمصيرية في أمننا، حتى ازداد تمزقنا وتبددت قوتنا وتراجعنا كثيراً بعد أن كنا في الصدارة، وأصبحت «الخلافات» سمة تميزنا أمام العالم وأمام أعدائنا حتى خرجت تلك المقولة الشهيرة «اتفق العرب على ألا يتفقوا» فتكالبوا علينا وتآمروا على ترابنا حتى خسرنا تراباً غالياً من أمتنا لم نستطع استرجاعه لأكثر من نصف قرن، واختلفنا حتى بين موسكو وواشنطن في مرحلة الحرب الباردة وأصبحنا أكثر تشتتاً حتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، واختلفنا حتى في مواقفنا من قضية فلسطين، فالبعض ينادي بالكفاح المسلح وسيلة أساسية لاسترداد الأرض والحق المغتصب، والبعض الآخر ينادي بالمسار التفاوضي برعاية أمريكية، وكان نتيجة ذلك اجتياح إسرائيل مرتين لأراضي لبنان واقتلاع المقاومة الفلسطينية من لبنان ونفيها إلى تونس، واستبعاد مصر من الجامعة العربية بعد توقيعها على اتفاقيات «كامب ديفيد» لأن العرب اختلفوا حتى حول هذه الاتفاقيات، وقُدمت سلسلة من التنازلات العربية كانت كارثية لأمتنا وأدت إلى ضياع الكثير من هيبتنا وحقوقنا المغتصبة، فازداد العرب تباعداً وتمزقاً، ثم اختلف العرب حول الثورة الدينية الايرانية، بين معاد ومؤيد حتى تسبب الأمر في كارثة الغزو العراقي للكويت، ومزيد من التمزق في الصف العربي وأحدث شرخاً كبيراً في الصف العربي من الصعب أن يلتئم، فتدخل الغرب وأمريكا لتنهي مأساة الغزو العربي العربي، لدولة جارة وشقيقة، بعد أن فشلت جميع محاولات خروج القوات العراقية بالسلم، فأصبحت الدول القوية تهدد جيرانها عوضاً عن دعمهم وحمايتهم من الخطر الخارجي، وخروج البعض في أحلك الأزمات عن الصف العربي وممارسة سياسة خالف تعرف، والإعلام العربي الذي فقد هويته ويقوم بإتقان دور الببغاء وراء كل ما يقوله الإعلام الغربي، ومازال يقوم بذلك على أكمل وجه، ويفرض مصطلحاته ومفرداته علينا، صدى الصوت.. ليس إلا..
فكل امرأة مسلمة محجبة، لدى الغرب هي متشددة، وكل مسلم متدين تقي مطلق لحيته ويذهب إلى المساجد هو مشكوك في أمره، فهو متطرف أو متشدد أو ارهابي..
وماذا عن القنوات الفضائية، التي كلما تاهت الأنظار هنا وهناك وامتلأت الساحة بالشكوك حول منفذي 11 سبتمبر تبرز لنا تلك الأشرطة المشبوهة في أحلك الأوقات وأصعب الأزمات بل في توقيت مميت، لتحقق من وراء ذلك مكاسب سياسية ومادية رخيصة يكلف ذلك أمة بأكملها ثمناً باهظاً، نتيجة طموحات لن تجني سوى سراب..
ومحصلة كل تلك التمزقات والأخطاء الفادحة، تصب على حساب قضية العرب والمسلمين الأولى فلسطين والقدس وفي صالح الكيان الصهيوني، فنحن لا نؤثر في انتخاباتهم، ولا نؤثر داخل الكونجرس الأمريكي ولا في مجلس الشيوخ.. بل أصبحنا لا نحرك ساكناً.
فاكس: 6066701 -02
ص.ب:4584/جدة: 21421
|