لا يزال أداء الاقتصاد الامريكي متواضعاً حيث اشارت وكالات الأنباء والصحف العالمية الى تعرض خطة الرئيس الامريكي بوش الاقتصادية، التي ستكلف خزينة الدولة نحو 670 مليار دولار، على مدى 10 سنوات، لانتقاد من جانب اعضاء الحزب الديمقراطي باعتبارها «سراب وليس خطة للنمو الاقتصادي» فقد وصف السيناريو الديمقراطي جون كيري من ولاية ماساشوستس خطة بوش الطارئة بأنها سراب، كما ان الراصد لاداء الشركات والمؤسسات الاقتصادية بمناسبة انتهاء العام المالي لسنة 2002م يجد ان هناك مخاوف كثيرة ومتزايدة من جانب الاقتصاديين والمتخصصين من تداعيات اداء الشركات العملاقة والركود الاقتصادي في الولايات المتحدة خاصة ان هذه التداعيات قد تؤثر تأثيرا مباشرا وغير مباشر في الاقتصاديات في دول العالم المختلفة حيث ان كثيرا من الشركات الامريكية العملاقة تربطها بكثير من اقتصاديات بعض الدول علاقات تسويقية وتمويلية حيث تنتشر كثير من هذه الشركات في الأسواق العالمية تحت مسمى الشركات المتعددة الجنسيات.
وقد اشارت التقارير الاقتصادية الواردة في وسائل الاعلام الامريكية الى استمرار افلاس بعض الشركات والمؤسسات الامريكية التي بلغت حتى نوفمبر الماضي حوالي 401306 حالة افلاس في المنشآت الاقتصادية فهل سيؤثر استمرار هذا المسلسل بالاضافة الى المؤثرات الاخرى في نمو الاقتصاد؟ حيث اشار احد الاقتصاديين الامريكيين الى ان انكماش الاسعار يشكل خطرا كبيرا حيث ان انخفاض الاسعار هو عادة مؤشر الى ان الاقتصاد يتجه نحو الانكماش مما يؤثر تلقائيا في كثير من الاقتصاديات العالمية لهذا فإن هناك بعض التساؤلات المطروحة الآن بقوة تتمثل في: ما مدى تأثير الاقتصاديات العالمية بحالة الركود الاقتصادي الامريكي؟ وهل هناك حلول لمواجهة الآثار التي تترتب على هذا التأثير؟ وهل سيتسع نطاق تأثير هذا الركود ليشمل معظم الاسواق العالمية؟
تلك بعض التساؤلات التي تحتاج الى اجابة وفي الوقت نفسه دراسة من جانب المهتمين والمتخصصين في القضايا الاقتصادية حيث تشير بعض وسائل الاعلام الى تزايد المخاوف في الولايات من زيادة الركود الاقتصادي وان اي تعثر لهذا الاقتصاد سوف يمس بصورة مباشرة او غير مباشرة الاقتصاديات العالمية حيث كان يراهن رجال الاقتصاد هناك على امكانية توفير فرص عمل في نوفمبر الماضي لحوالي 38 الف شخص الا ان عكس هذه الآمال قد حدث، فتم الاستغناء عن 40 ألف شخص وارتفع معدل البطالة الذي صدر بيان منه في الشهر الماضي ليصل الى اعلى مستوى له ليبلغ حوالي 6% في حين كانت التوقعات تشير الى نسبة 8 ،5% في الوقت الذي تم الاستغناء عن كثير من العاملين في القطاع الصناعي.
وقد اشارت بعض وسائل الاعلام ووكالات الأنباء الامريكية الى ان قيام الرئيس الامريكي بوش بإقالة وزير الخزانة واحد مساعديه يأتي في إطار اصلاح المسار الاقتصادي الذي اصابه الركود وقد ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» انه اذا كانت هناك بعض الاجراءات التي اتخذت لتدعيم الاقتصاد الامريكي الا ان هناك مخاوف من زيادة العجز في الميزانية واثارة الشكوك حول اجراء المزيد من الحسومات على ضرائب الدخل واعطاء المستثمرين بعض الحسوما ت لتشجيعه م على الاستمرار في استثمارا تهم لدفع عجلة الاقتصاد الى الامام.
والراصد الاقتصادي للخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة بالسعي نحو تجديد دماء الفريق الاقتصادي الامريكي بتغييره جاءت في توقيت مهم بالنسبة للادارة الامريكية التي تريد تحسين الصورة الاقتصادية لها بعد نجاحها على صعيد السياسة الخارجية والعسكرية على حد اعتقادهم في الوقت نفسه لم يلق الجانب الاقتصادي - وهو الاهم من وجهة نظر الفرد العادي - الاهتمام الكافي، وقد اوردت صحيفة السياسة الكويتية تقريرا اقتصاديا وارداً من واشنطن ان بوش الاب فشل في الاقتصاد في حين نجح في الجانب السياسي ولكنه في النهاية فشل في الانتخابات ويتوقع بعض الاقتصاديين والسياسيين الامريكان ان يحدث للابن ما حدث لوالده، ويرى المحللون الاقتصاديون والمتخصصون انه يوجد عدة اسباب تقف وراء هذا التغيير منها انهما فشلا في وضع سياسة اقتصادية تكون قادرة على مواجهة التراجع الذي تشهده الحالة الاقتصادية قبل احداث الحادي عشر من سبتمبر وبعدها، كما انهما فشلا في التعامل مع ازمة انهيار بعض الشركات الامريكية العملاقة بداية من انهيار شركة النفط العملاقة «انرون» ومروراً بكثير من الشركات سواء شركات الطيران أم غيرها من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل العدد الكبير من حالات الافلاس وانهيار اسهم شركات الاتصالات والمعلومات المدرجة في مؤشر نازداك، هذا بالاضافة الى ان انهيار الشركات العملاقة يهدد شركات عملاقة اخرى نتيجة الارتباطات المالية التي تربط بينها، هذا بالاضافة الى عدم نجاح الاقتصاديين الامريكيين في اصلاح نظام التأمين ونظام الضرائب او الضمان الاجتماعي وبالتالي ستتأثر كثير من اقتصاديات الدول بطريقة مباشرة او غير مباشرة بهذه الخسائر والاخفاقات الاقتصادية.
ان الراصد للوضع الاقتصادي العالمي يجد ان الولايات المتحدة بعد ان كانت تتحدث عن انها بلد الحريات والحق والعدالة والمساواة وتوافر مناخ الاقتصاد الحر - كما اشار الى ذلك «الدكتور/علي القرني» رئيس مجلس ادارة الجمعية السعودية لعلوم الاتصال في مقال بجريدة الجزيرة بتاريخ 10 شوال 1423هـ الموافق 14 من ديسمبر 2002م - الا ان الوضع الحالي يشير الى تأثر اقتصادها الواضح بالمستجدات على الساحة العالمية واصبحت تمارس بعض السياسات التي تشابه ما تؤديه الدول النامية مما يؤثر في كثير من الاقتصاديات المرتبطة به، هذا بالاضافة الى وجود موجة من العنف الاعلامي الامريكي في التهجم على المسلمين مما ترتب على ذلك من عزوف كثير من المستثمرين عن التعامل التجاري والاستثماري خاصة في ظل وجود بدائل اقتصادية كدول شرق آسيا والصين واليابان كقوة تجارية واقتصادية وتنافسية.
وقد ادركت ادارة بوش هذه المخاطر فقامت بتغيير الفريق الاقتصادي حيث انه بعد مرور اقل من عامين على تولي الجمهوريين السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة اجرى الرئيس الامريكي اول واكبر تغيير في الفريق الاقتصادي إذ باغت الجميع في واشنطن من حيث اسبابها. هذه الخطوات جاءت لوضع خطط وبرامج تعالج هذا الركود ونأمل ان يتحقق تدارك الموقف حتى لا تتأثر الاقتصاديات العالمية الاخرى نتيجة لارتباطها بالاقتصاد الامريكي.
*مستشار اقتصادي ومدير دار الخليج
للبحوث والاستشارات الاقتصادية
|