هنالك حالة نفسية يعتل بها البعض تسمى الإسقاط ويعرف علماء النفس الإسقاط على أنه «ميل الفرد إلى رد مشاعره واتجاهاته إلى الآخرين وعلى محيطه المادي والخارجي، فأولئك الذين يعانون من إحباط بسبب الفشل يميلون إلى تفسير الأحداث بأسوأ صور ممكنة ويميلون إلى تشويه الواقع لتغطية أخطائهم وإحباطاتهم.. «وللأسف أن هنالك البعض ممن ينتمون للوسط الرياضي لدينا ممن يعتلون بهذه الحالة، وأس المشكلة هنا أن هؤلاء قصر تفسيرهم للمعنى الأسمى للرياضة فبدل أن يعتبروها فوزاً وخسارة أصبح مفهومهم للرياضة نجاحاً وفشلاً وأصبحوا يسقطون فشلهم على أناس آخرين وعلى أحداث يفتعلونها نتاج خيالهم الخصب المعتم، ويبثون سموم تعصبهم ليعكروا صفو الرياضة مخرجيها عن إطارها ومفهومها الأسمى لتعم الفوضى وبهذا ينسون خسارتهم «فشلهم» فلم يسلم منهم حكام ولا منتخب حتى القرعة التي يقوم مندوبوها بسحبها أمام الملأ لم تسلم منهم بل اتهموها بمحاباة أندية معينة وهنا نعطي أمثلة على الطريقة التي يمارس هؤلاء إسقاطاتهم من خلالها والتي تهدد مسيرة الكرة السعودية وهي كثيرة ولكن لضيق المساحة سنختصر الأمثلة:
الحكام
فهؤلاء لم يتوقفوا عن مهاجمة الحكام قبل وبعد كل مباراة للضغط عليهم وتهيئة جماهيرهم المغلوبة على أمرها للهزيمة «الفشل» مع العلم أنه خلال السنتين الماضيتين تم تغيير لجنة الحكام ثلاث مرات إلا أننا لا زلنا نسمع نفس الأسطوانة. نعم لا بد للحكم أن يخطئ ولكن أن نستقصده قبل وبعد كل مباراة فهذا عين الإسقاط والمحاربة لهؤلاء الحكام.
الإعلام والمنتخب
بعد إنجاز المنتخب الأخير بكأس العرب سمعنا حديث أمير الرياضة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد بعدالمباراة مباشرة في القناة الرياضية وكان خطاباً من القلب إلى القلب لمسنا منه حديث المواطن الغيور على بلده والمسؤول المخلص لعمله. سمعنا منه أنه لم يحاول في الماضي إسكات هؤلاء الناعقين من المنتمين للصحافة الرياضية مع أنه كان باستطاعته عمل ذلك ومع أنهم تمادوا بانتقادهم للمنتخب بعد كأس العالم والذي وصل للتجريح والتشهير وإغفال جميع الإنجازات التي حققها المنتخب والتي كان خلفها الاتحاد السعودي بل وطالبوا برأس الاتحاد السعودي ككبش فداء.
بدلاً من ذلك فإن سموه أعطاهم المساحة للنقد وكان يقصد هنا بالنقد التقويم والبناء وليس التجريح للهدم ولكن كما رأينا فقد كان نقدهم مجرد تصفية أهواء شخصية ابتلي بها البعض من واقع مرضه المزمن بالتعصب واستغلال الفرص للانتقام.
ولكن بعد أن اتضح للعيان ما يرمي له هؤلاء من هدم للكرة السعودية وهدم إنجازاتها لمجرد أن لاعب فريقهم المفضل لم يلعب أساسياً أو لم يختر للمنتخب عندها قال لهم سلطان في ذلك الحديث توقفوا فقد آن الأوان لنسمع ونقرأ لمن يحب الخير لهذا البلد و لمن يحب الرقي والتطور للكرة في بلدنا لا لمن يريد أن يهدم ويبث سمومه ويتحين الفرص، فقد رأينا السب العلني والتجريح للاعبي المنتخب أثناء وبعد المشاركات الخارجية لا لشيء إلا بسبب أنهم لا يوافقونهم الميول؟؟
إداريو الأندية
قبل أن نطلب من اللاعبين الكثير هل كلفنا أنفسنا أن نسأل إن كان الإداريون بهذه الأندية على قدر من المسؤولية، للأسف أن من يسمع تصاريح بعض المنتمين للأندية لن يعيب على اللاعبين عدم تحملهم المسؤولية فإذا كان اللاعب يقرأ ويسمع ما يقوله إداريو الأندية فإذا علينا أن لا نلوم لاعباً مثل حسين عبدالغني عندما أسقط أسباب هزيمتهم وتجنَّى على الحكم بحادثة غير مسبوقة فهذه أحد تداعيات الفشل والإسقاط.. فقد سمعنا أحد إداريي الأندية الكبيرة العام الماضي يسقط أسباب هزيمة فريقه من فريق كبير بسبب عدم تأجيل مباراة لفريقين مختلفين كانا يتذيلان قائمة الدوري ونزلا إلى الدرجة الأولى. سمعنا وشاهدنا كيف تم اتهام فريق بأكمله بالرشوة.. لا تعليق؟؟
الجماهير
نفس ما ينطبق على اللاعبين ينطبق على الجماهير من تأثرهم بتصريحات إدارييهم، ولكن هنا نعتب على الجماهير أو على غالبيتهم والتي توسعت مداركها ويفترض أنها وصلت لمرحلة تفرق فيها بين الغث والسمين. ولكنها للأسف رسخت التعصب الممقوت من خلال القنوات الفضائية والتي أصبحت مرتعاً لهؤلاء واستغلتهم أيما استغلال لزيادة أرباحها على حساب الكرة السعودية بالإضافة إلى المنتديات الرياضية فأصبح المنتمون لهذه المنتديات يتسابقون على سل السيوف للهجوم على الآخرين إلا القليل منها والذي أصبح يعتبر شاذاً إذا تكلم بصوت العقل.
عوامل نجاح الكرة السعودية
من أصول التقويم الانتقاد وإعطاء الحلول المناسبة للتغلب على مشكل معين، وهنا أحب أن أطرح كليمات قصدت منها المساهمة بجهد متواضع في حل ما قد يعترض الكرة السعودية من معوقات تحول دون تطورها وهي في النهاية مرئيات واجتهادات متواضعة جادت بها القريحة.
الأندية والمنتخب
هنا جمعت الأندية والمنتخب لأنهما وجهان لعملة واحدة وهي الرياضة السعودية ولا يمكن أن نفرقهما. قبل أن أبدأ حديثي عن الأندية فإني أكبر بسمو الأمير سلطان بن فهد قلقه على الشباب السعودي في جميع أحاديثه ومقابلاتها الإعلامية عندما يطرح موضوع الخصخصة فقد أبدى سموه عن قلقه تجاه دور الأندية ودورها برعاية الشباب السعودي عندما تخصخص، وكما شعرت بالفخر وأنا أتصفح أحد المواقع العالمية في شبكة الإنترنت التي تتحدث عن خصخصة الرياضة السعودية وسموه يردد نفس الكلام فالهدف الأسمى من الرياضة أكبر من أن يكون مادياً بحتاً.
ولكن ولكي تتمكن الكرة السعودية من مسايرة ركب الرياضة العالمية والوصول إلى أعلى المرتبات، بالإضافة إلى إزاحة الحمل المالي للأندية على الدولة فقد صدر قرار مجلس الوزراء بتخصيص عدة قطاعات ومنها الأندية الرياضية.
كيف نرفع من مستوى الكرة السعودية عن طريق الخصخصة؟ أنا أثق أن اللجان التي أمر بتشكيلها سمو ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ناقشت هذا الموضوع بإسهاب وسوف تصدر القرارات التي تمخضت عنها هذه الاجتماعات قريباً. ولكن لي تعليق واقتراح بسيط هنا، فبعد كأس العالم سمعنا من يمجد أداء المنتخبين الكوري والسنغالي بكأس العالم والنتائج المبهرة التي حققها هذان المنتخبان بالرغم من حداثة تجربتهما، جميل. ولكن قبل أن نبدأ المقارنة يجب أن نعرف أن الدولتين اتخذتا مسارين مختلفين لتطوير الكرة هناك. فالسنغال أو لنقل: اللاعبون السنغاليون قاموا بخطوة لا يمكن أن يقدم عليها اللاعب السعودي فاللاعبون السنغاليون أغلبهم إن لم يكن جميعهم يلعبون في أوروبا، كيف وصل اللاعب السنغالي بالرغم من حداثة تجربته وامكانياته ولم يصل اللاعب السعودي؟
اللاعب السنغالي تستجلبه الدول الأوروبية بمبالغ بخسة وفي أغلب الأحيان يبدي استعداده الانضمام للفرق هناك براتب لا يتعدى مئة دولار مع الإعاشة والسكن فقط، فإذا اتضح للنادي الأوروبي أنه لاعب سيفيد الفريق فإنهم يقومون بتسجيله رسمياً ويبدأ باللعب للفريق واللاعبون تتافوت مستوياتهم، أما اللاعب السعودي لطبيعة تركيبته وعاداته الاجتماعية ومستوى المعيشة هنا فلا أعتقد أنه سيذهب مجانا لمجرد الاحتكاك. أما تجربة الأندية الكورية واليابانية فأعتقد أنها الأقرب للتطبيق هنا في السعودية، فالأندية اليابانية والكورية أصبحت تتبع لشركات تجارية وبنوك.
السؤال هنا هل لدى الشركات المحلية الاستعداد لشراء الأندية والاستثمار بها؟ أعتقد أن الجواب نعم والدليل قول الأمير خالد بن الوليد بأنه على استعداد أن يحضر لاعب عالمي مثل رونالدو بشرط أن يكون هنالك مردود مالي واستثمار رسمي من قبل شركة كبيرة كالتي يملكها والده «المملكة».
بالإضافة إلى ذلك أن الأندية الكورية واليابانية تفرغت للعبة واحدة هي القدم وتركت باقي الألعاب لأندية معينة لها من يرعاها. فلكي يكون هنالك خصخصة فلا بد أن يكون هنالك ربح مادي وكرة القدم باعتقادي هي اللعبة المربحة مادياً. إلا أنه بالوقت الحاضر ومع بيع حقوق نقل مباريات الدوري السعودي إلى إحدى القنوات الفضائية للسنتين الحالية والقادمة فالأفضل أن يتم تأجيل الخصخصة إلى ما بعد ذلك. ثانياً: يجب أن يوضع برنامج مدروس لكي تنجح الخصخصة ولكي لا تتورط الأندية يجب أن يكون هنالك قرارات صارمة وحاسمة ومنها أن يتوقف نقل المباريات بالتلفزيون لمدة سنتين على الأقل حتى تستفيد الأندية من دخل المباريات وحتى تعود الجماهير إلى الملاعب وتعود معه إثارة الدوري وأن يترك خيار نقل المباراة بالقنوات الفضائية للأندية نفسها وبالمبلغ الذي تختاره.
فطوال مدة دراستي في بريطانيا لم أشاهد مباراة تنقل بالتلفزيون البريطاني بل يكتفى ببرنامج لمدة ساعة يوم المباريات يعطى فيه ملخص تحليلي للمباريات بالإضافة إلى لقطات لها. أن يكون هنالك دوري تشترك به نفس الأندية للهواة لكي تغذي هذه الأندية باللاعبين كما هو معمول بها في الأندية الأوروبية.
الحكام والإعلام
يجب أن نعيد الثقة بالحكام السعوديين، وذلك أن نجرب ولو لسنة واحدة التوقف عن الهجوم عليهم ومحاربتهم وذلك بمنع التصاريح النارية المعلبة قبل المباريات والهجوم عليهم بعدها بجميع وسائل الإعلام سواء المرئية أو المقروءة، دعونا نعمل هذا ونرى ما عسى الحكام أن يقدموا، فأنت عندما تكرر على شخص ما بأنه فاشل وأنه فاشل فمع مرور الوقت فإنه يتأثر بهذا ويصدقه، خاصة إذا رددها الكثيرون ممن يسقطون إخفاقاتهم على الحكام.
دعم المنتخبات السعودية بالإعلام ومعاقبة كل من يمتهن النقد كأداة هدم وتفريغ لشحنات متعصبة يغذي فيها روح التعصب لدى الجماهير ويستعديهم ضد منتخب بلادهم، فالكثير من المقيمين هنا في السعودية يستغرب موقف بعض الصحف السعودية من المنتخب ومن خلفهم الجماهير التي تستعديهم هذه الصحف على منتخب بلادها.
قنوات الأندية الفضائية
أتمنى أن لا تكون القنوات الفضائية التي تعتزم الأندية السعودية تدشينها أحد معاول هدم الكرة السعودية وتصبح مشابهة للمنتديات الخاصة بهذه الأندية والتي أصبحت منبراً للسب وتبادل الاتهامات، فاستعجال الأندية على افتتاح هذه القنوات يوحي بذلك فأين المادة الرياضية التي ستغطيها أوقات البث، فإذا لم تغطها بالسمين فستملأها بالغث وهذا الأقرب على حسب ما نراه من امكانيات للأندية، خاصة أن حقوق المباريات لا تملكها الأندية في الوقت الحاضر.
نتمنى أن تكون هذه القنوات مصدر دخل ثابت لها وأن تكون أحد عوامل ازدهار الكرة السعودية بحدود التنافس الشريف.
|