حوار - علي سعد القحطاني
نواصل حوارنا مع الدكتور محمد يونس في جزئه الثاني ليحدثنا عن حكايات «ألف ليلة وليلة» التي كانت بالنسبة لفناني العالم مكمناً للسحر والتخيّل والخصب ومن أجوائها الشرقية استوحى الرسامون العالميون أجمل لوحاتهم،وقد نال كتاب «ألف ليلة وليلة» - كما يقول الدكتور محمد يونس - اهتماماً من مفكري الأدب العالمي وأعلامه، كما تحدث الضيف من واقع تجربته عن الجامعات التي تدرس اللغة العربية في الصين.
* نستكمل حوارنا حول أثر حكايات «ألف ليلة وليلة» فقد حفل بهذا النص التراثي الشرقي مفكرو الأدب العالمي وأعلامه.
كانت حكايات ألف ليلة وليلة بالنسبة لفناني العالم مكمناً للسحر والتخيّل الخصب، وكانت شهرزاد بالنسبة لهم مثالاً للمرأة المتمردة على علاقات مقاصير الحريم ونظمها وقوانينها وضوابطها، ومثالا للمرأة المثيرة التي تفضح وتعري بنات جنسها، وتصف أدقّ خصوصيات المرأة، وفي الوقت نفسه مثالا للجمال الشرقي الأخّاذ، والمعرفة والحكمة، والذكاء الذي استطاع أن يردع شهريار عن استمراره في قتل بنات مدينته في كل ليلة.
هذا الجمال الذي بدا لهم أقرب إلى الأسطورة، فاستوحوا من شخصيتها أجمل اللوحات الفنية، وكانت رحلات السندباد البحري بعوالمها الغرائبية والسحرية الموشومة بالعفاريت والجن والسحرة، معيناً لا ينضب، وقادرا على أن يشكّل مزيداً من اللوحات الفنية.
وقد كان لترجمة «أنطوان جالان» لكتاب ألف ليلة وليلة إلى اللغة الفرنسية أثر كبير في أدباء الغرب، لأن هذه الترجمة تعد من أوائل الترجمات، وأكثرها قرباً إلى نفوس الفرنسيين، وأكثرها جاذبية سحرية لهؤلاء الفرنسيين.
ومن أجواء ألف ليلة وليلة استوحى الرسامون : رينوار وماتيس وأنجر أجمل لوحاتهم، فرسموا الجواري وحظايا السلاطين، وجميلات القصور، أما الفنان «ديلاكروا» فقد فتحت حكايات ألف ليلة وليلة آفاق مخيلته الرحبة، فسافر إلى المغرب والجزائر، وأقام فيهما، وبدأ يرسم النساء العربيات الغارقات في نعيم القصور وعزّها، ورسم من وحي ألف ليلة وليلة لوحته المشهورة «نساء الجزائر».
أما الفنان «فان دونجن»، فقد استوحى لوحته المعروفة «راقصة شرقية» من حكايات ألف ليلة وليلة. وشكل الفنان «أنج تيسييه» من شخصية شهرزاد لوحات فنية زيتية مشعّة بالجمال والأنوثة.
لقد نال كتاب ألف ليلة وليلة اهتماماً من مفكري الأدب العالمي وأعلامه، لم ينله أي كتاب آخر، هذا إذا استثنينا القرآن الكريم، فظهرت فيه دراسات كثيرة تناولت حكاياته، بالتحليل والدراسة والمقارنة، والمؤثرات الداخلة فيها، ويصعب على أي دارس أدبي، مهما كان واسع الاطلاع والمعرفة، أن يحيط بجميع دارسي هذه الحكايات، إلا انه يمكن القول: ان من أهم الكتاب الأجانب الذين درسوا حكاياته، وحللوها: د.ب. ماكدونالد «1863 1943م»، ج. أويسترب «1867 1938م»، «إينو ليتمان «1875 1938م»، يوسف فون هامر، وليم لين، دي غويه، نولدكه، تسيبولد، كريمسكي، هرمان زوتنبرغ، شوفان، رينيه باسيه، فون شليكل، أوغست ميلر، إميل كالتييه، فون لولمرنيك، ه . ريتر، وليم بوبر، سلفستر دي ساسي، هوروفتز، كالتييه، باتريك رسل، سيتزن، رودري باريت، وليم جونز، كوسكان وبرزيلسكي، كرونباوم، ه. كريكوار، ر. كوسنس.
ولم تتوقف الدراسات الأجنبية في حكايات ألف ليلة وليلة عند هؤلاء الأسماء، بل ظهرت دراسات جديدة معاصرة استكملت الدراسات السابقة، وأتت بنتائج جديدة ومهمّة، ولعل أهم الدارسين المعاصرين لهذا العمل الأدبي الخالد: هنري فارمر، أندريه ميكيل، تزيفيتان تودوروف، فردريش فون ديرلاين، هو جوفون هوفمنستال، ميشيل جاك، إدجار ويبر، دايفيد بينولت، جيروم كلينتون، برتف بوراتاف، خرورخي لويس بورخيس، أندرياس حاموري، جيرهار فيشر، إليوت كولا، سيلفيا بافلن وآخرون. ومن الصينيين المعاصرين الذين التقيتهم في بكين، الذين كتبوا عن ألف ليلة وليلة، الأساتذة الدكاترة : شريف تشي بو هاو، وصاعد تشونغ جيكون، ولي تشين تشوشنغ.
ولا نغالي إذا قلنا إن ألف ليلة وليلة شكلت لدى الغربيين حافزاً مثيراً وقوياً دفعهم إلى التطلع إلى الشرق، ومدنه وفضاءاته المكانية التي أسهمت في بناء هذه الحكايات.
ولقد كان لهذا الكتاب فيما بعد دور كبير في دفع حركة الاستشراق وانتشارها بقوة، لأن الأوروبيين أحبّوا هذا العمل، وافتتنوا به، واعتبروه المسرود الثاني بعد كتاب الله سبحانه وتعالى، القرآن الكريم، فما كان من أدبائهم ومستشرقيهم إلا وأن تاقوا لزيارة بلدان الشرق وعوالمها السحرية، فرحلوا إلى هذا الشرق باحثين، وراغبين في معرفة سرّ غوامضه، ثم فيما بعد دوّنوا مشاهداتهم وانطباعاهم عن هذا الشرق في كتب كثيرة.
لقد دخلت حكايات ألف ليلة وليلة في نسيج التركيب المعرفي للثقافة الأجنبية، على اتساعها الزماني والمكاني، وأثرت فيها تأثيراً شديداً، ولا تزال تؤثر حتى الآن، ويصعب على أي باحث، مهما كان واسع الاطلاع والمعرفة، أن يكشف عن جميع جوانب هذا التأثير، في جميع الأجناس الأدبية، سواء أكانت أوروبية أم أمريكية أم آسيوية، أم غير ذلك.
* ما هي الجامعات التي تدرّس اللغة العربية في الصين؟ وكيف تنظر إلى آفاق تعليم اللغة العربية في الصين في ظل سياستها الجديدة؟.
يوجد في الصين عدة جامعات تدرّس مواد الأدب واللغة العربية، ففي مدينة بكين العاصمة وحدها يوجد خمس جامعات، وهي:
1 جامعة بكين.
2 جامعة الدراسات الأجنبية.
3 جامعة اللغات والثقافة.
4 جامعة الدراسات الأجنبية الثانية.
5 جامعة الاقتصاد والتجارة الخارجية.
أما بقية الجامعات الأخرى في أنحاء الصين التي تدرّس اللغة العربية فهي:
جامعة الدراسات الأجنبية في شانغهاي.
الجامعة العسكرية في مدينة لويان.
الجامعة المتكاملة في مقاطعة يونان.
وتوجد جامعة أخرى في مقاطعة «شينجيانغ» الويغوريّة المسلمة، ذات الحكم الذاتي، وهي تختصّ بتعليم الطلاب المشتغلين بالحقل الديني، حتى يستطيعوا أن يؤموا المساجد، ويقرأوا القرآن باللغة العربية، ويعلموه للراغبين بذلك من أبناء مقاطعتهم، بالإضافة إلى أكثر من عشرة معاهد حكومية وأهليّة تقوم بتدريس اللغة العربية لأبناء المسلمين ولأي صيني يرغب بدراسة اللغة العربية.
لقد كانت الصين في عهد ماو تسي تونغ، تولي أهمية كبيرة لتعلم اللغة العربية وتدريسها في الجامعات الصينية، لأن الحكومة الصينية كانت طموحة في إقامة علاقات وطيدة تجارياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً مع دول الوطن العربي أكثر من طموحها في أن تقيم هذه العلاقات مع أمريكا وأوروبا، لأن السياسيين الصينيين في عهد ماو تسي تونغ كانوا ميّالين إلى العرب أكثر من ميلهم إلى أمريكا وأوروبا، وكان الطالب الصيني الذي يتخرج في الجامعة متقناً اللغة العربية يجد عملاً وبسهولة بعد تخرّجه، ويتدرج في عمله حتى يتسلم مناصب مهمة في الدولة.
أما اليوم فقد تراجع تعليم اللغة العربية في الجامعات الصينية بشكل واضح، وصار الطلاب الصينيون ميالين إلى تعلم اللغات الأجنبية الأخرى كالإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والإسبانية واليابانية والكورية والروسية وغيرها، لأن الحكومة الصينية الحالية لم تعد تولي أهمية لطلاب الأقسام العربية. ويجد خريجو هذه الأقسام صعوبة بالغة في الحصول على وظيفة، سواء أكانت في شركات القطاع العام أم الخاص، وقد وعى الطلاب الصينيون دارسو اللغة العربية ذلك، فأخذوا يتعلّمون في جامعتين في الوقت نفسه، في جامعة يدرسون اللغة العربية، وفي جامعة أخرى يدرسون السياسة والتجارة والاقتصاد أو اللغة الإنجليزية وغير ذلك.
إن الحكومة الصينية المعاصرة، في هذه الأيام، تعمل على توطيد علاقاتها مع أمريكا والغرب الأوروبي والعالم الصناعي، أكثر من ميلها إلى مثل هذا التوطيد مع دول الوطن العربي، لأنها ترى أن مصالحها الكبرى تتجسّد بانفتاحها نحو أمريكا وأوروبا، ومن هنا فقد بدأت الجامعات الصينية التي تدرّس اللغة العربية في تقليص عدد الطلاب الذين تقبلهم، حتى أننا نجد أن بعض هذه الجامعات تخلو من صف من الصفوف، فعلى سبيل المثال نجد ان جامعة بكين في العام 2001م، تخلو تماماً من طلاب الصف الثالث السنة الثالثة، ونجد أن جامعة اللغات والثقافة ببكين تخلو تماماً من طلاب السنة الأولى في العام نفسه، وفي جامعة أخرى لا نجد أي طالب من طلاب السنة الأولى أو الرابعة، وهكذا.
وإذا ما بقيت الحكومة الصينية مستمرة في اندفاعها السريع صوب إقامة المزيد من علاقات الانفتاح نحو أمريكيا والغرب الأوروبي واسرائيل، فإن مستقبل اللغة العربية في الجامعات الصينية بلا شك سيتراجع تدريجياً.
* كلمة أخيرة؟.
أشكر جريدة الجزيرة، هذه الجريدة الكبيرة التي تجد إقبالاً من قبل القراء السوريين، لكنها للأسف لا تصل إليهم بشكل منتظم، وإن وصلت فإن كمية أعدادها قليلة جداً.
|