الخطابات التشكيلية كما نعلم جميعاً ليس لها وطن وليس لها حدود فالفن التشكيلي بكافة معطياته وتقنيات وروافده المختلفة ما هو إلا عطاء وإبداع إنساني يأتي نتيجة حتمية لتفاعلات وخلجات نفسية داخلية وفق منظور شخصي وتقنيات ومعطيات متعددة.. وبالتالي فإن ما نشاهده من مشاهد تشكيلية سواء هنا أو هناك أو في أي بقعة من أرجاء العالم ما هو إلا بشكل أو بآخر عطاء ونتاج إنساني يشترك مع عطاءات الآخرين بنفس الصفات والقيم والضوابط الفنية والتقنية المشتركة للعمل الفني.. إلا أن مؤثرات البيئة بمعطياتها الشعبية والتقنية والصناعية والزراعية والمناخية والثقافية والتراثية والدينية والاجتماعية ومشاربها المختلفة، هذه المعطيات تتبلور ضمن عطاء ونتاج فنان ما ينحدر من هذه البيئة أو من هذا المجتمع لتشكل بدورها بصمة أو سمة معينة لنتاج فناني هذه البلاد أو تلك. أما ما يتعلق بالتقنيات الأساسية والتكوينات البنائية والعناصر الرئيسية للعطاءات التشكيلية فهي مسلمات وضوابط معمول بها في كافة البيئات على اختلاف أهدافها ومشاربها وتكويناتها.
ومن هنا يصبح العمل التشكيلي للفنان في الصين مثلاً مقروءاً في أمريكا وأوروبا وغيرها من دول الأرض يتم ذلك من خلال معايير بصرية مشتركة تعتمد الشكل واللون والخط والمساحة والتكوين وبنائية العمل التشكيلي المعروفة لكن تظل البصمة الصينية وروح البيئة الصينية بمعطياتها المختلفة موجودة في العمل أو في جزئياته من خلال عنصر زخرفي أو نباتي أو خلافه وبالتالي أمكن للرائي أو المشاهد أياً كان أن يستشف الوطن الأم لهذا العمل أو المنتج و هذا بلا شك يعتمد أيضاً على ثقافة ووعي وإدراك هذا المتلقي ومدى إلمامه بثقافات ومعطيات الشعوب الأخرى.. لكنه وفي ظل هذا الانفتاح الفضائي الرهيب وهذا التقارب الدولي المتسارع في ظل عالم الإنترنت وتقنياته وتنامي العولمة وطغيانها على مجريات الأمور بشكل واسع أدى كل ذلك إلى مقدرة الفرد على التجوال على العالم والاطلاع على كافة الفعاليات المختلفة هنا وهناك وبدقائق معدودة كان من نتائجه السريعة انصهار الثقافات والمعطيات الإبداعية في بوتقة العولمة مما أدى أيضاً إلى ذوبان الهويات واندماجها في بعضها البعض وتلاقحها وصولاً إلى انسلاخ هذه العطاءات من قيمها وبصمتها المعروفة وذوبانها في الثقافات الأخرى.
والمشاهد التشكيلية لم تسلم هي الأخرى من هذه المعطيات الجديدة للعولمة حيث أن المشاهد لما يعرض في البيناليات والمعارض الدولية الحديثة يجد العجب فالأعمال المقدمة جاءت معظمها بدون انتماء وبلا وطن وبلا هوية وبالتالي أصبحنا وفي ظل هذا التوجه نشاهد أعمالاً غاية في الغرابة والدهشة وهي قد لا تلاقي في الوقت الحاضر القبول والرضاء من قبل المتلقي الذي لا يزال متمسكاً.. المشاهد والمعطيات التشكيلية التقليدية.. عموماً عالم اليوم مليء بالعجائب والغرائب بما يستجد من تقنيات وأجهزة عصرية قلبت الموازين وغيرت المفاهيم ونتيجة لهذه الثورة التقنية الهائلة في جميع وسائل الاتصال..
نغم:
أقبل عتبك وكل شي تقوله
لأجل الغلا كل العتب منك مقبول
|
|