تأملت حديثاً عن رسول الرحمة للناس أجمعين، عميق الدلالة والمغزى، فيه تتجلى أروع معاني العبودية والإنسانية.. روى البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد والنسائي وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قرصت نملة نبياً من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح؟!».
نبيُّ، وعتاب، ومنهج، وعبرة. فأما الفعل فمن نبيُّ، وأما العتاب الإلهي فعلى فعل عمّ أثره الكل، وأما المنهج فيقتضي ألا يعاقب الكل بجريرة البعض، وأما العبرة فإن هذه المخلوقات التي تسبح، وإن كانت نملاً أو حيواناً أو طيراً، لها في الدين شأن، فكيف لو وقع العقاب على «الإنسان» الذي خلق الله كل شيء وسخره له، وحرم قتل النفس بغير حق مشروع، وذهب إلى أبعد من ذلك فجعل قتل هذه النفس بغير حق مثل قتل الناس جميعاً، ولو كانت «نفساً واحدة»؟!.
استحضرت هذه المعاني العظيمة ونحن نسمع نبرة الرعب التي تثيرها الولايات المتحدة في المنطقة، ورموز البنتاجون يقرعون طبول الحرب.. يحركون القوات، ويكثفون الانتشار، ويستعرضون القوة، ويوظفون كل معطيات «العظمة العسكرية الأمريكية» التي قال عنها بوش في خطاب «حالة الاتحاد» أمام الكونجرس: إنها تعني استخدام الولايات المتحدة لجميع قواتها العسكرية في الحرب مع العراق!!
هذه «العظمة العسكرية» كم ستزهق من «الأنفس».. وليس النمل أو الحيوان والطير؟!
في الزمن المتبقي لاحتواء «الفتنة» ومنع وقوع «الكارثة» لا بد من الحديث عن القيم، حتى القيم التي يؤمن بها أهل الكتاب. وأن في الإسلام من قيم «العدالة» و«الإنسانية» و«الإحياء» و«الرحمة» ما يمكن أن يكون حجة للمنع أو الرفض بل والمقاومة.
«العظمة العسكرية» لا تعني سحق الأنفس، ولا المبادأة بالظلم، ولا «تعميم» العقوبة.. وإذا تجاوزت هذه «العظمة» المدى، وبلغت المنتهى في المحاسبة والمعاقبة متى تشاء ومع من تريد.. عندئذ ترتد على أعقابها خاسرة، وتقع عليها سنّة الله في البغي والتعنت والبطش والاستكبار ولن تجد لسنّة الله تبديلاً.
|