* الرياض الجزيرة:
ورد لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ المفتي العام للمملكة العربية السعودية رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والافتاء السؤال التالي: سماحة المفتي لقد كثر القيل والقال بين كثير من المسلمين حول من هو المخطئ ومن هو المصيب ومن هو المحق ومن هو المبطل واصبح البعض لا يتورع عن وصف من يخالفه في التفكير بالكفر والانحراف وغير ذلك من الاوصاف التي تزيد الفرقة والشقاق بين المسلمين افرادا وجماعات وطوائف، ونود من سماحتكم بيان حكم التكفير؟ وهل يكفي مجرد الظن والشبهة لكي نصف المخالف بأنه كافر؟.. وارجو ان يكون الجواب وافيا وشافيا نفع الله بكم الاسلام والمسلمين. واجاب سماحته «لقد تأملت السؤال فوجدته مهما إذ يتعلق بأمر خطير يترتب عليه ازهاق ارواح بريئة وتخريباً للمنشآت العامة وزعزعة الامن والاستقرار واضطراب احوال الامة، ولقد سبق ان ورد سؤال مماثل لهيئة كبار العلماء واجابت بالبيان التالي:
بيان من هيئة كبار العلماء
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه اما بعد.. فقد درس مجلس هيئة كبار العلماء في دورته التاسعة والاربعين المنعقدة بالطائف ابتداء من تاريخ 2/4/1419هـ ما يجري في كثير من البلاد الاسلامية وغيرها من التكفير والتفجير وما ينشأ عنه من سفك الدماء وتخريب المنشآت، ونظرا إلى خطورة هذا الامر وما يترتب عليه من ازهاق ارواح بريئة واتلاف اموال معصومة واخافة للناس وزعزعة لامنهم واستقرارهم فقد رأى المجلس اصدار بيان يوضح فيه حكم ذلك نصحا لله ولعباده وابراء للذمة وازالة للبس في المفاهيم لدى من اشتبه عليه الامر في ذلك فنقول وبالله التوفيق:
اولا: التكفير حكم شرعي مرده إلى الله ورسوله فكما ان التحليل والتحريم والايجاب إلى الله ورسوله فكذلك التكفير وليس كل ما وصف بالكفر من قول او فعل يكون كفرا اكبر مخرجا عن الملة، ولما كان مرد حكم التكفير إلى الله ورسوله لم يجز ان نكفر إلا من دل الكتاب والسنة على كفره دلالة واضحة فلا يكفي في ذلك مجرد الشبهة والظن لما يترتب على ذلك من الاحكام الخطيرة وإذا كانت الحدود تدرأ بالشبهات مع ان ما يترتب عليها اقل مما يترتب على التكفير فالتكفير اولى ان يدرأ بالشبهات ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الحكم بالتكفير على شخص ليس بكافر فقال «أيما امرئ قال لاخيه يا كافر فقد باء بها احدهما ان كان كما قال وإلا رجعت عليه»، وقد يرد في الكتاب والسنة ما يفهم منه ان هذا القول او العمل او الاعتقاد كفر ولا يكفر من اتصف به لوجود مانع يمنع كفره وهذا الحكم كغيره من الاحكام التي لا تتم إلا بوجود اسبابها وشروطها وانتفاء موانعها، كما في الارث سببه القرابة مثلا وقد لا يرث بها لوجود مانع كاختلاف الدين وهكذا الكفر يكره عليه المؤمن فلا يكفر به، وقد ينطق المسلم بكلمة الكفر لغلبة فرح او غضب او نحوهما فلا يكفر بها لعدم القصد كما في قصة الذي قال «اللهم انت عبدي وانا ربك» اخطأ من شدة الفرح.
والتسرع في التكفير يترتب عليه امور خطيرة من استحلال الدم والمال ومنع التوارث وفسخ النكاح وغيرها مما يترتب على الردة فكيف يسوغ للمؤمن ان يقدم عليه لادنى شبهة، وإذا كان هذا في ولاة الامور كان اشد لما يترتب عليه من التمرد عليهم وحمل السلاح عليهم واشاعة الفوضى وسفك الدماء وفساد العباد والبلاد ولهذا منع النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من منابذتهم فقال «إلا ان تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان» فأفاد قوله «إلا ان تروا» انه لا يكفي مجرد الظن والاشاعة وافاد قوله «كفرا» انه لا يكفي الفسوق ولو كبر كالظلم وشرب الخمر ولعب القمار والاستئثار المحرم، وافاد قوله «بواحا» انه لا يكفي الكفر الذي ليس ببواح أي صريح ظاهر وافاد قوله «عندكم فيه من الله برهان» انه لابد من دليل صريح بحيث يكون صحيح الثبوت صريح الدلالة فلا يكفي الدليل ضعيف السند ولا غامض الدلالة وافاد قوله «من الله» انه لا عبرة بقول احد من العلماء مهما بلغت منزلته في العلم والامانة إذا لم يكن لقوله دليل صريح صحيح من كتاب الله او سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه القيود تدل على خطورة الامر، وجملة القول ان التسرع في التكفير له خطره العظيم لقول الله عز وجل {قٍلً إنَّمّا حّرَّمّ رّبٌَيّ الفّوّاحٌشّ مّا ظّهّرّ مٌنًهّا وّمّا بّطّنّ وّالإثًمّ وّّالًبّغًيّ بٌغّيًرٌ الحّقٌَ وّأّن تٍشًرٌكٍوا بٌاللَّهٌ مّا لّمً يٍنّزٌَلً بٌهٌ سٍلًطّانْا وّأّن تّقٍولٍوا عّلّى اللهٌ مّا لا تّعًلّمٍونّ}.
ثانيا: ما نجم عن هذا الاعتقاد الخاطئ من استباحة الدماء وانتهاك الاعراض وسلب الاموال الخاصة والعامة وتفجير المساكن والمركبات وتخريب المنشآت فهذه الاعمال وامثالها محرمة شرعا باجماع المسلمين لما في ذلك من هتك لحرمة الانفس المعصومة وهتك لحرمة الاموال وهتك لحرمات الامن والاستقرار وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم وغدوهم ورواحهم وهتك للمصالح العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها، وقد حفظ الاسلام للمسلمين اموالهم واعراضهم وابدانهم وحرم انتهاكها وشدد في ذلك وكان من آخر ما بلغ به النبي صلى الله عليه وسلم امته فقال في خطبة حجة الوداع «ان دماءكم واموالكم واعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا» ثم قال صلى الله عليه وسلم «ألا هل بلغت، اللهم فاشهد» متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» وقال عليه الصلاة والسلام «اتقوا الظلم فان الظلم ظلمات يوم القيامة»، وقد توعد الله سبحانه من قتل نفسا معصومة بأشد الوعيد فقال سبحانه في حق المؤمن {وّمّن القًتٍلً مٍؤًمٌنْا مٍَتّعّمٌَدْا فّجّزّاؤٍهٍ جّهّنَّمٍ خّالٌدْا فٌيهّا وّغّضٌبّ الله عّلّيًهٌ وّلّعّنّهٍ وّأّعّدَّ لّهٍ عّذّابْا عّظٌيمْا} وقال سبحانه في حق الكافر الذي له ذمة في حكم قتل الخطأ {وّإن كّانّ مٌن قّوًمُ بّيًنّكٍمً وّبّيًنّهٍم مٌَيثّاقِ فّدٌيّةِ مٍَسّلَّمّةِ إلّى" أّهًلٌهٌ وّتّحًرٌيرٍ رّقّبّةُ مٍَؤًمٌنّةُ} فاذا كان الكافر الذي له امان إذا قتل خطأ فيه الدية والكفارة فكيف إذا قتل عمدا فان الجريمة تكون اعظم والاثم يكون اكبر وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة».
ثالثا: ان المجلس إذ يبين حكم تكفير الناس بغير برهان من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وخطورة اطلاق ذلك لما يترتب عليه من شرور وآثام فانه يعلن للعالم ان الاسلام بريء من هذا المعتقد الخاطئ وان ما يجري في بعض البلدان من سفك للدماء البريئة وتفجير للمساكن والمركبات والمرافق العامة والخاصة وتخريب للمنشآت هو عمل اجرامي والاسلام بريء منه وهكذا كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر بريء منه وانما هو تصرف من صاحب فكر منحرف وعقيدة ضالة فهو يحمل اثمه وجرمه فلا يحتسب عمله على الاسلام ولا على المسلمين المهتدين بهدي الاسلام المعتصمين بالكتاب والسنة المستمسكين بحبل الله المتين وانما هو محض افساد واجرام تأباه الشريعة والفطرة.
ولهذا جاءت نصوص الشريعة قاطعة بتحريمه محذرة من مصاحبة اهله قال الله تعالى {الناس مّن يٍعًجٌبٍكّ قّوًلٍهٍ فٌي الحّيّاةٌ الدٍَنًيّا وّيٍشًهٌدٍ اللهّ عّلّى" مّا فٌي قّلًبٌهٌ وّهٍوّ أّلّدٍَالخٌصّامٌ وّإذّا تّوّلَّى" سّعّى" فٌي الأّرًضٌ لٌيٍفًسٌدّ فٌيهّا وّيٍهًلٌكّ الحّرًثّ وّالنَّسًلّ وّاللَّهٍ لا يٍحٌبٍَ الفّسّادّ وّإذّا قٌيلّ لّهٍ اتَّقٌ اللهّ أّخّذّتًهٍ العٌزَّةٍ بٌالإثًمٌ فّحّسًبٍهٍ جّهّنَّمٍ وّلّبٌئًسّ پًمٌهّادٍ}،
والواجب على جميع المسلمين في كل مكان التواصي بالحق والتناصح والتعاون على البر والتقوى والامر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي احسن كما قال الله سبحانه وتعالى {وّتّعّاوّنٍوا عّلّى البٌرٌَ وّالتَّقًوّى" وّلا تّعّاوّنٍوا عّلّى الإثًمٌ والًعٍدًوّانٌ وّاتَّقٍوا اللّهّ إنَّ اللّهّ شّدٌيدٍ العٌقّابٌ} وقال سبحانه {وّالًمٍؤًمٌنٍونّ وّالًمٍؤًمٌنّاتٍ بّعًضٍهٍمً أّوًلٌيّاءٍ بّعًضُ يّأًمٍرٍونّ بٌالًمّعًرٍوفٌ وّيّنًهّوًنّ عّنٌ المٍنكّرٌ وّيٍقٌيمٍونّ الصَّلاةّ وّيٍؤًتٍونّ الزّكّاةّ وّيٍطٌيعٍونّ الله وّرّسٍولّهٍ أٍوًلّئٌكّ سّيّرًحّمٍهٍمٍ اللّهٍ إنَّ اللهّ عّزٌيزِ حّكٌيمِ} وقال عز وجل {وّالًعّصًرٌ إنَّ الإنسّانّ لّفٌي خٍسًرُ إلاَّ الّذٌينّ آمّنٍوا وّعّمٌلٍوا الصَّالٌحّاتٌ وّتّوّاصّوًا بٌالًحّقٌَ وّتّوّاصّوًا بٌالصَّبًرٌ} .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة قيل: لمن يا رسول الله قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم» وقال عليه الصلاة والسلام: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» والآيات والاحاديث في هذا المعنى كثيرة.
ونسأل الله سبحانه باسمائه الحسنى وصفاته العلى ان يكف البأس عن جميع المسلمين وان يوفق جميع ولاة امور المسلمين إلى ما فيه صلاح العباد والبلاد وقمع الفساد والمفسدين وان ينصر بهم دينه ويعلي بهم كلمته وان يصلح احوال المسلمين جميعا في كل مكان وان ينصر بهم الحق انه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
رئيس المجلس
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
صالح بن محمد اللحيدان- راشد بن صالح بن خنين- محمد بن ابراهيم بن جبير- عبدالله بن سليمان المنيع- عبدالله بن عبدالرحمن الغديان- د/ صالح بن فوزان الفوزان- محمد بن صالح العثيمين - عبدالله بن عبدالرحمن البسام- حسن بن جعفر العتمي - عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ- ناصر بن حمد الراشد
محمد بن عبدالله السبيل- د/عبدالله بن محمد بن ابراهيم آل الشيخ- محمد بن سليمان البدر- عبدالرحمن بن حمزة المرزوقي- د/عبدالله بن عبدالمحسن التركي- محمد بن زايد آل سليمان - د/ بكر بن عبدالله ابو زيد- د/ عبدالوهاب بن ابراهيم ابو سليمان- د/ صالح بن عبدالرحمن الأطرم.
|