فهد بن سمران الصاعدي الذي قتل في انفجار بيته في حي «الجزيرة» بالرياض مؤخراً، هو أيضاً - إفراز من افرازات أفغانستان، الذين تم شحنهم نفسياً وثقافياً وعقدياً، بحيث يتحولون إلى عبوات ناسفة لأمن واستقرار هذا الوطن، وجرى غسل أذهانهم الغضة والبسيطة والساذجة، بحيث يقتنعون أن ما يقومون به هو ضرب من ضروب العمل الجهادي تنفيذاً لتعاليم الدين الحنيف، ومكمن الخطورة هنا أن يتذرع المجرمون بالدين، وأن يصبح ترويع الناس، وقتلهم وإراقة دمائهم وتفجير ممتلكاتهم من مقتضيات التقرب إليه سبحانه، كما هو فكر التكفيريين الذين أصبحوا - للأسف - ظاهرة من ظواهر مجتمعاتنا الإسلامية الأمر الذي جعل لمثل هذه القضايا بعداً ثقافياً وعقدياً يجب التوقف عنده طويلاً..
وإذا كانت السلطات الأمنية في المملكة قد أثبتت في أكثر من مناسبة، وفي عدد كثير من القضايا، أنها تمتلك قدرات متميزة في تتبع الاجرام ومنع حدوثه، أو الكشف عن مرتكبيه بعد حدوثه، فإن هذه الجهود، على الرغم من أهميتها بالطبع، يجب أن تواكبها جهود أخرى، ومن جهات غير أمنية، إذا أردنا أن نتعامل مع مثل هذه القضايا بما يتوازى مع خطورتها على البلاد والعباد.
فرجال الأمن ليس مطلوباً منهم من الناحية الوظيفية إلا التعامل مع نتائج الاجرام بالمنع أو الردع أو الكشف، وتنتهي مهامهم عند هذا المستوى، أما البواعث والدوافع والأسباب فهي مسؤولية يجب أن يضطلع بها غيرهم، وبالذات علماء الدين ورجال الإعلام.
وكنت قد كتبت في الماضي عن ضرورة أن يقوم علماؤنا بدورهم كما ينبغي في مواجهة هذه الظاهرة، وما زلنا ننتظر أن نرى جهوداً تتناسب مع خطورة هذه القضايا التي هي كفيلة بتمزيق أمننا واستقرارنا إذا ما تهاونا في التصدي لها دينياً وثقافياً، وأرجو ألا يطول انتظارنا إلى أن يسبق السيف العذل.
أما في هذه العجالة فسأتحدث عن الجانب الإعلامي على وجه التحديد، الذي أرى أننا لم نوظفه كما يبنغي لعلاج هذه الظاهرة الخطيرة، والإعلام اليوم أصبح هو الذي يشكل ذهنية الانسان المعاصر، الذي من شأنه أن يخلق من الوعي والتبصر والإدراك، سواء لدى شبابنا أو ولاة أمورهم، ما هو كفيل بتحصينهم وتوعيتهم بما يفوت الفرصة على من يعمل لتوظيف الشباب الغض في مثل هذه الأعمال الاجرامية، خاصة أن ظاهرة تدين الشباب في مجتمعاتنا هي من السلوكيات التي يفرح بها ويبتهج لها ولاة الأمور عندما يرونها على فلذات أكبادهم، مما يجعلهم يطمئنون إلى أن أبناءهم محصنون بحكم التزامهم الديني عن الانحراف، فيكتفون بالتدين، ويركنون إليه، بينما أثبتت التجارب أن الالتزام والرغبة في التقيد بتعاليم الدين قد يستغلها الانتهازيون لتضليل الشباب الغض بذريعة خدمة الإسلام، ليصبحوا في النتيجة عجينة لينة طيعة يشكلها التكفيريون بما يتناسب مع أهدافهم ونواياهم وغاياتهم الاجرامية مثل ما حدث ومازال يحدث لكثير من شبابنا، ولا حل في تقديري إلا في التوعية،ولا بد لتفعيل التوعية وايصالها لأكبر قدر ممكن من الناس من «استراتيجية» إعلامية توعوية يتم التخطيط لها بإحكام، ويقوم بتنفيذها فريق عمل متخصص يضم خبراء اجتماعيين ونفسيين وتربويين وإعلاميين، مثلاً وليس حصراً: لماذا لا يتم انتقاء عدد من الأكاديميين المتخصصين في مجال الاجتماع، أو علم النفس، ليقوموا بحوار عينات من هؤلاء المغرر بهم، ومن ثم عرض مثل هذه الحوارات تلفزيونياً، ومعالجتها تقنياً ومضموناً، بالشكل الذي يوضح أبعاد هذه الظاهرة، وطرق وأساليب الانتهازيين في استقطاب الشباب صغار السن، وكيف يتم تجنيدهم للقيام بهذه المهام الاجرامية التي لا يقرها دين ولا تقبلها طبيعة انسان سوي، على أن يراعى في مثل ذلك ما يراعى في أي برنامج إعلامي محترف: الشد والتشويق والحصافة والموضوعية والبعد عن الخطابية وأساليب النصح والمباشرة التقليدية.
وفي رأيي أننا كلما استطعنا أن نطرح خطاباً إعلامياً موضوعياً متوازناً ومحترفاً لمعالجة مثل هذه الانحرافات، فنحن بذلك نضيف اضافة نوعية من شأنها دعم رجال الأمن في التصدي لهذه الظاهرة، وتحجيمها بما يؤدي في النهاية إلى تطويقها أملاً في اجتثاثها من مجتمعاتنا.
|