أمر في غاية السخافة أن يقال لنا إن الحرب ستكون نظيفة، وإن العمليات العسكرية الجراحية التي نشاهدها يوميا على شاشاتنا هي التي تؤسس تلك الفكرة «النظيفة»، بنفس البنود الكبيرة التي تحدتها الولايات الأمريكية والتي تريد منا احترامها!
أمر في غاية السخافة. أن نعتقد أن ثمة شعباً على هذه الأرض يمكنه الخروج إلى الشوارع سعيدا محتفلا بدخول الغزاة إلى أرضه، رافعا الرايات البيضاء والورود الحمراء، فاتحا ذراعيه مستقبلا إياهم بالقبلات، والهتافات!
أمر في غاية السخافة أن تحشد قوة عظمى جيوشها متحالفة مع قوى أخرى لشن الحرب على دولة واحدة، لأجل تحريرها من نفسها!أمر في غاية السخافة أن تقتل دولة عظمى العشرات، بل المئات من شعب دولة أخرى، بحجة إنقاذه من نظامه.. أمر سخيف أن تظن تلك القوة العظمى أن دخولها إلى أراضي دولة كالعراق سيكون سهلا، بل وتافها.. لعبة أطفال كما قال لنا «دونالد رامسفيلد» أول مرة قبل أن يتراجع محملا جنرال آخر سخافة الاعتقاد أن الحرب ما هي إلا لعبة أطفال على الطريقة الأمريكية !
أمر في غاية السخافة أن يتحول الإعلام إلى فضاء للأكاذيب.. للتجاوزات أيضا، وللضحك على الناس، على العالم.. وزير الدفاع الأمريكي اعتبر أن العراق تتحدى العالم، لأن الجيش العراقي اعتقل العديد من الأمريكيين «المحررين» وأكثرمن ذلك فإن الشعب الذي قيل إنه سيكون أول من يتخلى عن رئيسه سيقف في نفس الخندق مع المحتلين، هو نفسه الذي يقاوم اليوم، ليس لأنه يتمسك برئيسه، بل لأنه يرفض الغزو.
أمر سخيف جدا أن تعتبر الإدارة الأمريكية الدفاع عن الأرض إرهابا، فعلت ذلك من قبل حين اتهمت الفصائل العسكرية الفلسطينية بالإرهاب لأنهم يدافعون عن أرضهم، أو على ما تبقى من أرضهم، الأمريكيون لا يريدون من يعارضهم، من يقول لهم «لا» .. لهذا السبب ينظرون إلينا كفرنسيين كما لو كنا نحمل الطاعون في دمنا، يكرهوننا في قرارة أنفسهم هؤلاء الذين يتاجرون بالحرب في كل مكان من هذه الأرض. يكرهون وجوهنا الفرنسية ولغتنا والجبن الأحمر و الشراشف الحريرية الفرنسية والعطور الفرنسية التي باتت تثير غثيانهم. لهذا يريدون أن يستمروا في طريقهم، لا أحد يملك حق توقيفهم أو حتى سؤالهم «ماذا تفعلون؟».
أمر سخيف حقا، كل تلك المغالطات ! الأمريكيون. النسور كما يسميهم البنتاجون.. هؤلاء النسور يقعون أسرى، على الرغم من المعركة الإعلامية التي شنتها الإدارة الأمريكية قبل وأثناء الحرب لتحقير العراقيين ورسمهم كما لو كانوا مجرد فئران تجارب، لكن الأيام التي تصدى فيها هؤلاء العراقيون طرحت أكثر من سؤال: «هل أخطأت الإدارة الأمريكية في إعلانها الحرب على العراق؟».
من الناحية الاستراتيجية كل الدلائل تشير إلى أن إدارة بوش كانت ستشن الحرب على العراق آجلا أم عاجلا، وأن جورج بوش نفسه يتخذ الحرب ( بخطتها الهجومية المعتقدة قبل الحرب) كحملة انتخابية قبل الاوان، لتمرير رسالة البقاء إلى الشعب الأمريكي الذي فقد الثقة في مؤسساته الرسمية بالخصوص بعد أحداث سبتمبر عام 2001، الآن، يشعر الجنود أنهم وضعوا في ورطة سياسية وعسكرية كبيرة، أمام العالم الذي يبدو متشفيا من جثثهم، قبالة كل الأصوات الرافضة للحرب، بمن فيها صوت البابا يوحنا بولس الثاني الذي قال لبوش أوضح كلمة: «سيحاسبك العالم أمام الله على كل قتيل يسقط في العراق».
أمر في غاية السخافة، أن يتكلم الأمريكان عن الشرعية وحقوق الإنسان والأعراف الدولية حين يتعلق بالأسرى.. أن يشعر أي إنسان منا برغبة في الغثيان أمام تلك الهيمنة غير المبررة، والتي تريد من العالم أن يكون مجرد «كورس» في فرقة فاشلة تابعة لها.. ربما حين تعبرنا صور الأسرى في «غوانتانامو» وهم مقيدو الأيدي إلى الخلف، داخل أقفاص لا تليق بالحيوانات نفسها، فما بالك بالإنسان. أمريكا اعتبرت هؤلاء الرجال «خارج القانون»، لأنها اتهمتهم بالإرهاب، ولأنهم ليسوا أمريكيين! هذا بالضبط ما يشعرنا بالقرف، عندما تتصادم المصالح الأمريكية مع الأعراف، وعندما يحاول شخص مثل «كولن باول» إعطاءنا درسا في الأخلاق ! أليس ذلك بالأمر السخيف؟ بالخصوص أمام شعورنا جميعا بأننا كنا على حق، منذ اعتبرنا الدفاع عن السلام أمرا مصيريا. ليس لأجل النظام العراقي.بل لأجل الشعب العراقي والشعوب التي تستحق الحياة لأنها أثبتت أنها جديرة بالاحترام كالشعب الفلسطيني الذي يتعرض للقتل بينما العالم يراقب كيف نهاية المقاومة العراقية .. صدقوني أنه أمر في غاية السخافة ما يجري !
(*) «لهيومانيتيه» الفرنسية
|