يحاول النظام الصحي جاهداً تقديم الرعاية الصحية لجميع سكان هذه البلاد، ويحاول جاهداً أن يحافظ على مستوى هذه الرعاية، وأن تكون متوفرة ميسرة للجميع، ولكن محاولة توفير الصحة للجميع شابها ما شابها مما أفرز لدينا نوعين من المرضي، المريض البطران، والمريض الغلبان وإليكم بعضا من ظواهر هذه الطبقية.
المريض البطران: لا يحتاج أن ينتظر حتى يأتي موعده إنها عدة مكالمات ويحدد له الموعد المناسب مع الطبيب الذي يختاره، بينما المريض الغلبان يريد أي موعد ولكن لا حياة لمن تنادي المريض البطران مريض ملول.. ضجور، يكثر التنقل بين الأطباء وحتى المستشفيات لا تستغرب إذا ما أعيدت له فحوص الرنين المغناطيسي والتصوير المقطعي أو كررت له فحوص مخبرية باهظة التكلفة والتحضير، وكل ذلك من أجل إرضاء السيد سكند أوبنين «Second opinion» وجهة نظر ثانية، والتي من أجلها أهدرت موارد عزيزة حرم منها كثير من الفقراء.
المريض البطران ينام في غرفة خاصة أو سويت فندقي والذين لا يستوعبون المعنى المقصود بغرفة خاصة في بعض مستشفياتنا إنها غرفة واسعة بها تليفون دولي مباشر. وبها جناح أنيق لاستقبال الزوار، وتحت تصرفك مطعم يلبي طلباتك الغريبة وطلبات زوارك ومرافقيك. قارن هذا بغرفة لمريض غلبان تكييفها يئن أو لا يعمل.
المريض البطران يسافر عادة على نفقة المستشفى وربما كان في معيته ممرض أو طبيب، المستشفى في أمس الحاجة لخدماته وكثيراً ما يكون السفر في إجازة الصيف حيث العلاج والابتهاج. أما المريض الغلبان فيسافر من قريته إلى المدينة على حسابه ويسكن في شقة مفروشة على حسابه وقد يقابل الطبيب أو قد لا يقابله.
المريضة البطرانة تلد في جناح مجهز للولادة ويتابع ولادتها قابلة بشوشة مبتسمة، ويتلقى الطفل طبيب أطفال كفؤ، أما المريضة الغلبانة فتلد في أسياب المستشفى المظلمة أو في مواقف المستشفى.
المريض البطران يجري عمليات تجميلية وتكميلية مجانا ليزك ليتخلص من عبء النظارة وتقشير جلد لزوجته لتبدو أكثر نضارة، وربطم معدة لحماته المنتفخة، وشفط دهون لابنته الكبرى. أما المريض الغلبان فينتظر أشهر لكي تجري لوالده عملية ماء أبيض عليه أن يشتري من جيبه قيمة العدسة اللازمة للعملية أو لكي يجري لحماته عملية إزالة المرارة التي أذاقتها حقا مرارة العيش. أو ليكسر حصى في كليته التي تكسرت قدميه ذهابا وإيابا حتى وصل إلى الكسارة المناسبة.
إذاً نحن أمام طبقية جديدة ينقسم فيها المرضى إلى بطاري وطفارى.. إلى غلبانين وغالبين. ما هو الحل لتحقيق العدالة الاجتماعية بين المرضى خصوصا أن من سميناهم بطرانين لم يفعلوا ما فعلوا عن أنانيه أو أثرة وحب استفراد بالمنافع، المشكلة أن نظامنا الصحي وطريقة تقديمنا للرعاية الصحية صممت بهذا الشكل فيستفيد الوجيه أو صاحب اللسان الطويل أو الذراع المفتولة من الرعاية أكثر مما يستفيد منها الضعيف صاحب الصوت المخنوق واللسان الساكن واليد المرتعشة.
ترى هل يرضى أحد على الأقل نظرياً أن توزع أموال الضمان الاجتماعي على الأغنياء ويترك الفقراء؟ الجواب بالتأكيد بالنفي، ولكن النظام الصحي يقدم الرعاية المحسنة للأغنياء والرعاية الأقل للفقراء.
كم أتمنى أن تخصص ندوة لمناقشة هذا الموضوع، كيف نوزع الخدمات الصحية توزيعاً أكثر عدلاً وشمولية؟ كيف نجعل الجميع متساوين في الحقوق ضعفاء وأقوياء، بل أتمنى أكثر من ذلك، كيف نقدم الضعيف على القوى، والفقير على الغني، والغلبان على البطران، فلا تفلح أمة لا ترحم ضعيفها، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم «أبغوني الضعفاء فإنما تنصرون بضعفائكم».
اللهم هل بلغت.. الله فاشهد.
|