|
|
تختلف الرؤية للحدث من صحيفة لأخرى كما هي أيضا من قناة فضائية لأخرى، ولعل القارئ والمشاهد قد لاحظ هذا الفرق الشاسع بين وجهات النظر لعرض حرب العراق بين «المتنافسين» في المجال الإعلامي، بالنسبة لي أحسست أن تنقلي بين القنوات التلفازية والصحف اليومية يشابه إلى حد كبير النظر في كتالوج يضم جميع درجات الألوان بداية من اللون الأسود القاتم انتهاء بالأبيض الناصع. أستغربت كثيراً بعد مضي 10 أيام على الحرب أن جميع القنوات والصحف لا تستقطب محللين ولا تنشر مواضيع لا تتفق مع وجهة نظرها في هذه الحرب.. حتى بعض القنوات التي تزعم أنها تعبر عن جميع الآراء لم أشاهد من بين محلليها وضيوفها من يؤيِّد الحرب، فالجميع رافضون وناقمون، بل في بعض الحالات شاتمون لجميع العرب بلا استثناء. بعض القنوات فاقت في تبنيها لآرائها أصحاب القضية أنفسهم على الطرفين، ونحن نعتبر أنفسنا في قلب الحدث! الحدث الحقيقي هنا هو الشعب العراقي الذي نراه على جميع القنوات بدون استثناء، نرى منهم الأموات والجثث المشوهة.. نرى منهم المجروحين في أجسادهم وعروبتهم ودينهم. منذ بداية هذه الحرب لم أر مشهداً واحداً حقيقياً يعبر عن الوضع الذي يجب أن يتفق الجميع عليه إلا تلك السيدة العراقية المجهولة التي بثت مقابلتها في قناة أبوظبي الفضائية يوم الجمعة 26 محرم 1424هـ الموافق 28 مارس 2003م. تلك الأم والزوجة والمواطنة مدرسة اللغة العربية تحدثت بصدق عن الذي يجب أن نعيه ونفهمه جميعاً بعيداً عن تدرج الألوان بين الأسود والابيض. هي لم تتحدث عن الحكومة العراقية ورئيسها ولم تتطرق للرئيس الأمريكي وفريقه، تحدثت فقط عن معاناتها منذ خرجت لهذه الدنيا على أرض العراق الطاهرة مروراً بجميع حروب «الخليج» كما عودونا على تسميتها على الرغم من أنها تستحق لقب حروب «الدمار» بجدارة، فالخليج منطقة طاهرة وشريفة لا تستحق أن يطلق اسمها على حروب دموية فتاكة لم يستفد منها إلا الغرباء. فازت قناة أبوظبي من وجهة نظري في تغطية الحرب بعرضها لتلك العراقية المجهولة الهوية، فحديث هذه السيدة لامس قلوب الجميع كما لامس كبد الحقيقة وأسقط الدموع تباعاً من دون الحاجة إلى مناظر الدم والطائرات والصواريخ والتهديد والمؤتمرات الإعلامية.. إلى آخر قائمة ما يعرض في التلفزيونات وما يكتب ويسجل في الصحف. الشعب السعودي والعربي والعالمي ليس بحاجة إلى تلك المشاهد ولا إلى أولئك المحللين الأفذاذ ليخبروهم ويقودوهم إلى الطريق الصحيح والفهم الواضح لهذه الحرب. لسنا بحاجة الى متابعة ما بعد «الفاصل» الإعلاني أو الحربي لنعرف ماذا يجري في العراق الشقيق. كما أننا لسنا بحاجة الى الشعارات والمظاهرات التي تحولت لدموية لا تنقصنا فمذابح فلسطين في السابق والعراق حالياً تكفينا. لسنا بحاجة إلى من يخرج على شاشات التلفاز أو موجات الراديو أو مقالات الصحف ليعطينا درسا مجانيا لفهم ما يجري في العراق. ليكن شعارنا واحداً وليكن بعيداً عن السياسة والعسكرية لنضع شعارنا تلك المرأة العراقية فماذا نخسر لو وضعنا بدلاً من تلك الفواصل الغنائية والدعائية لحرب العراق مقابلة تلك السيدة والأم.. لدينا الإمكانيات لترجمة حديثها بجميع اللغات لإيصال صوتها والحقيقة لجميع شعوب العالم. |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |