لا يشك أحد في أن الإعلام يمثل مصدر قوة للدول، فهي تستخدمه وقت السلم كما تستخدمه وتستفيد منه وقت الأزمات، ولذلك تحرص دول العالم - مهما اختلفت توجهاتها - على العناية باعلامها وتحاول أن تسخره - مهما تباينت إمكاناتها - لخدمة قضاياها.
فالإعلام له قدراته وتأثيراته في السياسات الداخلية والخارجية للدولة، حتى إنه يشكل بدرجة كبيرة توجهاتها ويعكس واقعها، ويعطي صورة عما تسعى اليه الدول في المستقبل.
وفي هذا العصر الذي نُعايشه: عصر التقنية، عصر الفضاء المفتوح، عصر التقدم التكنولوجي، عصر التواصل الثقافي والحضاري بفعل تقدم وسائل الاتصال. في هذا العصر ظهرت معطيات كثيرة اختصرت فيها المسافات، وتعددت مشارب الثقافات وظل التسارع نحو المعلومات ونحو الأخبار هو سمة العصر. وفي ظل هذه المتغيرات وغيرها تحركت ساحة الصراع الدولي وأخذت تشهد كل جديد يُدهش المتابعين ويشد انتباه المتخصصين والمهتمين، وأصبح الإعلام في سباق مع هذه المستجدات، سباق محموم يريد كل إعلام أن يفوز فيه بالسبق الصحفي والتميز الإعلاني والجذب الجماهيري، ومحاولة الظهور بالصدق والجدية، والشفافية والإثارة والموضوعية، والتفرد في النشر وما إلى ذلك مما تحفل به خارطة العمل الاعلامي، ومصطلحات البرامج الاعلامية في كل مكان.
وفي هذا الخضم الرهيب الممتلىء بالمتغيرات والسباق في حلبة الصراع الاعلامي تضاعفت مسؤوليات وزارات الإعلام والمؤسسات العاملة في مجال الإعلام - بمفهومه الواسع - واشتد الصراع وتزايدت المنافسة حتى صارت بعض وسائل الإعلام ومحطاته مصدراً مهماً وبارزاً في هذا التنافس، وأصبحت الدول تنظر إلى الإعلام الخاص بها اليوم على أنه - وبحق - مصدر قوة لها أكثر من أي وقت مضى، ومن أجل تحقيق هذه القوة وامتلاكها في أقصى درجاتها وأعني عنفوانها، توجَّهت بعض وسائل الإعلام في العالم نحو استخدام واصطناع وسائل الجذب والاثارة فخاطبت غرائز الشباب، وعواطف المشاهدين، ونحَّت عقولهم جانباً، وافتعلت المعارك الإعلامية، وكثر فيها القيل والقال وكثرة السؤال، وظنَّ البعض أن هذا هو الإعلام المتميز، في الوقت الذي يجب على الإعلام المتميز أن يبني ولا يهدم، ويوحِّد ولا يفرِّق، ينتج نفوساً كباراً، وضمائر يقظة، وعقولاً مستنيرة، ويكون له دوره على الفرد والمجتمع.
إن هذه المواقف تثير في النفس - ونحن نجتاز مع العالم هذه المراحل المعروفة والحاسمة العديد من مشاعر - الفخر والاعتزاز باعلامنا السعودي، وتلك المشاعر لا تتولد لانتمائي إلى وزارة الإعلام بحكم العمل الوظيفي فقط بل كمواطن يتابع إعلام بلده وما أصبح عليه من تميز في ساحة الإعلام المعاصرة.
فمن نافلة القول: ان الإعلام السعودي لابدَّ أن تكون له خصوصيته، وأن يصبح له تميزه، فهو إعلام لبلد شاءت إرادة الله أن تكون في أرضه قبلة المسلمين في كل مكان، وأن يحتضن الأراضي المقدسة التي يفد إليها الحجاج كل عام، والمعتمرون على مدى أيام الدهر، كما يوجد على أرضه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تشد اليه الرحال، وقد شهدت أرضه هبوط النور السماوي ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن الله.
فهل أرض هذا هو شأنها؟ ودولة هذا هو مقدارها وتلك هي مكانتها تستطيع ان تدخل حلبة التسابق الاعلامي بنفس تلك المعايير التي يزدحم بها فضاء الإعلام اليوم مما نشهده أو نسمعه أو نقرؤه من أمور جعلت الإعلام مليئاً بالغث أكثر وبالمفيد أقل. وهل يستطيع إعلام المملكة أن يتنازل عن المبادىء أو يتخلَّى عن الأسس؟ بالطبع لا وألف لا؛ فالمسؤولية التي تقع على وزارة الإعلام كبيرة وعظيمة ولابد أن تكون خططها وبرامجها متلائمة مع عظمة هذه المسؤولية التي تفرضها عليها طبيعة المكانة المتميزة للمملكة.
والمتابع للإعلام السعودي لا يجد مشقة في الوقوف على ما يتصف به من التزام وموضوعية وصدق، كما يجد وبكل سهولة ما يؤكد أنه إعلام هادف ومؤثر ووسيلة بناء ومنهج تربية وأداة تثقيف تجعل للمشاهد والمتابع والقارىء والمستمع قنوات تواصل مع الجديد المفيد والأصيل المبدع الذي يبني النفوس ويربي الأخلاق ويُشعر الانسان بكرامته وتميزه على سائر المخلوقات.
لا يعرف الإعلام السعودي إسفافاً أو إسرافاً أو تلاعباً بالعواطف، ولم يتطرق إليه رغبة في إثارة كاذبة، أو تلفيق مقصود، أو تقطيع أواصر أو إثارة كراهية، بل هو وسيلة لتربية وأداة للبناء، بناء الانسان المعتز بدينه، المنتمي لوطنه، المتمسك بمكارم الأخلاق.
فتحية لإعلامنا السعودي الذي ينتج نفوساً كباراً وضمائر يقظة وعقولاً مستنيرة، وتحية له وهو يجتاز - باشراف وتوجيه ومتابعة وبجهود مخلصة من رجاله - يجتاز مراحل مهمة، وهو أكثر ثباتاً على المبادىء ورسوخاً في الحق وفاعلية في التأثير والبناء.
{وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنين}
|