قبل أيام نشرت جريدة «صن» البريطانية في صفحتها الأولى صورة جندي كتبت تحتها عبارة: وقع أسيرا بين أيدي البرابرة ! كان واضحا أن ذلك الجندي بريطانيا وأن الجريدة الأكثر انتشارا في بريطانيا تستعمل أسلوبا ناريه للحديث عن الحرب ولتحليل «دموية» العراقيين الذين يعاملون البريطانيين والأمريكيين بكل قسوة مع أن هؤلاء جاؤوا إليهم لتحريرهم من نظام ديكتاتوري فاسد! وجه جلي وواضح من أوجه التمييز العنصري الذي وقعت فيه هذه الجريدة بالذات قبل بداية الحرب وأثناءها.
الحرب بالنسبة للبريطانيين مسألة توازن حتمية في المنطقة تقول الجريدة.
لكن.. أي توازن هذا الذي تقصده؟ صورة البريطاني التي نشرتها الجريدة في الصفحة الأولى أثارت الجدال على أكثر من جهة ربما صبت أغلبها في اتفاق مبدئي على أن الحرب على العراق هو المطلب الأكبر في زمننا هذا لأن التخلص من الجيش العراقي يعني عودة الأمن و الطمأنينة إلى النفوس هذا تحديدا ما يقوله الرئيس الأمريكي نفسه حين يطلب من الله أن يحمي أمريكا وينصرها على الإرهابيين.
الجريدة البريطانية تعتبر كل من يحمل السلاح بغير حق إرهابيا و هذه حقيقة نقرها بل وندافع عنها بقوة و لهذا يجب أن تكون لدينا الشجاعة كي نقول إن ما يفعله البريطانيون في العراق هو الإرهاب أيضا. بنفس الصيغة التي تم تعريف الإرهاب على أساسها حمل السلاح بغير الحق لأن إعلان الحرب على دولة بحجة تحريرها وتهديد أمن دول أخرى بنفس المصير هو الإرهاب بعينه .. ولأن تجويع شعب بحجة معاقبة مقاومتهم هو الإرهاب .. و لأن إطلاق النار على النساء والأطفال بحجة أنهم انتحاريون. والمقصود هو المقاومين هو الإرهاب.
ولأن، وهذا الأهم، تلويث المياه الصالحة للشرب، وقصف مخازن الغذاء في الناصرية هو الإرهاب أيضا..
ما نراه أن الجنود البريطانيين والأمريكيين يهينون الشعب العراقي يوميا في نقاط التفتيش يجبرونهم على رفع الأيادي بالساعات كما يجبرون النساء على الخضوع للتفتيش الدقيق
هذا ما قاله الصحفي الأمريكي بيتر أرنت الذي تعرض للفصل من عمله بسبب حقائق لايمكن تقبلها في ظروف كهذه الظروف ( كما قال الجيش الأمريكي ) ربما من خلال شهادة حية كتلك الشهادة التي جاءت من فم صحفي عايش اللحظات الأولى من الحرب يمكننا فهم أشياء مهمة أولها أن أسلوب الحرب يبدو غير منطقياً وهي القناعة التي لايمكن ربطها مطلقا بعملية التحرير التي تدعي القوة العظمى أنها تقودها في العراق.
عبارة «البربرية» التي تستعملها الصحف البريطانية كثيرا تعكس الحالة النفسية والفكرية لكتابها الذين يحاولون التملص من الواقع بالكلمات العنيفة في جل الأحوال من السهل وصف أحد لايستقبلك بباقة ورد بأنه «بربري» وغير متحضر لأنه أيضا يدافع عن نفسه عن بيته عن تاريخه كيف يمكن وصف أسير بريطاني بأنه وقع بين أيدي البرابرة بينما يقال ان أكثر من 5000إرهابي عراقي وقعوا تحت الأسر! طبعا في لغة «شكسبير» ثمة تباين بين الأسير والشرير! فالبريطاني أو الأمريكي يسمى أسيرا يجب أن يعامله العدو وفق اتفاقية جينيف والشرير العراقي يجب ضربه على قفاه.. يا لها من حرية تعبير مدهشة !
يستوقفني مقال كتبه الصحفي الصيني الكبير «هوشي كين سون» بعنوان: سيدفعون الثمن غاليا.. كتب فيه جملة ضخمة مفادها: « سيأتي يوم تجد فيه أمريكا نفسها أمام شعوب العالم.. يطالبونها فيها بدفع ثمن كل الجرائم التي ارتكبتها باسم الإنسانية !
طبعا الأمريكيون لا يحبون هذا النوع من الكلمات الواضحة مع أنهم يثيرون في العالم أكثر من هذا التعليق، لا علينا! نحن الفرنسيين أصبحنا قبالة المدافع الإعلامية لأكثر من بلد هذا تعودنا عليه حتى تهمة «قرود أوروبا» تعودنا عليها لا يعنينا ذلك لأننا ربما لأول مرة اتخذنا الخطوة الصحيحة برفض تحمل مسؤولية مجزرة تقوم الآن بشكل يومي..لا نشعر كفرنسيين أننا نتحمل ذنب ما يجري لأننا ببساطة لم نفعل شيئا ! ولا حتى الدفاع عن أنفسنا !
(*) لونوفل أوبسرفاتور -الفرنسية
|