* القاهرة مكتب الجزيرة عبد الله الحصري:
في خطوة منها لجر المنطقة العربية والشرق الأوسط إلى الحرب الدائرة في العراق اتهمت أمريكا كلاً من سوريا وإيران بمساعدة العراق في الدفاع عن نفسها ضد أمريكا وبريطانيا ثم ألقت بشكوك حول مساعدة الأردن أيضا للعراق..
وكان رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي قد أعلن يوم الجمعة الماضية ان لدى واشنطن معلومات حول «شحنات من المعدات العسكرية عبرت الحدود من سوريا إلى العراق» موضحا ان هذه المعدات تتضمن نظارات للرؤية الليلية، محملا الحكومة السورية المسؤولية عن ذلك.
وفي كلمة ألقاها كولن باول وزير الخارجية الأمريكي في لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك) وهي منظمة يهودية ذات نفوذ كبير في واشنطن، دعا سوريا إلى الاختيار بين دعم المجموعات الإرهابية ونظام صدام حسين المتهالك، على حد تعبيره، أو انتهاج طريق مختلف فيه مزيد من الأمل.
وأضاف باول انه مهما يكن خيار سوريا فإنها تتحمل مسؤولية هذا الخيار والعواقب المترتبة عليه.
وقال باول أمام مؤتمر إيباك إن الولايات المتحدة تراقب «الدول التي لا تلتزم بأنماط سلوك مقبولة» في إشارة منه إلى الدول العربية والإسلامية في الشرق الأوسط في إطار الحرب على الإرهاب التي بدأتها بعد هجمات 11 سبتمبر عام 2001.
وأعاد وزير الخارجية الأمريكي التأكيد على خط بلاده المتشدد إزاء إيران وقال إن الوقت قد حان للمجتمع الدولي كله كي يصر على أن تتوقف إيران عن دعمها للإرهاب.
وأضاف انه «يجب على طهران أن تكف عن السعي للحصول على أسلحة دمار شامل وسبل إنتاجها».
وقد سبق لوزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد أن وجه في إطار مزاعمه بشأن شحنات السلاح العسكري السوري للعراق الأسبوع الماضي، تحذيرا شديدا إلى إيران زاعما أن «مئات» من الشيعة العراقيين المسلحين المعارضين لحكومة الرئيس صدام حسين ممن دربتهم إيران ومولتهم موجودون في العراق.
وقال إن القوات الأمريكية ستعتبر هؤلاء الشيعة من أعضاء فيلق بدر «خصوما» على الرغم من أنهم لم يبدوا حتى الآن نوايا معادية لقوات الغزو التي تقودها الولايات المتحدة.
سوريا ترد بقوة
وردا على المزاعم الأمريكية وصف فاروق الشرع وزير الخارجية السوري الحرب التي تقودها الولايات المتحدة وبريطانيا على العراق بالاحتلال.
وقال في خطابه أمام مجلس النواب السوري: «إن الوضع يختلف الآن عما كان عليه في عام 1990 حيث كان هناك غزو لبلد عربي من قبل بلد عربي، بينما الآن هناك احتلال أجنبي لبلد عربي أنهكه الحصار».
وأضاف أنه كان بإمكان واشنطن أن تلجأ إلى حل أزمة العراق سلميا لكنها اختارت القوة متجاهلة تاريخ المنطقة وثقافتها وحضارتها، واتهم الشرع الولايات المتحدة بارتكاب عمليات قتل وتدمير بحق الشعب العراقي في الوقت الذي بنت فيه هجومها وخططها على ادعاءات ومزاعم بتحرير العراق.
وقال إن الرأي العام العربي والعالمي لا يمكن أن يرى الولايات المتحدة إلا في موقع المعتدي رغم محاولتها إقناعه بأنها تدمر العراق باسم الشرعية الدولية، وأشاد الشرع بالمقاومة العراقية في التصدي للغزاة، وشبهها بالمقاومة اللبنانية التي أرغمت جيش الاحتلال الإسرائيلي على الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000 بعد 22 عاما من الاحتلال.
صفعة قوية لرامسفيلد
وفيما يعد صفعة قوية لرامسفيلد أكد الجنرال فنست بروكس أحد كبار قادة القوات الأمريكية أن القوات الأمريكية لم تصادف حتى الآن أي عراقي في أرض المعركة يحمل نظارات للرؤية الليلية والتي قال وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد إنها ربما تكون قد وصلت إلى العراق عبر سوريا.
وقال فنست للصحفيين في مركز القيادة الأمريكية البريطانية الأمامية التي تدير الحرب على العراق في السيلية «لم نر إلى الآن أية نظارات للرؤية الليلية بحوزة العراقيين الذين صادفناهم في ارض المعركة».كما نفى العراق أنه يتلقى مساعدات عسكرية من سوريا، حيث قال طه ياسين رمضان نائب الرئيس العراقي «إنها كذبة من قبل العدو لتبرير توقف تقدمه في هجومه البري».
وفيما يتعلق بإيران فقد حمل رامسفيلد طهران مسؤولية تحرك جماعات المعارضة العراقية الشيعية، التي تتخذ من ايران مقرا لها، داخل الحدود العراقية، وحذر إيران من مغبة إدخال قواتها إلى الأراضي العراقية أثناء الحرب الحالية، مشددا على ان القوات التي تتزعمها الولايات المتحدة ستعامل عناصر الجيش الإيراني في العراق على أنهم مقاتلون.
وردا على هذه الاتهامات اكد متحدث باسم الحكومة الايرانية في طهران ان بلاده تحافظ على حيادها في الحرب، وانها غير مسؤولة عن تحركات جماعات المعارضة الشيعية العراقية التي تتخذ من ايران مقرا لها، حيث تخضع هذه الجماعات لسلطة الحكومة الايرانية، وهو ما يعني انه من غير الممكن ان تتحرك هذه الجماعات على الحدود بدون الاتفاق مع القادة الايرانيين.ومن جانبها أكدت إيران أن جيشها في حالة استنفار قصوى.
سيناريو «احتواء» سوريا ثم «الهجوم الوقائي» عليها
وليس الاتهام الأمريكي لسوريا بدعم العراق مجرد اتهام عادى، بل إنه اتهام مقصود حيث تسعى أمريكا من ورائه إلى ضرب سوريا وهو ما كان بوش قد لمح به قبل العدوان على العراق، ففي الشهر قبل الماضي تسرب نص تقرير البنتاجون الذى تحدث عن أزمة العرب وقال إنها وصلت إلى مناطق أخرى، مثل الهجوم الإرهابي على أمريكا، الذى يعد ظاهرة ستستمر عشرات السنين، مشيرا إلى أن أمريكا هي الوحيدة القادرة على وقفها. وقد تم تقديم التقرير إلى مجلس سياسة الدفاع، التابع لوزارة الدفاع الأمريكية، الذي يرأسه ريتشارد بيرل، المنحاز جداً نحو إسرائيل.
والتقرير له صلة بتقرير آخر كتبه، قبل فترة، ريتشارد بيرل نفسه عنوانه «تحوّل واضح: استراتيجية جديدة».
وملخص التقرير: أنه لا بد من تغيير كامل في العالم العربي، برعاية أمريكية، وبالنسبة لسوريا، وفلسطين، يكون التغيير بمساعدة إسرائيل، ونصح التقرير باستراتيجية «الضربة الوقائية» الأمريكية التي أعلنها الرئيس بوش، والتقرير له صلة بمشروع قانون «محاسبة سوريا» الذي يناقشه الكونجرس، وله صلة بالتصريحات الصحفية بأن سوريا تأتي بعد العراق في استراتيجية التخلص من الحكومات المارقة.
السيناريو الفلسطيني
يؤكد التقرير على ضرورة اتخاذ خطوات جديدة تقوم بها إسرائيل لإيجاد حل نهائي للمشاكل مع العرب عامة، ومع الفلسطينيين خاصة، تتلخص في أن تلغي إسرائيل شعارات: «عملية السلام» و«السلام الشامل» و«الأرض مقابل السلام»، وتستبدلها بشعارات: «السلام مقابل السلام» و«سلام القوة» و«ميزان القوى»، وأن تلغي إسرائيل استراتيجية «التفوق» على الدول العربية عسكرياً، وتستبدلها باستراتيجية «السيطرة» على الدول العربية عسكرياً، وإعلان خطة «الضربة الوقائية» ضد الفلسطينيين، على غرار خطة «الضربة الوقائية» التي أعلنها بوش، أيضاً.
ويقول التقرير: «يجب أن تعتبر إسرائيل القوات السورية في لبنان خطراً على أمنها القومي، وبالتالي يحق لها ممارسة استراتيجية «الدفاع عن النفس» التي تشمل خطة «الضربة الوقائية» وذلك كالآتي:
أولاً: تستهدف إسرائيل غازي كنعان، مسؤول الاستخبارات السورية في لبنان، كرمز للوجود السوري في لبنان، وأيضاً، تحمله مسؤولية زراعة وتجارة المخدرات وصناعة الدولارات الأمريكية المزوّرة.
ثانياً: تتحرش إسرائيل بقوات «حزب الله» ليزداد الوضع توتراً، وتنذر سوريا بأنها ستتحمل عواقب أي عمل يقوم به «حزب الله» من سوريا أو من لبنان.
ثالثاً: تقول إسرائيل إن سوريا تستعمل «حزب الله» كأداة لضربها، لهذا فإنها ستؤسس «قوات خاصة» من داخل لبنان، كأداة لضرب سوريا.
رابعاً: إذا تطورت المواجهة العسكرية بين سوريا وإسرائيل، تقوم الطائرات الإسرائيلية بضرب المواقع السورية في لبنان، وإذا تطورت المواجهة أكثر، تضرب الطائرات الإسرائيلية مواقع داخل سوريا نفسها..».
وفق هذا السيناريو، ستكون إسرائيل شبه متأكدة من أن سوريا لن تقدر على مواجهتها، ليس فقط بسبب الفارق العسكري، بل، بسبب عوامل جغرافية استراتيجية، منها: احتمال تقسيم سوريا، إذا أعيد رسم خريطة دول الشرق الأوسط، وانفلات لبنان من القبضة السورية أمام هذه الأخطار الخارجية، وعودة النفوذ التركي بطريقة غير مباشرة.
الحرب الوقائية
إن إقرار إدارة بوش لمبدأ «الحرب الوقائية» هو اعتراف بوجود مخاوف حقيقية من ضربة جديدة للولايات المتحدة، وهي مخاوف تتضح من: رفع درجة التأهب الأمني داخل الولايات المتحدة إلى اللون البرتقالي (بعده الأحمر ويعني حالة الحرب) يوم 11سبتمبر 2002 أي بمناسبة الذكرى الأولى للحوادث والسرعة الخارقة لانتشار أية شائعة أو خبر يتعلق باحتمال حدوث أي عمل إرهابي في أي مكان.
وفي نوفمبر 2001 سقطت طائرة أقلعت من مطار نيويورك فغادر نصف مليون من السكان مدينتهم خلال ساعتين من الإعلان عن الحادث خشية أن يكون عملا إرهابيا وإصرار بوش على إنشاء وزارة الأمن القومي بتكلفة 37 مليار دولار، بسبب خوفه من تكرار الهجمات على أمريكا، ولذلك يمكن القول بأن المخاوف الأمريكية قد بلغت مرحلة الخوف من الخوف، وهو ما يفسر التهوّر الأمريكي في الهجوم على أفغانستان وبعدها الإصرار على ممارسة القوة في العراق ثم التهديد الحالي لكل من سوريا وإيران.
سيدتان إيرانيتان تمشيان في أحد شوارع خور أم شهر المدينة التي أغلقت منافذها أمام العراقيين خوفا من تدفق اللاجئين
|