لقد كان وَقْع الأسئلة التي أطلقها الطفل الصغير إلى أبيه قاسياً، وكانت الإجابة عنها صَعْبةً على نفس الأب إلى حدٍّ كبير، وإنه ليشعر بالحرج أمام ابنه الذي هاله ما رأى ويرى من هذه المناظر الدَّامية التي تنشرها وسائل الإعلام لأمثاله من أطفال المسلمين في العراق، ماذا يقول الأب لهذا القلب الصغير ولهذه البراءة المنكسرة؟ وتمنى ذلك الأب أنْ ينسى ابنه الموضوع وينشغل عنه بما يتناسب مع اهتمامه من الألعاب المختلفة الموجودة في منزله.
ولكنَّ الطفل كان لأبيه بالمرصاد، فما كاد يراه حتى قفز إليه قائلاً: «أجبني عن أسئلتي يا أبي، لماذا، ولماذا، ولماذا؟ وأعاد على مسامع أبيه الأسئلة التي سبق طرحها دون نقص».
ماذا أقول لك يا بني؟؟، أخشى على براءة الطفولة ورقَّتها وصفائها من الحديث عن حربٍ غاشمة ظالمة، ولكنَّ إصرار الصغير يفرض على الأب أن يقول شيئاً. وأخذ يخاطب ابنه، بل أخذ ينزف جرحاً وحسرة وأسفاً.
هم يقتلون الأطفال يا صغيري لأنهم لا يؤمنون بالله، ولا يدينون دين الحقِّ، و لا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي كان بالمؤمنين رحيماً، هم يقتلون الأطفال في العراق، كما يقتلونهم في فلسطين، وفي كشمير، وفي أفغانستان، وفي الشيشان، وكما قتلوهم من قبل في البوسنة والهرسك، وكوسوفا. يفعلون ذلك لأنهم لا يعرفون إلى الرحمة طريقاً، إلا إذا كان الأمر متعلقاً بأطفالهم هم، إنهم لصوص العصر يا ولدي، قست قلوبهم التي خَلَتْ من نور الإيمان بالله سبحانه وتعالى، فأصبحتْ قلوباً جامدةً خاويةً من العطف والرحمة لا تعرف معروفاً، ولا تنكر منكراً، ولذلك فإنهم يقدمون إلى أطفال المسلمين أقلامَ القنابل وحَلْوَى المتفجرات، ولُعَب النَّار الحارقة، كما يقدمون إلى أطفالهم الألعاب والحلوى و«الآيسكريم»، وغيرها من الأشياء التي تعجب الأطفال، وليس بعد الكفر ذنب يا حبيبي الصغير، إنَّ الكفر بالله عز وجل أكبر الكبائر، فهو يقتل في قلب الإنسان الإحساس، ويميت في ضميره الشعور بالآخرين، إنَّ صورة الطفل العراقي الذي غَطَّتْ الدِّماء وجهه البريء، تلك الصورة التي أبكتك يا صغيري وأبكتني لا تثير في قلوب أولئك إلا السُّخرية وعدم المبالاة، وإنَّ مشكلة المسلمين الكبرى أنَّهم ابتعدوا عن التطبيق الشامل لمنهج الله في حياتهم، ووضعوا أيديهم في أيدي أؤلئك الكفَّار مخدوعين ببريق التقدُّم، ودعاوى الحضارة، وساروا وراءَهم سَيْرَ التَّابع الذَّليل، وقد تجاهلوا كثيراً من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وغفلوا عن السنن الكونية، وعن أحداث التاريخ، ومواقف الأمم السابقة، فكانت النتيجة هذه الهزائم المؤلمة، وهذه المفاجآت المذهلة، وهذا الانكسار الأليم.
المسلمون يا ولدي خالفوا منهج الله سبحانه وتعالى في كثير من شؤون حياتهم، ومالوا إلى مظاهر الحياة الدنيا، ولذائذها، وانشغلوا بما فيها من المُتَع الزَّائلة، وأصبح غاية ما يتوق إليه كثير من المسلمين أن تكون له سيارة جديدة، وساعة فاخرة، ولباسٌ رقيق، وخاتم ذهبي لامع، وحذاءٌ بمواصفات خاصة، وقلمٌ من نوعٍ خاص، وجوَّال رهيب وغير رهيب، إلى غير ذلك من بريق المظاهر الذي يُعمي البصيرة عن رؤية الحقيقة المؤلمة التي تسوقنا إليها مدنيَّة الغرب الزائفة.
كان الصغيرُ منبهراً وهو يستمع إلى هذا الكلام الكبير من أبيه، إنَّ طفولته البريئة لم تستطع أنْ تستوعب معاني هذا الكلام الكبير، ولكنها كانت أُذناً صاغيةٍ إلى كل كلمة تحدَّث بها هذا الأب المكلوم.
هنا ضمَّ الأبُ ابنه الصغير إلى صدره قائلاً: «تأكدْ يا بنيَّ أنه لا عقوبةَ إلا بذنب، كما يحدث معك، أما تعاقبك أمُّك إذا ارتكبتَ خطأً في المنزل»؟، ابتسم الصغير وقال: إنها دائماً تضربني إذا لعبت في المطبخ، قال الأب مبتسماً: لأن المطبخ ليس مكاناً للعب، وفرح الأب بهذا الانصراف من صغيره عن صُلْب الموضوع الخطير، وسكت على مضض حينما قال صغيره: «ولكنني حزينٌ يا أبي على ذلك الطفل العراقي».
إشارة:
نصحو على عَزْف الرصاص كأننا زَرْعٌ وغارات العدوِّ حصاد
|
|