يمكن أن ننظر إلى الأحداث التي تجري في العراق باعتبارها عملية «لأسرلة» أمريكا أي تحويل أمريكا إلى نسخة كربونية من إسرائيل، فقط كل ما عليك أن تغمض عينيك قليلا، ساعتها سترى أن جنود مشاة البحرية الأمريكية في كربلاء العراقية هم أنفسهم تقريباً جنود لواء جولاني المشاة الإسرائيلي في طولكرم.
كما أنه لم يكن مفاجأة أن تجد أن المعسكرين السياسيين في إسرائيل -رغم ما بينهما من اختلافات جذرية- يتفقان على وجود الكثير من النتائج الإيجابية للحرب الأمريكية ضد العراق. فعلى سبيل المثال ينظر الإسرائيليون بعين الشفقة إلى الجنود الأمريكيين الذين يموتون في العمليات الفدائية العراقية. أيضا انظر إلى رد فعل الأمريكيين على العملية الفدائية العراقية الأولى، فعندما انفجرت السيارة في هذه العملية نسف الجنود الأمريكيون السيارة التالية ليقتلوا كل من فيها تقريبا من النساء والأطفال. وربما لا يهتم اليسار واليمين في إسرائيل بما يمكن أن تتعلمه الإدارة الأمريكية من دروس خلال هذه الحرب، وما يهمهم هو الدرس السياسي والدبلوماسي الذي يمكن أن يخرج به البيت الأبيض.
والحقيقة أنه لم تكن هناك حرب لم تشارك فيها إسرائيل لكنها تتوقع تأثيرات مباشرة لها على مستقبلها كما هو الحال في الحرب الدائرة حالياً، والسبب في ذلك ليس المقارنة التي يحب الإسرائيليون إجراءها بين مصيرهم وبين الجهود الأمريكية في إحدى الدول المجاورة لها. ولكن التأثير يأتي بالقطع من الحاجة إلى جهود أمريكية مكثفة في منطقة الشرق الأوسط بعد أن يتوقف القتال في العراق.
في ظل شبح الحرب وفي مواجهة الإعلان الأمريكي عن عزم إدارة الرئيس بوش تطبيق خريطة الطريق فإن الحكومة الإسرائيلية تسعى بكل طاقتها من أجل إفشال هذه المحاولة الأمريكية، فهل ستنجح في ذلك؟
في الحقيقة لا يمتلك اليسار الإسرائيلي الكثير من الأسس التي يستطيع أن يبني عليها آمالاً بفشل رئيس الوزراء اليميني أرييل شارون في محاولاته الالتفاف على خريطة الطريق.
في الحقيقة تشعر أمريكا بنفس الحيرة التي يشعر بها الإسرائيليون حاليا في محاولة معرفة وفهم الأضرار التي تلحق بالمصالح القومية بسبب التورط في احتلال شعب آخر، ولكن المقارنة بين الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين والحرب الأمريكية ضد العراقيين هي مقارنة هشة وخادعة، فالولايات المتحدة لا تريد استقطاع أجزاء من العراق ولا تنوي إقامة مستوطنات أمريكية في العراق.
وحتى بعد التجربة الأمريكية القاسية في العراق لا يمكن أن نتوقع أن ينظر الأمريكيون بعيون دامعة إلى الجنرالات الإسرائيليين الذين يدمرون الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما أنه من السابق لأوانه تماما أن نتصور أن مشاعر العداء ضد اليهود بسبب تأييد هؤلاء اليهود لهذه الحرب ضد العراق يمكن أن تتلاشى بسرعة.
ومن الناحية السياسية فإن الولايات المتحدة ستصبح شيئا آخر بعد هذه الحرب، فهي ستكون قد دخلت مرحلة الاستعداد لمعركة الرئاسة الأمريكية، وسيكون النظام السياسي الأمريكي حساساً لأي جماعة ضغط «لوبي» قادرة على التأثير على نتائج هذه الانتخابات.
وهناك بالفعل حملة دبلوماسية إسرائيلية في الكونجرس الأمريكي لنسف خريطة الطريق التي لم يتم الانتهاء من وضعها حتى الآن ومع ذلك تثير قلق الحكومة الإسرائيلية. ومن المتوقع أن يكون الكونجرس متشدداً مع الرئيس الأمريكي الذي قرر خوض الحرب بدون أن يطلب موافقته عليها. ولكن في نفس الوقت سيكون موقف الرئيس بوش أفضل إذا ما نجح جنرالاته في العراق في تحقيق أي انتصار له ولكن لا أحد سينسى لبوش هذا الطريقة السيئة التي أعلن بها هذه الحرب وبدايتها الخطأ. فهؤلاء المسئولون في الإدارة الأمريكية الذين دفعوا ببلادهم في حرب مدمرة أمثال وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد لا يعترفون بالحقوق القومية للشعب الفلسطيني. ورامسفيلد على سبيل المثال يقول عن الأراضي الفلسطينية المحتلة «ما يسمى بالأراضي المحتلة» وهو ما يعني عدم اعترافه بأنها محتلة.
والحقيقة أن شارون يكفيه أن ينجح في جهوده التي يبذلها حاليا، رغم الحرب، من أجل الفوز بمساندة الكونجرس الأمريكي للتفسير الإسرائيلي لخريطة الطريق.
إذن فمبادرة «أسرلة» أمريكا تهدف إلى عرقلة أي محاولة لتجديد المفاوضات السلمية في الشرق الأوسط.
* «هآرتس» الإسرائيلية
|