السقوط السريع للعاصمة العراقية بغداد أثار الدهشة والغرابة في الوقت نفسه، فبغداد كما كان يقال محروسة بالعديد من فرق الحرس الجمهوري ومليشيات الحزب الحاكم وغيرها من التنظيمات شبه العسكرية، التي أخذت تتساقط الواحدة تلو الأخرى، ولم تجر مواجهات عسكرية بالمعنى القتالي المعروف عن المقاتلين العراقيين، حيث لم تجر سوى معارك عند مشارف بغداد وبالتحديد في ضاحية أبي غريب المحاذية لمطار بغداد، واقتصر دور القوات العراقية على مناوشات امتصتها القوات الأمريكية التي نفذت طلعات استكشافية إلى عمق العاصمة العراقية، مما مكنها من القيام بخطوات جعلت لها اليد الطولى في سير المعارك. وانهيار بغداد بهذه السرعة يعود إلى سببين:
السبب الأول: عدم ثقة النظام العراقي، وبالذات صدام حسين بالجيش العراقي، وحتى قوات الحرس الجمهوري خوفا من قيام ضباطه بانقلاب عسكري عليه، ولذلك كان دور الحرس الجمهوري دوراً سلبياً، ويبدو من واقع الحال أن الأوامر لديهم كانت بعدم دخول بغداد، والاكتفاء بالدفاع عن العاصمة من ضواحيها. وعندما اخترقت القوات الأمريكية الدفاعات العراقية، وتوغلت إلى عمق بغداد أصبح دور قوات الحرس الجمهوري دوراً ثانوياً، وتكفلت المليشيات الحزبية بالدور الرئيسي للدفاع عن المدينة.
ولتفوق القوات الأمريكية في السماء من خلال سيطرة الطيران الحربي، وخاصة بعد إسكات المضادات الجوية وسيطرة الطائرات المروحية القتالية التي وفرت دعماً وغطاء نيرانياً قوياً ودمرت المقاومة الأرضية العراقية، فقد كان توغل القوات الأمريكية إلى وسط بغداد سهلاً إلى حد ما.
السبب الآخر: فقدان القيادة العراقية، فبعد تداول أنباء عن مقتل صدام حسين وولديه في عملية قصف ضاحية المنصور وغياب قيادات النظام العراقي، سقطت التراتبية القيادية، وتقطعت الاتصالات بين القيادة وبين القادة الميدانيين، مما أوجد غياباً عن السلطة، وبالتالي السيطرة والتوجيه، وهذا ما سبب انهيار الحراسات والدفاعات حول المؤسسات الحكومية وقوات الوزارات ونقاط الاعتراض في شوارع بغداد، وبالتالي سقوط مقاومة المليشيات الحكومية التي أصبحت شبه جزر مقاومة متناثرة بلا قيادة وبلا توجيه، مما سهل سيطرة القوات الأمريكية التي لم تواجه مقاومة حقيقية في اليوم الواحد والعشرين من بدء الغزو الأمريكي البريطاني للعراق.
|