بالرغم من الشكوك والانتقادات للطريقة التي تتحرك بها القوات العسكرية، وبالرغم من عناوين مجلة «دير شبيجل» الألمانية مثل «أرادوا حرباً خاطفة.. ولكنهم غرقوا في الأوحال»، وبالرغم من المظاهرات في الولايات المتحدة وحول العالم، فإن أمريكا في طريقها إلى النصر. فقد قامت قوات الأنجلو امريكية بمحاصرة بغداد، والقرار بدخول المدينة أو لا سوف يتم اتخاذه طبقا للاعتبارات العسكرية التي توازن بين المكاسب والخسائر، وخلافاً لكل التوقعات المتشائمة فإن العراق لن تكون لبنانا ثانية أو فيتناما أخرى، فعندما تتم الإطاحة بصدام حسين وأتباعه فإن الإدارة الأمريكية سوف يكون أمامها نوع جديد من التحديات، إحدى هذه التحديات هي كيفية إصلاح علاقتها مع أوروبا ومساعدة توني بلير في استعادة اسم بريطانيا الكبير في القارة. ولكن أكبر تلك التحديات سيكون محاولة الولايات المتحدة التركيز على تحسين علاقاتها مع الدول العربية، ورد الولايات المتحدة سوف يترجم إلى جهود مكثفة لحل مشكلة الفلسطينيين، وإذا ما اعتقد البعض قبل الحرب أن الرئيس بوش سوف يعامل الإسرائيليين بعطف ومودة انطلاقاً من قلقه على متطلبات حملته الانتخابية، فإن إسرائيل هي الآن التي أصبحت مدينة لبوش، وربما تكون لغة وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم الإنجليزية ليست ممتازة، ولكنه ذكي بالقدر الكافي ليفهم من مقابلته مع مسئولي الإدارة الأمريكية وعلى رأسهم بوش بأن الوقت ليس مناسباً لإجراء مناورات. وليست الإدارة الأمريكية التي يمكن إجراء مناورات معها الآن، ففي الوقت الذي تشتعل فيه الحرب على العراق فإن أمريكا قد أوضحت للإسرائيليين بأن «خريطة الطريق» ليست محل تفاوض الآن، حتى بعدما قدمت إسرائيل قائمة بالاعتراضات وصلت لمائة اعتراض، وتكتيكات رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون هو الاستفادة من الوقت، فهو يفترض أن خريطة الطريق سوف يتم تفعيلها عندما يتوقف «الإرهاب»، وأن ذلك سوف يسمح له بإطالة أمد المرحلتين الثانية والثالثة بدون تحديد للزمن.
ولكن هذه ليست الطريقة التي تراها بها الولايات المتحدة، فتقليل المساعدات من 4 مليارات دولار «والتي كنا نظنها أنها بالفعل في جيوبنا» إلى مليار دولار فقط هي طريقة الإدارة الأمريكية لكي تقول للإسرائيليين: «لا تلعبوا معنا».
وقد بنى شارون علاقات من الثقة الشخصية مع الرئيس بوش وأخذ منه تعهدات بتنازلات خطيرة، والويل لنا إذا ما ضبطنا ونحن نكذب بشأن المستوطنات. وهدف خريطة الطريق هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإنشاء دولة فلسطينية على مرحلتين بحلول 2005.
ونقطة الضعف في علاقتنا بالرئيس بوش هي قضية المستوطنات بالإضافة إلى خطورة أن يحكم على شارون ووعوده بأنها غير جديرة بالثقة. وقد كانت قضية المستوطنات بمثابة الشوكة في ظهر إسرائيل منذ عام 1967. وقد بدأت مع وزراء حزب العمل من عهد جولدا مائير وديان وبيريز وإيجال عالون، ولكن لم تحدد الحكومة الإسرائيلية مطلقاً الأهداف الاستراتيجية القومية لبناء المستوطنات في كل من وادي الأردن والخليل ومرتفعاتها وفي المناطق العربية ذات الكثافة السكانية العالية.
ولم ينشر أحد أرقاماً عن إجمالي الأموال التي تم دفعها في تلك المستوطنات، هل هي 70 مليار دولار؟ 100 مليار دولار؟ لم يخبرنا أحد على الإطلاق من أين أتت تلك الأموال، أو ما هي تكلفة صيانتها وحمايتها، فلا يمكن أن ننتظر حتى ينقض علينا العالم بعد انتهاء الحرب بسبب ذلك، والوقت مناسب الآن لكي نقوم بتقديم مبادرات متحفظة، فالحرب ضد العراق لا تسهم فقط في تأمين المنطقة، ولكنها أيضا تعد خدمة جليلة لإسرائيل، وإذا ما أردنا شرق أوسط أكثر أماناً فيجب علينا أن نقوم بالدعاية المناسبة، ويجب علينا تفكيك المستوطنات وتجميد خطط توسيعها، فلا توجد طريقة أخرى لنصل بها لاتفاقية سلام بدون إخلاء معظم مستوطنات «يهودا والسامرة» وغزة، وهذا هو لب خريطة الطريق والتي سوف تقود إسرائيل نحو السلام والأمن، ومناحم بيجين في أوج سلطته لم يضم قطاع غزة إلى إسرائيل، ولكنه في المقابل وقع معاهدة سلام مع مصر.
أما شارون في أوج سلطته فهو الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يخلصنا من مآسي المستوطنات، والتي أخذت كل ما استطاعت أن تأخذه، ولكنها لم تعطنا شيئا سوى الدماء والعرق والدموع.
(*) «هآرتس» الإسرائيلية
|