في لقاء الإعداد لتأسيس المنتدى الاقتصادي الأول للغرفة التجارية بالرياض الذي اختص في جزء منه بتجربة عمل المرأة التجاري والذي استضاف الفعاليات النسائية فيه القسم النسائي من معهد الإدارة بالرياض بمشاركة عدد لا بأس به من نساء المجتمع العاملات مباشرة أو المهتمات أكاديميا، اجتماعيا أو صحفيا بقضايا المرأة في هذا المجال من مجالات العمل الاقتصادي الوطني طرحت عدة أوراق بحثية كما عقدت عدة ورش عمل تتعلق بالعمل الاستثماري في القطاع الخاص. إلا أنني هنا بطبيعة الحال سأقصر مقالي في هذا الشأن على الجانب النسائي المشار إليه باعتبار أنه لم يكن لي أن أكون شاهدة عيان على ذلك اللقاء إلا في جزئه النسوي. وهذا التوضيح «الاحترازي» لئلا يؤخذ اقتصار قراءتي للموضوع على الجانب الذي يهم المرأة بأنه تحيز مني للمرأة، إذ إننا والحمد لله في وقت أصبح فيه عمل ونجاح كل منهما (المرأة والرجل لا يمكن ان يكون إلا مكملاً لعمل ونجاح الآخر فيد واحدة كما تقول جدتي عن تجربة عريقة لا تصفق خصوصاً عندما يتعلق الأمر بوطن يضم رجالاً ونساء ويريد تنمية اجتماعية واقتصادية لا يمكن أن تكون عادلة وشاملة فيما لو قامت على أكتاف الرجال دون النساء أو فيما لو استبعد من دفع أثمانها والتمتع بامتيازاتها النساء دون الرجال.
ولأهمية هذا اللقاء وما جاء فيه بالقسم النسائي من ناحية ولأهمية الأهداف العامة التي يتصدى لها المنتدى المزمع تأسيسه في تشخيص القضايا الاستراتيجية للاقتصاد السعودي، وسائل تطويره ورفع التوصيات التي تعين مراكز اتخاذ القرار للوصول إلى تنمية مستديمة تشمل مشاركة المرأة والرجل كا جاء في صياغته لتلك الأهداف فقد رأيت مشاركة القطاع العريض من القراء في متابعة هذه المبادرة. على أنني سأكتفي من طرح موضوع هذا اللقاء بتناول مسألتين محددتين مما جاء في اللقاء حسب قراءتي لهما. على أمل أن يكون في أي رؤى لاحقة تتبلور حول الموضوع من مهتمين آخرين ما يثري الحوار في أهمية مشاركة المجتمع المدني في تحمل بعض أعباء التنمية والتفكير في تطوير أوجهها المختلفة.
المسألة الأولى، مسألة التمثيل النسائي:
لقد جاء التحضير لهذا اللقاء من قبل لجنة نسائية من المختصات في مجالات علمية متعددة سآتي على ذكر أسمائهن هنا لتحية الجهد الجاد الذي اضطلع به معظمهن ان كان في اعمال الإعداد لهذا اللقاء أو في أعمال إدارته وتنفيذه وهن: أ. نورة الفايز مديرة الفرع النسائي لمعهد الادارة، د. هند آل الشيخ تخصص اقتصاد، د. حنان الأحمدي من قطاع الإدارة الصحية وهما ايضا من معهد الإدارة. د. نورة اليوسف منسقة اللجنة من قسم الاقتصاد، د. مي العيسى ود. هتون الفاسي، من قسم التاريخ، د. مصباح كردي من قسم التربية، د. منيرة الناهض من قسم الدراسات الاجتماعية وكلهن من جامعة الملك سعود، د. ناهد طاهر من البنك الأهلي التجاري ود. فادية الصالح عميدة قسم البنات بجامعة الأمير سلطان الأهلية.
على ان لي ملاحظة ليس للمجاملة مكان فيها أوجهها للمنتدى الاقتصادي قبل أن يصير له بنية جاهزة أو (مغلقة) كما اوجهها للغرفة التجارية تحديداً لئلا يكون موقفها من إشراك النساء كبعض مؤسساتنا الأخرى التي تكتفي باشراك النساء لمجرد إضفاء نكهة (حضارية) على مظهرها دون الحرص على مشاركة تمثل مصالح وصوت جميع النساء ذات العلاقة بقطاع العمل. وهذه الملاحظة انه مع التقدير لهذه التشكيلة من المتخصصات كنواة اولى للإعداد التحضيري لتأسيس المنتدى الاقتصادي، فإن الطموح أن تضم اللجنة عدداً من السيدات ذات العلاقة العملية واليومية بقطاع الاستثمار والعمل التجاري بشرط ألا يقتصر ذلك على صاحبات رؤوس الأموال الكبيرة بل تضم أيضا تلك الشريحة من النساء المكافحات في مجال الاستثمارات المتوسطة والصغيرة. كا ان الطموح أن يتسع المنتدى ليضم ذوات التخصص القانوني والشرعي وكذلك المهتمات في مجال العمل الصحفي اللواتي لهن اطلاع ومتابعات صحفية في مجال عمل المرأة الاستثماري. اقول هذا ليس لتكبير حجم اللجنة إذ قد يكفي فيها الحضور الرمزي لئلا تتسبب كثرة العضوات في تضخم بيروقراطي يعيق الأعمال التحضيرية بدلا من تنظيمها بفعالية ولكني أقوله لأهمية دور مثل هذه اللجنة خاصة لو كان سيكون لها صفة عمل دائمة لحين نشوء المنتدى الاقتصادي في صياغة الأهداف وفي وضع المحددات المنظمة لعمله ونشاطاته ففي هذه الحالة سيكون من المفيد أن تتنوع خبرات العاملات داخل اللجنة خصوصاً من قبل ذات الخبرة المباشرة بالعمل الاستثماري ولا تقتصر على ذوات الاختصاصات العلمية البحتة وذلك ايضا حتى لا تكون النواة التأسيسية للمنتدى مقتصرة على مرئيات أو مطالب النخبة المتخصصة مما قد يسمح بوجود فجوة ميدانية غير مقصودة بالطبع.
على أن ذكري لهذه النقطة ولفت النظر إليها مما لابد أن عدداً من الزميلات لا يختلفن معي عليها قد يكون غير دقيق إذا لم أبادر من فوري وأؤكد أن هذه التشكيلة (اللجنة النسائية) قد حرصت حرصاً لا يمكن إلا تأكيده على توسيع قاعدة عملها بدعوة عدد طيب وإن لم يكن ممثلا لوجود المرأة في القطاعات الاستثمارية المختلفة باستضافتهن في اللقاء وبمشاركتهن الفعالة في ورش العمل المختلفة التي توزعت على عدد من المحاور الرئيسية وهي مناقشة البنية التحتية: قطاع الأعمال، الموارد البشرية والأنظمة والإجراءات. وهي محاور كما نرى لم يكن بالإمكان معرفة ما يقف منها مساندا لمشاركة المرأة الاقتصادية أو ما يقف عائقاً ويكون بحاجة إلى تطوير بدون الوقوف على التجربة العملية والمعاناة اليومية للنساء في مجال الاستثمارات المختلفة كبيرها وصغيرها. وهنا أنتقل الى النقطة التالية التي أود أن أطرحها في هذا الموضوع من خلال مشاركتي نيابة عن سيدة الأعمال الشريفة نور الهاشمي والدتي بالحضور الذي اتاح لي الاستماع إلى النقاش الحيوي في ورشة العمل الخاصة ببحث النظم والإجراءات المتعلقة بعمل المرأة في مجال الاستثمار بالقطاع الخاص. وهذه النقطة أطرحها هنا لأن بعض ما جاء فيها يشكل هما اجتماعيا هاما وإن كان يتعلق بمشاركة النساء في العمل الاستثماري للقطاع الخاص فإنه يتعداه ليخص الموقف الاجتماعي والشرعي من عمل المرأة ككل كما سنرى مما طرحه النساء حول هذه النقطة في ورشة العمل المشار إليها.
وتجدر الاشارة إلى أن حضورا متنوعا شمل د. منيرة الناهض كمنظمة لعمل الورشة، د. هتون الفاسي كمقررة لها هذا بالاضافة الى الوجود الفاعل للأميرة عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز والسيدة حصة عون والسيدة مضاوي القنيعير، د. عائشة المانع، وسواهن ممن شكلن كوكبة من السيدات اللواتي كزميلاتهن المشار إليهن على سبيل المثال قد شاركن في ورشة العمل هذه من مواقعهن كسيدات اعمال لتجربتهن في مجال الاستثمار الخاص عمراً طويلاً نسبيا. هذا بالاضافة الى مشاركة عدد من السيدات الأخريات بصفتهن كمتخصصات في المجال الشرعي والقانوني والإداري أو كعاملات في مؤسسات استثمارية كبرى كالسيدات ريما الجربوع، المحامية، مها يماني، د. عفاف الدخيل مع الاعتذار لكل من لا تحضرني أسماؤهن وكان يجدر ذكرهن جميعاً نظراً لما اتسمت به جميع المشاركات دون استثناء من ايجابية وتفاعل وفاعلية في إثراء للحوار. وان كان هذا العدد مرة أخرى غير ممثل للمشاركات في هذا الحيز من العمل الاقتصادي خاصة لذوات الاستثمار في (رأس المال المحدود) إن جازت استعارة هذا التعبير هنا.
* المسألة الثانية، النظم والإجراءات المتعلقة بعمل المرأة الاستثماري في القطاع الخاص:
فيما يخص هذه المسألة فإن تناولي لها كما ذكرت آنفاً في السطور أعلاه يركز على طرحها من خلال الموقف الاجتماعي والشرعي من عمل المرأة وذلك بالتأسيس على حقيقة أن التشريع الإسلامي قد كرم المرأة كما كرم الرجل بمنظومة من الحقوق الإنسانية في جميع المجالات الحياتية على أساس تفضيل الإنسان عن سائر المخلوقات بالعقل والأهلية وأمانة الاستخلاف على عمارة الإرض. هذه الحقيقة التي غالبا ما تكون غائبة عند بعض المختصين بصياغة بعض الضوابط المنظمة في مجال الشؤون العامة كالشأن الاستثماري على سبيل المثال. مما ينتج عنه ان تجيء بعض الأنظمة والإجراءات بصيغة قد تجاري السائد الاجتماعي وان كان ذلك على حساب إغفال بعض الحقوق المقرة شرعياً أو تعطيلها. وفي هذا فمن الضروري بدءاً التأكيد على انه بينما ينصف الموقف الشرعي المرأة في الحقوق والواجبات بما لم تصل إلى إنصافها فيها بعض القوانين الوضعية في عدد من المجتمعات الغربية فإن الموقف الاجتماعي في العديد من أوجهه التصورية والتطبيقية معا يسلبها الكثير من تلك الحقوق باسم التقاليد أو العادات أو سواهما من اعتبارات اجتماعية التي مع احترامنا لها كموروث اجتماعي فإنها قد لا تكون من الشرع في شيء أو على الأقل لا تكون تعبيرا دقيقا عنه وفي هذا الإطار يؤمل سد الفجوة «التنظيمية» بين ما هو شرعي من دواعي تمكين المرأة فيما يعينها على ان تشارك ضمن الحدود المشروعة على عمارة الارض وبين ما هو اجتماعي يمنعها من ذلك نعرض في نقاط بعض اهم الإجراءات والأنظمة التي عبر النساء من خلال ورشة العمل المشار إليها بضرورة إعادة النظر فيها لتفعيل عمل المرأة في المجال الاستثماري من اجل بناء اقتصاد وطني يتكاتف في وضع لبناته الرجال والنساء وسأكتفي هنا بذكر عينة من تلك الأنظمة والإجراءات التي تتطلب إعادة النظر:
* إذا عرفنا أن التقديرات الأولية تشير إلى وجود ما يربو رقمه على سبعين الف سجل تجاري باسماء نساء سعوديات حسب تقديرات الغرف التجارية والصناعية عن العام 1423هـ تتراوح نشاطاتها من الخياطة والتفصيل إلى الاستثمار في قطاعات التعليم الأهلي وقطاعات الصحة والصناعة والعقار فإن ذلك يستدعي تجديد الأنظمة والإجراءات الخاصة بمشاركة المرأة التجارية والتي يعود بعضها إلى عام 1396هـ يوم كان عمل المرأة في المجال التجاري لا يتعدى اصابع اليد.
* بعض تلك الأنظمة والإجراءات كما جاء في الطبعة الثالثة لموسوعة الأنظمة السعودية لعام 1422هـ لا يراعي متطلبات مشاركة المرأة في العمل التجاري حيث هناك ما ينص كما في المادة 3/أ على أنه لا يجوز للمرأة أن تشترك في إدارة أعمالها وعليها أن توكل غيرها، هذا بينما لا يوجد شرعيا ما يمنع المرأة من إدارة عملها بنفسها إذا كان ذلك في حدود المحافظة على الضوابط الشرعية التي لا تسمح بالخلوة.
* عدم اعتراف بعض الأنظمة والإجراءات بالشخصية الاعتبارية للمرأة كمواطنة وكمستثمرة ومما ينتج عن ذلك عدم الاعتراف لها بالذمة المالية التي اقرها الشرع لها وفي هذا قد يستبعد عمل المرأة التجاري من بعض الامتيازات التي تتيحها أنظمة الدولة في القطاعين العام والخاص كامتيازات القروض الطويلة الأجل وسواها. كا ان من نتائج ذلك ايضا اشتراط الكفيل الغارم في أبسط القروض واشتراط الوكيل الشرعي لينوب عنها في ابسط المعاملات التجارية التي هي من صميم متطلبات عملها الاستثماري والتجاري.
وأخيراً فهذا غيض من فيض بعض الأنظمة والإجراءات التي يرى النساء ان هناك حاجة لتأصيلها تأصيلا شرعياً يؤازر المرأة في هذه المهنة التاريخية التي ورثتها عن أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد ولتشارك في مجتمعها بغير صورة المرأة المستهلكة. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.
|