لم يجد اليابانيون بداً من التسليم عندما رأوا أشلاء سكان مدينتين كاملتين تهجر الوجود الحياتي دون علم منهم - ومن نجا من سكان هاتين المدينتين تحول عبر الزمن الممتد بسنوات القرن العشرين إلى تمثال يذكر كل من رآه أنه جزء من ماض لا يمكن أن ينساه اليابانيون عبر الأجيال.
كان الناجون يروون قصصاً أشبه بالخيال عن شكل السماء والضباب النووي الذي أحال المدينتين إلى دمار شامل وانتهت الحرب العالمية الثانية بمأساة تتأصل مع الزمن في نفوس اليابانيين جميعاً.
والجيش الأمريكي المرابط في الجزر اليابانية يتحدث أفراده بلسان ولغة جديدة إذ يرون الجيل الياباني الجديد خاصة من الفتيات يعجب أيما اعجاب بالجندي الأمريكي الشجاع الذي حمل هموم العالم بين يديه وهجر بلده المتحضرة ليلقن بقية شعوب العالم دورساً في الديمقراطية، لذا فإن الجنود الأمريكيين الشباب ينعمون بإجازات خارج اليابان وبالذات في جزيرة بالي بإندونيسيا ليتمتعوا مع مرافقاتهم بالتراث البوذي الأصيل في تلك الجزيرة، بل إن عددا من كبار الضباط الأمريكيين متزوجون من نساء يابانيات ليظهر جيلاً مشتركاً بين الأمريكيين واليابانيين، ولا يعتبر ما يحدث غريباً، فإلى متى يتناقل اليابانيون أحقادهم على الأمريكيين؟ فإذا كان الرجال منهم أجلوا الثأر إلى وقت يصعب تحديده فما ذنب النساء الذين يرون الرجل الأمريكي مثلاً قائماً للقوة والنفوذ وابن بلدها صامت يبحث عن حظه في شركات أمريكية.
بعد مرور عشرين عاماً على القاء القنبلة الذرية على مدينتي هيروشيما ونجزاكي بدأت السحب الحاقدة تتفرق عن بعضها إلى أن أتاحت للشمس الحارقة طريقاً إلى الأفئدة فأذابت ما بداخلها من أحقاد خاصة لدى الفتيات اللاتي يقدمن الإعجاب بالأقوى.
وفي العراق تدور حرب برية وبحرية وجوية وصواريخ وقنابل عنقودية وانشطارية وصوتية وأسلحة في الأرض والجو كلها تحت الطائلة الأمريكية أما العراق فليس لديه سوى أسلحة تقليدية تناهز الأسلحة الأمريكية في الستينات وحتى واسط الثمانينات.. ومنذ عام 1988م لم يحصل العراق على أسلحة متطورة، بل تحطمت آلاف الدبابات والمصفحات الروسية الصنع في حرب تحرير الكويت ومن قبلها حرب العراق مع إيران، أما ندماء العراق من السوفيت فقد قضوا نحبهم في أثناء تورط العراق في غزو الكويت وسط حسابات عراقية متناهية من الجهل خاصة بالحالة التي يتمتع بها الحليف السوفيتي.
كان مندوب العراق في الأمم المتحدة يرقب كلمات وزير الخارجية السوفيتي أدوارد شيفرنادزة في أثناء ترؤسه جلسة مجلس الأمن الدولي التي قضت على آمال العراق في سند السوفيت، ولم يكن مندوب العراق يدرك أن الرجل الذي يتحدث أمامه هو رئيس جمهورية جورجيا عما قريب لأن هذا الكيان يقضي أيامه الأخيرة.
والآن يعيش العراق حرباً غير شرعية تخوضها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وطابور من الدول الفقيرة وضعتهم أمريكا في قائمة الدول المؤيدة للحرب تم جلبهم عن طريق الصدقة الجارية.. أما روسيا وفرنسا وألمانيا فقد كشفتهم الظروف أمام العراق وغيره من أنهم لا يملكون قيماً سياسية ولا يمكن أن يتحولوا إلى موقف يعارض الأمريكيين حتى وإذا كان هذا الموقف على حساب كرامتهم السياسية، فالعراق حليف السوفيت يقول عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتن كلمات متناقضة تم تلخيصها في النهاية بأن مصلحة روسيا على الولايات المتحدة وليس في بقاء صدام حسين في السلطة.
إذن من لديه المقدرة من دول مجلس الأمن أن يمنع الأمريكيين من القاء قنبلة نووية محدودة التأثير في البصرة أو بغداد نفسها أو على قرية الزبير في تجربة جديدة تنتهي فيه هذه القرية عن الأرض ومن عليها؟
بالتأكيد سوف نسمع أن آلاف المنددين والشاجبين لهذا العمل لكن الحدث سيكون مرحباً به في النهاية ما دام هو الوسيلة لحسم الحرب، فلم يعد هناك قوة أخرى مضادة، فقد دارت حرب العراق دون إذن مسبق ثم هي الآن تتحول إلى حرب شرعية تتكالب على نتائجها دول مجلس الأمن، لكن تلك الدول كانت ذات عقلانية، إذ رحم الله دولة عرفت قدرها، فكل تلك الدول من كل الرضا عن أي نصيب ينالهم من الولايات المتحدة من خيرات العراق والخير في الطريق.
واعتقد أننا نحن العرب يمكن أن نترحم على كل من يموت وعلينا أن نصمت أمام القوة التي لا نملك من مقوماتها شيئاً، فاعتراض الأقوياء أكبر درجات الحمق.
|