بغداد.. مدينة مسكونة بالحزن، مشبّعة بالحروب، ما تكاد تخرج من حرب حتى تدخل في أخرى!!
أهلها كادوا يألفون، الحروب والقتال، والضربات التي تتساقط فوق رؤوسهم كقطرات المطر فمن التتار إلى العثمانيين إلى البريطانيين إلى المد القومي الذي أشبعها انقلابات وصدمات وقتالاً حتى جاء صدام فلم يعطها فرصة لالتقاط الأنفاس بل سارع وقادها إلى أربع حروب كبدتها خسائر كثيرة. وعانى من خلالها أهلها الويلات.
وقد عُرف عن أهلها شدة عزمهم في مواجهة قوى الاحتلال وصد هجماته.. وفي الحرب المحتدمة الآن لم نشعر من أهل العراق هذا العزم الشديد والجلد الكبير في مواجهة جحافل القوات الأنجلو أمريكية، ورأينا كيف يقف الشعب العراقي موقف المتفرج على المعركة بين القوات الغازية وجيش النظام!!
وبدأ كثير من المراقبين يتساءل لماذا لم يشترك الشعب العراقي في صد زحف القوات الغازية؟ حتى ولو كان مجرداً من السلاح.. فمن المعروف أن الشعوب - وليست الجيوش- تكافح وتناضل بأسلحة مختلفة ومتعددة غير أسلحة الجيوش. والتساؤل مهم في خضم الحرب الطاحنة التي سيترتب على نتائجها حقائق جديدة «سوف نرصدها في مقال قادم إن شاء الله».
وسيؤخذ هذا البلد ومقدراته إلى أيد غير أمينة قد تعبث به.. والحقيقة ان نظام صدام حسين هو السبب في هذا الأمر، فقد رفض تسليح شعبه واكتفى بقوات جيشه والحرس الجمهوري وجيش القدس وفدائيي صدام ورجال حزب البعث.
ويبدو أن صدام كان يخشى من شعبه لو وصل إلى أيديه السلاح أن ينقلب عليه وعلى رجاله، لذلك أعطى السكان مؤناً من الغذاء والحليب تكفيه 5 أشهر طالباً منهم عدم مغادرة منازلهم عند قيام الحرب.. فأعطاهم الغذاء وضنّ عليهم بالسلاح!!
إذاً اراد النظام أن يحيد شعبه في هذه المعركة وكان ذلك خطأً كبيراً.
وان كان قد حيد شعبه خوفاً منه وعدم ثقة فيه لذلك رأينا الناس تقف على قارعة الطريق تشاهد الاشتباكات دون أن تحرك ساكناً.. مثلنا تماماً كما نشاهد مجريات الحرب على شاشات الفضائيات.
إن ما فعله صدام مع شعبه طوال ثلاثين عاماً أو أكثر هو درس لكل حاكم طاغية ينكل بشعبه ويدخله مغامرات غير محسوبة!!
فلو كان صدام رئيساً لكل العراقيين بكافة طوائفه واشركهم معه في الحكم، ولو كان حاكماً ذكياً لصهر هذه الطوائف في بوتقة الوطنية كما فعل غيره الكثيرون من حكام دول متعددة الأعراق والأديان.. لكنه ركن إلى استخدام اسلوب الحديد والنار في وأد أي مقاومة من شعبه، فكان هذا البرود التام والموقف السلبي وشعوره أن نظامه لا يريد أن يشركه في صد القوات الغازية.
أيضاً من أخطاء حسابات صدام في هذه المعركة ذلك الاعتقاد الخاطئ ان الاخلاص للنظام ورموزه يكفي لدحر العدوان على أسوار بغداد، والنتيجة كما نرى ونشاهد ليست فاعلة كما ينبغي في دحر العدوان.. ولنا أن نتخيل لو أن الشعب العراقي كان متلاحماً مع الجيش ووقف في عرض الشوارع ومداخل المدن في طريق الدبابات والمدرعات الغازية فماذا كانت النتيجة فلن تستطيع أن تخترق أجساد هؤلاء لدخول المدن.. ولو كان لدى القوات الغازية شعور بأن الشعب العراقي سيشترك مع الجيش في صد الهجمات لما أقدم على دخول البصرة وكربلاء.
لكنه النظام الديكتاتوري الذي ينظر إلى شعبه نظرة ازدراء ولا يثق إلا بمن يقدم له الولاء والطاعة العمياء.
أتمنى أن نتعظ من هذه الأحداث وتكون دروساً وعبراً لمن أراد أن يتعلم مما حدث سواء انتصر العراق في هذه الحرب أو لم ينتصر..
فالغازي قد ينتصر على الجيوش لكنه لا يستطيع سحق الشعوب فاعتبروا يا أولي الألباب.!!
|