سعادة الأخ الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير «الجزيرة» وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فكم يسعدني ان أشارك في صحيفة كل الجزيرة «الجزيرة» ولعل أمرين ربما كررتهما في أكثر من مناسبة هما اللذان يقوداني لمشاركتكم على الرغم من التقصير وقلة بضاعتي.. وهذان الأمران هما بايجاز مخل:«منهج الجزيرة المعتدل والموضوعات التي يطرقها الأخ الأستاذ سلمان بن محمد العُمري.. ودون مراء أو رياء أقولها وسأسأل عنها: إن الأخ سلمان العُمري حينما يطرق موضوعا فكأنه يوجهه بمطرقة الى رأسي في الوقت ذاته الذي يوجه أصل الموضوع الى الصحيفة؟ ولا تزال موضوعات زاويته الأسبوعية حاضرة في ذهني فقد طرق للدعاة ما لهم وما عليهم، وهل طرق هذا الموضوع أحد قبله؟! وأفاض في قضية الرقية وأطباء النفس داعياً الى التلاحم والتكامل ومؤصلاً ذلك ناقداً أي تنافر بين الرقية والأدوية النفسية أو بعبارة أخرى بين المسحور ومريض الوسواس القهري أو الاكتئاب.. وها هو في موضوع انقلاب المفاهيم يبدع ويمتع.. ولأكن أكثر وضوحاً وموضوعية فأنا أجد الابداع والامتاع في الموضوع ولا أقصد الأسلوب والطرح وإن كان الأخ سلمان له تميز فيهما أيضا.. وأنا أريد هنا أن يشاركني القراء في عملية غربلة تلكم المفاهيم المقلوبة.. بدءاً من الوليمة أو الضيافة ومروراً بما تشاء وترى من العجائب ما لم تكن من أصحاب تلكم المفاهيم وحتى لو كنت أخي القارئ فأصول الفطرة والعقل ثابت لا يتغير.. وقبل ان أعرض ما يحضرني من هذه المفاهيم أقف مع الوليمة مستظهراً مضمونها وآدابها في الاسلام وما كان عليه السلف وبماذا تفرق عن ولائمنا اليوم ولست هنا مستهدفاً حكم الوليمة أواجبة؟ أم سنة؟.. فهذا خلاف مبسوط في موضعه من كتب السنة وكتب الفقه ولكنني أعرض هنا الى أدب من آدابها وهو ان تكون الوليمة على قدر الحال فالناس فيهم الفقير ومنهم الغني ولما كان الأصل فيها تعبيراً عن صدق المحبة واشاعة السرور ونشر روح المودة فتقدر بقدر حال الانسان فإذا زادت وتجاوزت ذلك الحد انقلب المفهوم والهدف وانحرف المقصود والأدب.. والناس أو بعضهم يغالي في ولائم العرس ويتكلف مالا طاقة له به وقد يلتزم الزوج بهذا المفهوم المنقلب فيقصم ظهره ويرجع بائساً حزينا كلما حان أجل الدين ولم يجد ما يفي به.
حقاً إننا في زمن عجيب منقلب المفاهيم في كثير من جوانب الحياة!؟ أرأيت كيف يصبح المتفضل متفضلا عليه، ومعيد الحق أفضل من المبادر اليه والفضل للضيف لا للمضيف والطريق الى السلام دمار شامل، والمجرم اللص هو الحارس المؤتمن، والمؤمن الطيب المتسامح يوصف بخفة العقل ورداءة التفكير والجهل بالمصلحة.. أما المنافق المرائي الذي يظهر الولاء والمحبة ويبطن العداء والشر هذا الشخص بهذه الصفة هو عندنا الذي يعرف من أن تؤكل الكتف وهو «الفهلوي» والعاقل الحكيم الذي يعرف أين مصلحة نفسه.. لقد كان الصدق منجاة والكذب مهلكة أما اليوم فالصدق هلاك محقق والكذب فيه النجاة.. إن أتيت بموعدك أو قبله بقليل فأنت حاد مزعج وإن تأخرت كثيرا فهذا أمر طبيعي وعادي في ظل زحمة المواصلات وإن كنت مديراً وتأخرت فالموعد ما جئت فيه والفعل ما جئت به.. والوفاء مفقود عزيز وعدمه الموجود.. أرأيت ان الله تعالى أمر النساء باطالة الجلابيب والرجال بتقصيرها.. والواقع اليوم يعكس هذه الصورة مقلوبة تماماً.. ومن أعجايب ما ترى يلتحق شاب بدورة مهنية في الكهرباء ثم يجاهد ليلتحق بوظيفة كتابية براتب لا يتجاوز ثلاثة آلاف ريال وعندما يحتاج بيته الى صيانة كهرباء يأتي يستجدي فنياً مستقدماً فيدفع راتبه الثلاثة آلاف مقترضاً عليها ويعطيها هذا الآسيوي في غضون ثلاثة أيام لاتزيد، ومن الجدير ذكره ان هذا العامل أقصد «الفني الكهربائي» لم ير الكهرباء وأجهزتها في حياته إلا عندما وصل هنا.. ولم يمكنه بل لن تمكنه المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني من الالتحاق بمعاهدها ومراكزها.. وهذا هو أحد المفاهيم غير المقلوبة. أقصد أنه لا يمكن الالتحاق بمعاهد المؤسسة أو مراكزها إلا لمن هو من أهل هذه البلاد.. أشكر لسلمان الطرح والفكرة وللجزيرة ومحرريها اعتدال النظرة وللقراء والمتأملين أصحاب المفاهيم التام استواؤها.. وتقبلوا أطيب تحياتي وأصدقها.
سليمان بن محمد الصغير أستاذ الثقافة الإسلامية بالكلية التقنية بالرياض
|