الأستاذ حمد القاضي
تحية طيبة وبعد:
وأنا أتصفح جريدة الجزيرة كعشقي يومياً توقفت يوم الجمعة عند مقالك الموسوم ب«أستودع الله في بغداد لي قمراً» ولأنني قارئ أقف عند عنوان المقال أولاً وبالتالي مضمونه أكثر من وقوفي عند كاتب المقال، فإن الحال يتغير حينما تكون أنت كاتب المقال حيث أقف عليك أولاً، وزاد شوقي حينما قرأت العنوان فهو عجز بيت من قصيدة لابن زريق البغدادي الشاعر المغترب الذي كلما قرأت قصيدته هذه أحس بألم لا تتصوره كأنني أنا المغترب وليس هو. ولا أعلم سر هذا الألم هل هي قصته الحزينة مع زوجته أم غربته بعد هذا أم وفاته وحيدا في بلد كان منارة للحضارة في ذلك الوقت، البلد الذي أعشقه وأعشق قرونه الثمانية وأحس بحنين وشوق له برغم البعد الزماني عنه، إنه الأندلس حاضرة الدنيا وملهمة الشعراء.
المهم أنك يا أستاذ أثرت في داخلي ألماً عظيماً فوق هذا وهو حديثك عن بغداد وهي مناسبة المقال ولا أعلم بأي كلمات سنواسيها ونضمد جراح شعبها، بغداد العراق مهد الحضارات وحاضنة الكتب في يوم ما وهل هناك أهم من الكتاب غذاء الروح وتربية العقول، يقول المتنبي:
وخير مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الأنام كتاب
|
أستاذ حمد قبل مقالك بأيام كنت قد كتبت مقدمة لقصيدة ابن زريق لأهديها لأحد الزملاء حتى يضعها على أحد مواقع الإنترنت وكم هي مصادفة غريبة أن أقرأ مقالك هذا وإن اختلف المضمون نوعا ما، كنت سعيداً بهذا ولم أستغربه فأنت عاشق للحب ومقالاتك تدور حول هذا الموضوع حتى وإن كان الكلام في موضوع آخر، وهذا ما يميزك يا أستاذي، المقدمة كانت قصيرة ولم أكملها لأني كنت محتاراً ماذا أكتب عن تلك القصيدة وشاعرها الحالم الألم غفر الله لنا وله؟ ولا أدري كم بقي من الإبداع لم يجده فيها ولرغبتي بعرضها عليك أكتبها لك راجياً قبول قراءتها.
ابن زريق البغدادي ذلك المحب الراحل الذي توارى خلف وهج قصيدته الخالدة، ذلك الباحث في الأندلس عن ابتسامة فقدها ببغداد ليعود بها ويرسمها على وجه زوجته حين ضاقت به جنبات الوطن وامتداد كفه وشموخ جباله لم يجد أمامه سوى الرحيل والغربة ليكسر بذلك قيد اليأس من الانتظار، ولينطلق نحو الممكن وإن كان مجهولاً، حين حاول أن يطال الفرصة السانحة مقابل الأبواب المقفلة لم يتردد في العبور والوصول للضفة الغربية من الوطن العربي الممتد. وصل الأندلس تلك النجمة الساحرة المشعة نورا وجمالاً وهبت الدنيا من بهاء ضيائها ولكنها لم تستطع أن تعلق لهذا الشاعر الجريح مصباحاً يؤنس غربته ولم ترفع كفها أمام هجمات الوحشة التي تتركه حتى قضى نحبه.
ابن زريق البغدادي في قصيدته الحالمة «لا تعذليه» يخاطب زوجته الحاضرة الغائبة ويرسل لها من الأندلس صوته المشحون بالشجن الغارق تحت أمواج الدموع حاملاً اعتذاره ومتشفعاً عندها من تساؤلاتها ولومها لعدم جدواها الآن بعد أن رفض نصحها ونأى بعيداً عنها حاملاً الأمل بالعودة المظفرة. ولكن جرت ر ياح الزمن بما لا يشتهيه رجاؤه مات بعيداً عنها، وما أشد أن يرمى الإنسان خلف قضبان الغربة ويجلد بسياط الذكرى.
سلطان آل منيف
|