لقد حظي هؤلاء الذين يدوسون على حقوق الإنسان في إسرائيل بيوم مشهود فقد قالوا بسعادة: انظروا إلى سلوك القوات الأمريكية في العراق! ففي كل مرة تقوم فيها القوات الأمريكية بفتح النار على المدنيين في نقاط التفتيش أو في كل عملية قتل للمدنيين أو في كل صورة من صور الحصار والدمار فإنهم يشعرون في إسرائيل بسعادة غامرة فالولايات المتحدة زعيمة العالم الحر تفعل مثلما نفعل في إسرائيل!
وقد تحدث أحد التقارير أن ضابطا في جيش الدفاع الإسرائيلي لم يستطع أن يمنع نفسه من أن يبتسم مسرورا عندما وصلته التقارير عن حرب العراق.
فمن الآن وصاعدا لن يستطيع أحد أن ينتقد سلوكهم في الأراضي الفلسطينية.
وقد أشارت النيويورك تايمز في تقرير لها أن إسرائيل سارعت بالاقتراح على أمريكا أن تستفيد من خبرتها في استخدام الدبابات والمروحيات والجرافات داخل المدن ومخيمات اللاجئين كما ظهرت فرحة مماثلة على وجوه الذين يريدون أن يكبحوا جماح الإعلام في إسرائيل وكأنهم يقولون: انظروا كيف قامت أمريكا بحجب صور الحرب في وسائل إعلامها؟ فلا توجد صور للنعوش أو للأسرى وانظروا كيف تطوعت وسائل الإعلام بإخلاص بتجنيد نفسها في خدمة المجهودات الحربية وكيف قاموا بطرد الصحفي الشجاع بيتر أرنيت دون أن يطرف لهم جفن لمجرد تعبيره عن آرائه بصراحة في تلفاز «الأعداء»! وكل ما حدث من السلوك الأمريكي يعد حالة أخرى مكملة لصور الدمار في هذه الحرب الرخيصة.
وأصبح واضحا أن الولايات المتحدة ليست مثلا لأي شيء حتى قبل أن تذهب لتلك الحرب كما لا يمكن أن يكون لديها شيء تعتبر نفسها مثلا أعلى فيه. وقد حرمها الذهاب إلى تلك الحرب غير المبررة على العراق من الحق في أن تكون مشعل نور للأمم ولليهود أيضا في دعم الديموقراطية وحقوق الإنسان.
ولكن دعونا لا نتسرع في الحكم على الولايات المتحدة لما سمحت لنفسها أن تفعله فقد سمحنا لأنفسنا نحن أيضا في إسرائيل أن نفعل ذلك فلا هم ولا نحن لدينا الحق في القتل طالما أن ذلك ليس ضروريا أو أن نؤلم ونهين المدنيين أو أن نحرمهم من حريتهم وأن نجوعهم ونأخذ منهم أقواتهم وندوس بأقدامنا على سيادتهم ونوظف إعلامنا ضدهم ليخدم مجهوداتنا العسكرية فأمريكا التي تخوض حربا غير شرعية هي دولة محتلة بكل معاني الكلمة ولايحق للولايات المتحدة أن تفخر بكل ما قامت بعمله سواء في الداخل أو في الخارج حتى قبل أن تقوم بقتل أول مدني عراقي في نقاط التفتيش فإن مواطنيها أنفسهم لم يستفيدوا كثيرا من كونها قلعة كبيرة للديموقراطية فعلى سبيل المثال في التسعة وعشرين عاما الماضية تم إعدام 816 شخصا في الولايات المتحدة مثلما يحدث في أكثر الأنظمة قمعا.
وبانحيازها التام ضد السود أظهرت الدراسات إلى أن احتمالية إعدام السود المتهمين في الجرائم تبلغ 11 ضعف احتمالية إعدام البيض المتهمين في الجرائم ذاتها وأكثر من خمس الأطفال في ذلك البلد الذي يفترض أنه زعيم العالم الحر يعيشون تحت خط الفقر.
وهناك5 ،3 ملايين مواطن أمريكي مسجلون على أنهم بلا مأوى بالرغم من أن العدد الحقيقي يقدر بأنه أكثر من ضعف هذاالرقم فلا يمكن للدولة التي تشن حربا تتكلف مئات المليارات من الدولارات أن تعتبر نفسها مشعلا للحرية أو دولة محررة للآخرين عندما تفتقد القدرة على العناية بملايين المشردين من أبنائها والفقراء من شعبها وخارج حدودها فإن الولايات المتحدة لا تستطيع دائما أن تكون نموذجا أخلاقيا أيضا فمئات الآلاف من الناس بما في ذلك العديد من المدنيين قتلوا وسفكت دماؤهم في الحروب والحملات العسكرية التي شنتها منذ الحرب العالمية الثانية مثل فيتنام وكمبوديا والدول الأخرى أو على يد الأنظمة الإجرامية التي جلبتها الولايات المتحدة للحكم أو ساعدتها في ذلك وإذا كان هناك درس ينبغي أن تعطيه إسرائيل إلى الأمريكيين فهو أن كل احتلال يعتبر مروعا وأنهم يسحقون الشعوب التي احتلوها كما يؤدي إلى إفساد المحتل وإذا ما توقف الأمريكيون للحظة ليروا ما يحدث في مخيم اللاجئين في طولكرم وفي نابلس فسوف يرون هناك ما سوف يرونه في المستقبل القريب وربما إذا مانظر الإسرائيليون إلى ما يحدث في العراق فسوف يفهمون أن تلك ليست فلسطين ولكننا في النهاية من صنع هذا الموقف الحالي فالمحتل محتل سواء أتى من دولة يبلغ عمر الديموقراطية فيها قرنين ونصف القرن من الزمان أو كانت «الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»
* «هآرتس» الإسرائيلية
|