|
أوراق اللعب تلك .. مجرد أوراق اللعب صغيرة الحجم، والتي عادة يتسلى بها أولئك الذين لا وقت لهم سوى للتسلية بالورق. ربما في أوروبا، يمكنك أن تتذكر أوراق اللعب حين تجلس أمام نفسك، لتضحي بمساء من الوحدة، حيث لا تجد من تلعب معه سواك. في مدن الغرب، يمكنك البحث عمن يلعب معك الشطرنج أو ورق اللعب. ولا تجد.. كل الناس ينشغلون بأشيائهم. ربما ليلعبون لوحدهم وليخسرون لوحدهم وليشعرون في النهاية أنهم كسروا روتين الوقت الإضافي، في ليلة من الوحدة حد البؤس.. لكن العراق ليست أوروبا، ومدن العراق ليست باردة كمدننا.. إنه الشرق هنا، النخيل والبيوت المتلاصقة مع بعضها. الناس الذين يتقابلون دوما. ربما يلعب جار مع جاره لعبة ما، باستمرار. بينما الوقت يتكسر في لحظة ما من الأنس.. لكن لعبة الورق لم تعد حميمية. ولم يعد لاعبوها يشعرون بشيء جميل أثناء اللعب بها. لأن البيت الأبيض حولها إلى أوراق سياسية.. حالة مثيرة من حالات المطاردة المخابراتية العسكرية. مكتب الاستخبارات الأمريكية لا يضيع وقته في العراق. يقرر أن يضع لجنوده قوانين لعبة جديدة، بالورق والترصد على حد سواء.. لأي جندي أمريكي يريد أن يتسلى في وقت فراغه أن يلعب الورق، وأن يراقب جيدا الوجوه المرسومة بدقة على تلك الورق.. وجوه كانت ذات يوم تشكل ميكانزمات النظام العراقي.. من الرئيس المخلوع صدام حسين إلى آخر مستشار كان يؤسس الثقافة البعثية العراقية .. وجوههم مرسومة على ورق اللعب بين أيدي الجنود وأولئك الذين «يريدون» مساعدة الأمريكيين للقضاء عليهم .. أحد الجنود الأمريكيين قال مبتسما «نحن نؤدي واجبنا الوطني بالتسلية..! نعم بالتسلية .. لأنهم يعترفون أن وقتهم الضائع كبير، وأن الورق ليست لعبة عادية، لأن الوحدة شاسعة .. بامكان جندي الآن أن يجلس مع بعض الجنود الآخرين للعب .. للبحث عن تفاصيل الصور التي تخفي خطورة أصحابها على الأمريكيين. صدام حسين لم ينته إذن. حتى وهو مشروع ميت أو هارب. فإنه يؤرق البيت الأبيض. ويصنع من مكتب الاستخبارات الأمريكية شيئاً قابلاً للسخرية. ليس لأنهم لم يرصدوا مكانه أو حركاته، على الرغم من أقمارهم الصناعية القادرة على رصد ادق التفاصيل على الارض. إنما لأنهم دخلوا الحرب أولا بمنطق القوة الأخرى التي لا يمكن هزيمتها.. لعبة الورق تلك ذكرتني بلعبة مماثلة تقريبا صنعها الجيش الإسرائيلي للبحث عن كوادر المقاومة الفلسطينية. عبر طاولة اللعب بمربعات صغيرة عليها صور تلك الكوادر. ورسم مشابه للصورة مكتوب عليه: خطير جدا.. |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |