الغدة الدرقية توجد في مقدمة العنق ملتصقة بالحلقوم بالجانبين لتعطي شكل درقة كاسمها وهي من الغدد الصماء والوحيدة من هذه الغدد التي يمكن رؤية تضخمها بالعين المجردة. وبهذه المناسبة فهناك خطأ شائع وخلط بين الغدد الصماء التي تفرز هرموناتها بالدم والغدد الليمفاوية وهي الأكثر شيوعاً التي لاعلاقة لها بالهرمونات وتتضخم عادة نتيجة لالتهابات حادة بسيطة أو مزمنة كالدرن وفي حالات أقل تكون نتيجة لبعض الأمراض السرطانية لا قدر الله .
وتظهر أمراض الغدة الدرقية على شكلين: كورم منفرد «تكيس» أو مجموعات أورام بالغدة «تكيسات» وأول حقيقة تجدر الإشارة إليها هي أن معظم هذه الأورام حميد (95%» واحتمال وجود سرطان بها لا يشكل اكثر من 5% فقط، وأيضاً أنه على الرغم من أن سرطان الغدة الدرقية هو أكثر سرطانات الغدد الصماء إلا أنه لايساوي اكثر من 1% من الأورام الخبيثة عموماً، وفي الولايات المتحدة مثلاً تقدر حالات سرطان الغدة الدرقية بحوالي 40 حالة جديدة في المليون كل عام، وحوالي 80% من هذه الحالات تحدث بين سن 25 - 65 سنة وتقل النسبة في الأعمار الأخرى بما فيها الأطفال خصوصاً بعد التعرض لعلاج نووي لأمراض أخرى بالرقبة، وتكثر هذه الأورام «بما فيها الحميدة» لدى النساء.
وتصنف سرطانات الغدة الدرقية حسب نوعية الخلايا التي تكونها ولحسن الحظ - والحمد لله - فإن أكثر أنواعها شيوعاً «50% - 70%» بطيء النمو ومحصور الانتشار بالرقبة فقط ويحدث دون سن الأربعين، ويلي ذلك نوع متوسط الخطورة (حوالي 15%» وإذا شخص مبكراً وتلقي العلاج المناسب والصحيح قد يحدث شفاء تام بإذن الله، وهذا النوع يحدث فوق سن الأربعين أما الأنواع الخطيرة (10%» فتحدث في أعمار أكبر «فوق الخمسين» وهناك خاصيتان مفيدتان لهذه الأورام: أولاهما أنها تتجاوب مع العلاج بهرمون الغدة الدرقية «الثيروكسين» فالأورام الحميدة يصغر حجمها مع الزمن والأورام الخبيثة قد يمنع نموها وانتشارها، والخاصية الثانية أن هذه الأورام تركز مادة اليود المشع مما يساعد على كشف مدى انتشارها أحياناً وأهم من ذلك علاجها النووي باليود المشع.
فعندما يواجه الطبيب هذه الأورام بالغدة الدرقية عليه أن يوازن بين أمرين أولهما إن 5% فقط يسبب خطورة، فهو لذلك لا يريد أن يعرض المريض لعملية جراحية على عجل والثاني ألا يهمل احتمال وجود سرطان.
فالطبيب يأخذ في الاعتبار بعض الدلائل التي تزيد من احتمالية وجود سرطان، ومنها إذا كان المريض رجلاً أو كان العمر فوق الأربعين أو إصابة أحد أفراد الأسرة بأمراض سرطانية أخرى، أو إذا كان الورم على شكل عقدة واحدة «تكيس» أو حدثت زيادة في حجمه، وأيضاً يبحث عن وجود أعراض موضعية كبحة في الصوت أو صعوبة في البلع وينتهي بالكشف السريري الموضعي، أما إذا كان المريض يعاني أيضاً من نشاط في افراز الغدة عموماً أو من الورم نفسه أو هناك خمول وضعف في إفراز الغدة الدرقية فهذا يضعف كثيراً من وجود سرطان، وعليه يجرى الطبيب فحوصات لتحديد شكل الورم بالأشعة الصوتية ومعرفة نشاط الغدة الدرقية «والورم» بقياس الهرمون في الدم وبالأشعة النووية، ولكن أهم فحص هو أخذ عينة بالإبرة من الورم بواسطة الأشعة الصوتية لتحديد نوعية الخلايا، وهذا الفحص يعتمد كلياً على وجود خبرة عالية وكفاءة لدى طبيب المختبر لصعوبة التفرقة بين الخلايا الطبيعية والسرطانية في بعض الأحيان، فإذا جاءت النتيجة سلبية ان شاء الله يعطى المريض كما أسلفنا حبوب الثيروكسين مع المراجعة بعد أشهر، فإذا صغر حجمها يستمر على العلاج مادام الورم موجوداً، أما إذا لم يصغر حجمها فيعاد فحص الخلايا وإذا حدث أي شك تجرى عملية جراحية لإزالة نصف الغدة الذي يحتوي على كل الورم، أما إذا وجدت خلايا سرطانية - لاسمح الله - فالعلاج وهو جراحي ونووي يعتمد كما أسلفنا على نوعية الخلايا وعادة يزال أغلب الغدة أو كلها.
وفي الختام فإن اغلب أورام الغدة الدرقية حميدة وحتى سرطان هذه الغدة جيدة النتائج للغاية مع التشخيص المبكر والعلاج.. فيجب استشارة الطبيب مع ملاحظة أن اغلب الأورام بالرقبة ناتجة عن غدد ليمفاوية التهابية بسيطة ومما يسرنا ما نلاحظه من الوعي الصحي لدى الجمهور والاهتمام بهذا الموضوع مما يزيد فرص العلاج الناجح بإذن الله.
والله الموفق وهو من وراء القصد
( * ) استشاري الأمراض الباطنية والغدد الصماء
|