Thursday 29th may,2003 11200العدد الخميس 28 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

بندر بن أحمد السديري بندر بن أحمد السديري
سبعون عاماً من الشعر والبساطة والعصامية والمحبة والشهامة والكرم
عبد الله الزازان

قبل أكثر من عشرين عاماً يوم كان الشعر يشكل حياتي الاجتماعية والثقافية والأدبية كنت ذاك الوقت - وأعتقد لا أزال- مغرماً بالأدب، أسعى إليه سعياً حثيثاً، كانت كلية اللغة العربية شكلتنا تشكيلاً أدبياً، وجاء الأسبوع الأدبي الذي تنشره جريدة الجزيرة، ويشرف عليه الأديب حمد القاضي، فأكمل تشكيلنا كان الصراع الأدبي على أشده انقضت مرحلة، وجاءت مرحلة أدبية أخرى في تلك الأثناء شاع في الأوساط الأدبية «الثلاثائية» وهي ملتقى ثقافي أدبي اجتماعي تضم حشداً من الشخصيات الأدبية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية في تلك «الثلاثائية الثقافية» اكتشفت أن الأمير بندر بن أحمد السديري شاعر، ومنذ ذلك الوقت أبديت اهتماماً بتجربته ولم يقتصر هذا الاهتمام على نشر شعره، وانما أخذ شكلاً حميماً، وقد كان أكثر من لقاء بين الأمير وبيني نطرح فيه قضايا الأدب والثقافة بصراحة وود، وكان الأمير أكثر صراحة ووداً في شرحه وتحليله وقد لمست إلى أي حد كان يهتم بالشعر والأدب والثقافة، وأدركت المكانة العالية التي يصنع فيها الأدباء.
وفي إحدى المساءات وفي لفتة حضارية دعي الأدباء إلى (الثلاثائية) لتدارس قضايا الأدب وكثيراً ما يدعوهم وكانت هذه البادرة دليلاً على بعد حضاري وعصري، واضافة إلى الجوانب المعروفة في شخصية الأمير بندر السديري وهي تجربته العملية الناجحة والمؤثرة وخلفيته الاقتصادية، فقد تغيب بعض الجوانب الأخرى عن معرفة الكثيرين، ولكنها مهمة لإدراك تنوع هذه الشخصية وسعة آفاقها.
لم يكن بندر بن أحمد السديري ذلك الرجل الذي يلهث وراء الذيوع والنجومية والشهرة رغم التجربة الطويلة التي أمضاها مع الأدب والاقتصاد وبرغم النجاح والتأثير.. فإنه يتبين لك إلى أي مدى يحتقر المدح الفارغ، وينفر من المظاهر.. بندر هو البساطة بمعناها الواضح السائد، البساطة الخارجة من قلب الصحراء.
كان يحتفي بالأدب احتفاء نادراً ومثالياً، وكان يكسر وقته الطويل والثمين المملوء بالشواغل المهمة، لكي يناظر في مسألة أدبية أو يقرأ قصيدة أو يحاور أديباً، ولكنه لم يكن في نفس الوقت يبحث عن اضافة صحفية أو يلهث وراء أصحاب السلطة الإعلامية.
قدر بندر السديري انه أحب الشعر على الرغم من ان مساحات الذهن منه مفرغة لأشياء أخرى مهمة.
في أوائل أغسطس من عام 1983م استهل الأمير الشاعر بندر بن أحمد السديري ذلك المساء الصيفي بأبيات أقل ما يقال عنها: إنها ذات ملمح جمالي:


ما ابغيك تالي الليل والصبح حاديك
ابغيك في ليل نجومه سهارى
اسج أنا واياك ربي يخليك
سجّات مفتون بعشق العذارى

كانت نسائم الليل الطري تنساب إلى تلك الحديقة الواسعة التي تتناثر حولها الأحواض، وكانت الاضاءة الخافتة التي تأتي من أسوار القصر تهب المكان سكوناً غريباً، كان الليل يطوي الظلام والشاعر يتلو تلك البقية من تلك الأبيات التي بدأ بها مساءه:


نرمي ونخلف بالهوى في مراميك
والريم يا ريم الفلا منك ذارا
أوقف وناظرني ولحدن فطن فيك
وخل القنوص شمام عنا يسارا
أوقف وناظر من عيونه تحييك
يا لمنتحي منتب فريسة وكارا
ان كنت تغليني فانا مثلك أغليك
حاسب ولا لك بالتحدي خيارا

كان الوادي غير البعيد يضفي على أجواء الليل هدوءاً، والشاعر يقلب في تلك الأوراق القديمة، وينظر ناحية الألواح الخشبية، وأحياناً يعود بالذاكراة إلى تلك المسافات البعيدة يتذكر تلك الأيام الخوالي، بيوت الطين، أعواد الشبابيك القديمة. ولكن هيهات، فالرجوع في الزمن مستحيل:


ياليت لي عمرين ما هوب مره
عمر أجرب به وعمر أعيشه
حياة الغشيم إذ ما مضى حيل مره
وعقب التجارب صار يا زين عيشه
عرف خراجه ويش يسر ويضره
لا واحسايف عقب ما حت ريشه

كانت الفلسفة التي تبناها الشاعر في تلك الأبيات فلسفة غير مسبوقة (يا ليت لي عمرين).
كان الشاعر أو الفيلسوف يقول (يا ليت لي قلبين أو عقلين)، ولكن لم يقل أحد (يا ليت لي عمرين)، وإذا كان الشاعر استهل تلك الأبيات بتلك الأماني الغائبة عن التفكير، فلأن ما في القلب يحتاج إلى زمن طويل، عبر به الشاعر بعمرين عمر يحيا به وعمر يعيشه:


يوم اقبلت في زينها والمسرة
حطت على وجهه مواري كليشه
الياس والحرمان والجهل مره
ومرةٍ ظلم النفوس الغشيشه
بيت الحبيبة كل يوم نمره
وأشوف بابه مقفلاً والدريشه
جعل يسقى شوفهم والمسره
أنا شهد أني عايش خوش عيشه
واليوم ما بالسوق غير المضره
وانقاض باب رادمينه بهيشه

صورة أعادت الشاعر إلى سنوات قديمة، ولكن تلك السنوات لم تمحها الذاكرة..والشاعر يستعيد تلك الصور، لأن ما في النفس باق من تلك الأيام البعيدة.
صورة غابت في الزمن البعيد، ينقلها الشاعر بكل تفاصيلها الحسية والخيالية، وكأنه ينظر في «لوحة» «يوم اقبلت»، مرت سنوات على ذلك المشهد الذي لم تغفله الذاكرة، ولعل الشاعر فيما أظن يتذكر جزئيات المشهد صورة حاضرة في الذهن ولكنها باتت طيفاً:


بيت الحبيبة كل يوم نمره
وأشوف بابه مقفل والدريشه

صورة في الذاكرة لم يتبق من ملامحها سوى طلل دارس يمر به الشاعر كل يوم ولم ير منه غير ما يحزن القلب ويوجع الضمير:
«أنقاض باب رادمينه بهيشه»
كانت الذاكرة وفية وكان الإحساس (لبيت الحبيبة) حاضرا في القلب، حاضراً في الضمير، ولكن كيف رجع الشاعر في الزمن، وجاء به من أقصاه، ثم أراك صورة حية، وفي طرفة عين مر بك على أنقاض الصورة؟ قلائل أولئك الشعراء النابهون الذين يوقفون تجاربهم الشعرية على حركة السنين.
في نوفمبر عام 1984م نشر الأمير بندر أبياتاً اعتبرت ذلك الوقت- ولعلها تعتبر الآن - من أفضل ما كتب. وقد يكون لحظة قول القصيدة كان في صفاء ذهني تام استحضر معاني كل بيت، أراد أن يمتحن اللفظ الشعري في نقل الذات العاطفية.
كنا في واشنطن وكان الوقت يسمح لنا بالقراءة والإنصات، كان الجو بارداً والمطر يراود النزول، وقد نزل، وكانت الاضاءة الشاحبة التي تبدو في أقصى الغابة قد اختلطت بقطرات المطر. كان لوناً باهتاً غريباً وكان اللوح الزجاجي الذي يفصلنا عن الغابة والفضاء البصري الذي يوردنا على أطراف الأشجار، قد أصاب إحساسنا بالوله على الشعر:


دمعة حبيبي بيحت كل سدي
وأنا أتصبر وقت لحظات فرقاه

هل كان الشاعر يستقي صورة في الذاكرة صورة دمع الحبيبة بصورة قطرات المطر على اللوح الزجاجي التي كانت كالدمعة على «صفحة» الخد؟ غريبة تلك الحال التي تأتي فيها الأشياء متواردة ومتشابهة ومختلفة:


زماني العاثر على طول ضدي
زمان غادر ما قدرت اتحداه

وإذا كانت «دمعة حبيبي» من تلك القصائد التي تقرأ ولا تمل، فلأن الرجل يأتي بأقصى ما في العاطفة، ولأنه يستحضر حالة المعاناة الحقيقية استحضاراً حقيقياً.
وبعد ذلك نشر قصيدة «الشعر».


قالت توسل بالشعر والقصائد
وأرسم عروس الشعر بالشعر يا فلان
قالت قصائدكم عقود وقلايد
وكل غرامه يرسمه كيف ما كان
قلنا الشعر للناس ناقص وزايد
والشاعر الموهوب ما له فوايد
يحس باحساس الشقا والمكايد
يا كثر من عاهد ويا كثر من خان
والشاعر المتعوبللحب عنوان
همه يغني ما يحسه بالألحان
عمره مشقى للمحبين قايد
ضحية العشاق في كل ميدان
الشاعر الصادق حياته شدايد
وحبه من أوجاعه وحبه للأحزان
كنه طبيب للهوى صاررايد
أوالعشيق لكل عاشق وهيمان
هو الضفاير والترف والوسايد
وهو الضحية للمواجع والأشجان
هو المعني للمتاعيس قايد
وكل يحمل شاعر الحب ما كان
مسكين يا لشاعر حياته زهايد
لو كان صادق قالوا الناس غلطان

كانت (الثلاثائية) ومن بعد ذلك (الأحدية) منتدى أدبياً وثقافياً راقياً تضم حشداً من الشخصيات المهمة: أساتذة الجامعات، رجال الصحافة، رجال الدولة، رجال الاقتصاد، الشعراء، رجال الأعمال. كانت ذات تأثير في تشكيل الوعي الاجتماعي، وكان الفكر والشعر يسودان جلسات الأمسية.. وكان بندر بن أحمد السديري يضفي على تلك «الجلسة الأسبوعية» انسجاماً مدهشاً، كانت - وهذه حقيقة- مزيجاً رائعاً من الفكر والأدب والاقتصاد.
كانت الثقافة التي ينهل منها بندر السديري هي ما يعرف عن «الأكاديميين» بالثقافة الشاملة، أو ما يعرف عند الأدباء بثقافة (الأخذ من كل فن بطرف» ولكنه على أي حال يهوى ما يقرب به الشعر:


جاني خبر انك تهيم بقصيدي
وانك تحس اني اناجيك بابيات
معجب بوصفي وبمعاني نشيدي
يا حاضري والماضي اللي لنا فات
الفن لأهل الفن لو هو زهيدي
والشاعر الموهوب تكفيه كلمات
كلمات في هنات والروح عيدي
وامشي بشعري صوب وحيك مسافات
حررتني من صمت طول بقيدي
وخليتني شاعر طليق بلحظات
اسمع مناجاتي وشدو تغريدي
مع الذي لي في هواها مناجات
وحده خذتني بالشفايا والأيدي
حسيت معها بسجة وسهرات
تقول أنا أحبك وأنا قول زيدي
ترى هوى العشاق مثل الخرافات
العاشق الولهان مثل البليدي
اللي يعشق ولا يغير عشيقات
والله يا هل الفن ما هو بصيدي
بس الذي جاري رويته بكلمات

كانت «الغاط» أولى محطات ذلك السفر البعيد، فقد شهدت المدينة مولد الشاعر، وحين بلغ الثامنة من عمره شق طريقه إلى الرياض، وكان برفقة الأمير عبد الرحمن بن أحمد السديري، وكانا قد أمضيا يوماً كاملاً يقطعان (البر) على ذلك اللوري الأحمر. كانت الحياة في تلك الأيام تجري على نسق رتيب، وكانت المسافة التي تفصل «الغاط» عن «المربع» كافية على الأقل لأن تدخل شيئاً من التعب عليهما. كان يوماً شاقاً وطويلاً غادر «الركب» بيت ابن ربيعة في المجمعة، وحين أقبل على «الملتهبة» غشى الأفق ظلمة دامسة. «لا والله إلا غدينا» صاح رجل في أسفل «اللوري». كان الدليل يحار في تلك الأرض الضائعة، وكانت السيارات في ذلك الزمان تتيه في «الملتهبة» وقد لا يردها إلا «الصمان»، أو أن تنتظر إلى أن يسفر النور فتتبين طرقها.
وحين دخل الأميران قصر المربع وتوسط بهما الممر الرئيسي نظراً فإذا القصر بين ناظريهما.
عندما دخل بندر بن أحمد السديري الحادية عشرة من عمره أدخل مدرسة أنجال الملك عبد العزيز، وكان معه في الفصل الأمير نايف بن عبد العزيز والأمير سلمان بن عبد العزيز والأمير سعد بن خالد بن محمد، وكان مدير المدرسة آنذاك الشيخ عبد الله خياط وكان رجلاً فاضلاً.
يقول بندر السديري: كنت مولعاً بالأدب والشعر وكنت أشارك في صحيفة المدرسة، وكان حرصي لا يوصف على حفظ الأشعار العربية، كنت أسمع القصائد الطوال وأتذكر انني كنت أردد ابيات عنترة:
إذا كشف الزمان لك القناعا
كنت أجد نفسي في الفنون الأدبية، ولا سيما الشعر والقصة، وقد لخصت قصة «وافق شن طبقه» وقد أعجب ذلك التلخيص استاذي.
كان ابن مديميغ رجلاً شهماً تعلمت على يديه طرائق الكتابة والقراءة والخط، وجاء من بعده الشيخ السناري الذي كان يخلص للدرس اخلاصاً فذاً.. وعلى الرغم من أن الشيخ في أغلب الأوقات يكون متوتراً إلا أنه كان واضح الاتجاه ناضج التفكير زاد معرفتي بالأدب وبالشعر. كانت حياة دراسية ممتعة جنيت منها الكثير من المعرفة، وتعلمت من أولئك الأفذاذ النابهين ما أعتز به في حياتي أياماً وأياماً. وبعدها سافرنا إلى مكة المكرمة عن طريق البر وأقمنا في قصر السقاف.
مرت سنوات على عودة بندر بن أحمد السديري من مكة المكرمة، مرت السنون «سراعاً» كان يتذكر تلك الأيام السابقة عندما كان شاباً في مدرسة أنجال الملك عبد العزيز، مضت سنوات طويلة وكان الشعر أول اكتشاف يبدأ به حياته. كان في أول شبابه عندما قال أول قصيدة.
لقد أحب الشعر وأراد أن يصيغ الشعر ذاته، ولكن جاء عليه وقت بعد أن تعدى الثلاثين انشغل فيه عن الشعر، ولكن ما لبث أن عاد إليه، قدر بندر بن أحمد السديري انه شاعر وأنه يسعى إلى النجاح ما وسعه السعي، ولكن كان الشعر أقرب الأشياء إلى قلبه، كان هاجسه بل كان يلح عليه، وكان لا يمر زمن أو ظرف أوموقف إلا قال في ذلك شعراً، وكان كلما وجد فرصة التفت إلى الشعر، ولا تسأل إلى أي مدى كان يمد حبال مشاعره وخصوصاً عندما تكون الأيام لحظات فرح دائم:


العمر لحظة والليالي ثواني
يا لله نغني ونتسلى ونرتاح
أنا مثل غيري زماني كواني
ما تنفع المنوه ولا نوح من ناح
يا لله نغني صرت أنا شخص ثاني
يا لله نخلي ليلنا ليل وأفراح
طق الطبل وافرح ترى العمر فاني
والمال ما ينفع الى كلشن راح
يا بو هلا داعي ضميري دعاني
خلك مثل غيرك ظريف ومزَّاح

قصيد بندر السديري يختلف عن القصيد في أنه ينزع إلى لذيذ الفرح «يا لله نغني».. «طق الطبل» و« افرح ترى العمر فاني».. وليس معنى هذا أنه لا تألم عواطفه أو لا يضيق صدره، وانما هو مثل غيره يقول:


أنا مثل غيري زماني كواني
ولكنه يسعى إلى السعادة سعياً حثيثاً:
هي تحسبني سالي عن هواها
بس الهوى للناس لابد نخفيه
ما ابغى البحر يا فلان لو هو وراها
ابغى فيافي نجد والغيث يسقيه
وسمية والفقع نلقى جناها
أنا وخلي نلتقي في مجانية

إلى أن يقول:


مدري أحفر ارض يخفى جناها
والا اراعي من جنى العمر بيديه
هل الوبل ودموع عيني بكاها
لجل الذي وصفي عجز عن معانيه
الوصف يعجز عن معاني حلاها
خذوا لها شعري عساها تغنيه
أبيات وصف في ملامح بهاها
يا ليت شاعرها بلمحة تجازيه
الورد لونه سارقه من شفاها
ورجع سروق اللون خده يحليه
طرد الهوى روحي سبايب ضناها
وهذي سواه مولع حب غاليه
الله يجمعنا بنجد وريحه هناها
ونعيد ما ضينا ونفرح بتاليه

وإذا كان الشاعر يألف القول اللين، فلأنه يستجيب إلى الخيال السهل الطري الذي ينعش الروح، كانت الصحراء تهبه السعة، وكان الترحال يفضي به إلى الآفاق.


كتبت لك يا ناسي خط خلك
أوصف لك الجاري بعدة مكاتيب
أبغي حنانك والوفا فزعة لك
يا سيد من بلغي سجن رعابيب
يمشي على الكايد عنا عنوة لك
حذر يختل الدرب لك ختلة الذيب
تباريك عدوانك مباراة ظلك
شيبت أنا منهم ولا بيك تشيب
بين الحنايا يا حبيبي محلك
ملفا حبيب مسكنه صدر حبيب
مبطين ما شفناك لا حول قدلك
من شمسك اللي نورت لين تغيب
يا ليت منهو يا حبيبي وصل لك
في ديارك اللي ما لفتها المناجيب
فيها الزهر فيها النفل مرتع لك
وحولك خوندات عذاري رعابيب
ما همني لو حاربن وفزعن لك
با عيونهن ورموشهن والجلابيب
بين الثرايا والخوندات ادلك
أشن غارة لو سببها عذاريب
بس انتبه وافزع إلى طاح خلك
قل مزبنه عندي ولا هوب غريب

كان بندر بن أحمد السديري مغرماً بالصحراء يضرب في فلواتها كلما أحس بجفاء المدينة،. أمضى شطراً من حياته في فلاة الشمال.
«أبغي فيافي نجد والغيث يسقيه»
وإذا دققت النظر في أداء الشاعر وألفاظه وخياله ومعانيه وجدت أن أحجار الصحراء، ووهادها وآكامها تسكن القصيدة:


وسمية والفقع نلقى جناحا
أنا وخلي نلتقي في مجانيه

كانت الأيام التي أمضاها الشاعر في الشمال من أمتع الأيام التي مرت، ومن أكثرها صفاء، ومن أكثرها ولها على الشعر:


يا ليت منهو يا حبيبي وصل لك
في ديارك اللي ما لفتها المناجيب
فيها الزهر فيها النفل مرتع لك
وحولك خوندات عذاري رعابيب

كان لا يمر يوم إلا وينظم بيتاً أوينشد بيتاً، كان للشعر حضور في تلك الأمكنة، وكان مجلس الأمير الشاعر محمد بن أحمد السديري مفتوحاً إلى آخره، وكانت الوفود الشعرية تفد الى المجلس.
في عام 1983م نشر بندر بن أحمد السديري (الألفية).
كانت احدى الملاحم التي صاغت الفكر العاطفي بأداء شعبي حزين، اختلط فيها الحب بالحزن، تروي فلسفة خاصة حرص الشاعر على أن يمزجها بالغرام.
مرت الأيام سراعاً وجاء على الشاعر زمن انشغل فيه عن القصيد، احياناً يكتب البيت أو البيتين وهو في الطريق، أو المصنع أو الفضاء.
وفي أوائل أغسطس من عام 1979م نشر أبياتاً يرثي فيها الأمير الشاعر محمد بن أحمد السديري، كانت ذات حزن شديد تبكي الأمير وتذكر أيامه العظيمة في البناء والجهاد والشجاعة والمروءة والكرم.


البارحة جانا الخبر تالي الليل
علم خطير فجع اللي لفا به
قالوا نعزيكم بدمع هماليل
والكل منا لوعته في مصابه
اللي عطى للمجد فعل وتدليل
عزي لكم يا لابته في غيابه
محمد بن أحمد قليل بهالجيل
فلعله كبير وكل حي درى به
إذا ذكر السديري قيل أبو زيد دليل
كل يعرفه ويتنحر جنابه
يا عزتالي يا لمعزي وبلحيل
أنا اشهد أنه بالوطن له مهابه
نعجز عن افعاله ونعجز عن الشيل
ادروبه مخلات ولا ينحكي به
قرم سنافي جيد صملت الجيل
من رجال السعود اللي ملكهم غزابه
عبد العزيز اللي عطاه وثق حيل
في نجمه الصاعد وزهرة شبابه
قاد الجهاد وقال له ويلك الويل
لو تنهزم يا صملتي من عصابه
انحر فلسطين الذي لي بها جيل
شعب إلى شفته مضيع صوابه
يضرب على الكايد عدوه بتنكيل
حيثه يدافع عن تراب ربي به
هلت دموعي يالغضي تالي الليل
حيث اني اذكر جيشه اللي غزا به
وينتمي للجند والدم يسيل
ويموت بالضفه ولحدن درى به
دن النجر يا بجاد وامله من الهيل
واثلث بصوت عارفين جوابه
خل الدلال مبهرة والمعاميل
كنه يبي يجلس بمجلس مهابه
مجلس محمد بالعصر واول الليل
والمجلس الثالث قصيد سلابه
والفجر يصلي مع تراتيل
وبالضحى يفزع لمن طق بابه
إرجال هاك الحين ركابه الخيل
اللي تخالط نوهم مع سرابه

لم يكن الأمير بندر بن أحمد السديري إلا انساناً راقياً في انسانيته في تعامله في بساطته في شهامته، ووفائه وعصاميته ونبله وتفكيره وعمقه ووضوحه واخلاصه، ولعلك تتبين تلك الصفات الفردية عندما يقترب منك أو تقترب منه بل إن تلك الصفات النفسية هي دائماً محور احاديثه وكلماته وأفعاله وهي محور علاقاته الاجتماعية وصلاته الانسانية.
تقول شخصية مهمة لازمت الأمير بندر السديري أن الأمير بندر ذو حضور اجتماعي وانساني واسع يسعى إلى فعل الخير بصمت مطلق شديد الحرص على الشأن الإنساني يبادر في السؤال عن الأحوال وكان إلى جانب ذلك يظهر اهتماماً شخصياً باصدقائه.
كان المحور الانساني تدور حوله كل علاقاته الاجتماعية كان لا يمر يوم إلا ويعود مريضاً أو يزور صديقاً أو يسأل عن حاجة أحد، وكان لايرد دعوة أحد، فالذين رأوا، من على القرب أوالبعد تعامله يحدثونك عن هذا، والذين ألجأتهم إليه حاجة من حاجات الدنيا يؤكد على هذا.
كان يعمل بصمت يتحلى بالصدق وكان مدرسة في الكرم والأخلاق والنبل لقد ترك الأمير بندر من الأعمال الجليلة والأخلاق الفاضلة الشيء الكثير رحمه الله رحمة واسعة.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved